بين تأييد ومعارضة تباينت ردود الأفعال عند صدور كتاب "خفايا الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام" للناقد الأمريكي ويلسون براين كي الصادر عام 2005 عن دار الأوائل في دمشق، وترجمه محمد الواكد، وظهرت العديد من الدراسات النقدية في البلدان الغربية، أما في وطننا العربي فقد منع الكتاب في بعض المعارض الدولية للكتاب بسبب صور في الملحق المرفق بآخر الكتاب، غير أنه صدرت له طبعة جديدة سورية. الكتاب يدور حول آلية وكيفية الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام، فهو عبارة عن عمل شامل ومتكامل، حيث إنه يوضح كيف أن الأفكار البشرية وسلوكها يتم تسخيرها بشكل سري من قبل بعض الإعلاميين، من أجل السيطرة والتوجيه والتلاعب بسلوكنا الشرائي. وربما يحاول المؤلف في كتابه تأصيل نظرية " فرويد " في كل ما يُدار على شاشات التلفزيون وصفحات الصحف والمجلات. بدأ المؤلف كتابه من فكرة أن الثقافة الأمريكية أسست على مفهوم حرية الإرادة، والاعتقاد بأن كل الأفراد باستطاعتهم وعبر وعيهم الإرادي أن يحددوا لأنفسهم قيمهم الأخلاقية واهتماماتهم السياسية، والاقتصادية، ومحيطهم الاجتماعي، لكنه ما يلبث يفند هذه الفكرة من خلال إفساد المجتمع وخصخصته لمصلحة نظام اقتصادي فعَّال موجَّه من قبل التجار. يسلط الكتاب في فصوله المختلفة على الهدف من الاستغلال الإعلامي الجنسي، ويكشف في ذات الوقت عن الطرق التي تقوم بها كل من الدوريات والصحف والفضائيات من خلال الأفلام والموسيقى الشعبية، حيث تقوم على مبدأ الاغتصاب والاستغلال والاستلاب الفكري للشعب. وكان كتاب البروفيسور "كي" السابق الذي يحمل اسم "الإغراء اللاوعي" قد تعامل مع الخداع المرئي، أما هذا الكتاب، فإنه لا يكمل المزيد من أمثلة الخداع المرئي فحسب، بل إنه توسع ليشتمل تقنيات الخداع السمعية والشمية أيضاً. ففي الفصل السادس تحت عنوان "تلك النظافة تعني لا رائحة"، يرى الكاتب أن كل ما تحتاجه الشركات الكيماوية والمصنعة للعطور لتغيير حياة المجتمع الأمريكي هو الوقت والميزانيات الإعلامية الضخمة. "فالشم هو عمل تجاري كبير"، وبناء على ذلك يتركز عمل شركات العطور في إثارة الشهوة، والجنس، طالما "حاسة الشم تمتلك أفضل ذاكرة". ويعرض الكتاب أيضًا كيف تلاعبت شركات الإعلانات والروائح في مواقف الناس وأذواقهم وحساسياتهم تجاه الروائح المختلفة؛ فمثلاً لا يوجد أي قارئ أمريكي يشك بأن مزيلات الروائح هي أمر غير ضروري في الحياة الأمريكية. يدرك القارئ للكتاب أن هناك العديد من الرموز المخفية في وسائل الإعلام الأمريكية بغرض تكييف وبرمجة العقل الباطن للإنسان في العالم، وإغوائه لا شعورياً، لأن وسائل الإعلام الأميركية تعلم تماماً كيف تستغل مشاعرك وسلوكك الشرائي، وكيفية قيام إعلانات الحلوى بإزالة مخاوفك من زيادة الوزن، قهي تبدو وأنها تعلم كل شيء عن مخيلات الإنسان ومخاوفه وعاداته المتأصلة والعميقة. وقد كشف المؤلف في الكتاب أن مجلات مثل بلاي جير وفيفا المخصصة للنساء؛ هي في الواقع تستهدف الرجال كيفية قيام إعلانات السجائر بإزالة مخاوف الإنسان المتلقي من الإصابة بالسرطان، ومن أجل زيادة أرباحها تطلق إعلانات حول الأزياء بالتوجه الى السحاقية المستترة، كما تروج وسائل الإعلام الاميركية كما يشير الكاتب للمخدرات، ويتم نشر إعلانات بحركات معينة لإثارة الرغبة الجنسية، والذهاب الى أبعد من ذلك لاستعباد الإنسان المشاهد. في فصله "فيلم الرقية" كشف البروفيسور "كي" عن الطريقة الجديدة بالملاحظة، والتي قامت بدمجها كل التقنيات المرئية والسمعية، والتي كانت ذات تأثير وتحريض تبادلي من أجل إنتاج التأثير المرعب لذلك الفيلم. القليل من الأضواء الوامضة على الشاشة يوحي بوضوح ووعي شبح الموت. أصوات غريبة ومخيفة "والتي يمكن تسميتها فن اللصق الصوتي" تشق طريقها إلى الداخل والخارج لخلق وترقية الشعور بالخوف. فيحاول في الفصل الثامن للكتاب الإجابة عن سر تحقيق موسيقى الروك مبيعات خيالية دون غيرها، حيث تُعَدّ سوقًا كبيرة تنتشر بين المراهقين. ويرى أن سر إقبال المراهقين على هذه المقطوعات يكون غالبا لا شعوريا، حيث تتضمن خلفيات معينة تحتوي على كلمات "بذيئة" وشعبية، تخاطب عواطف "فاسدة"، والأهم هنا وجود تحفيزات جنسية لا شعورية قوية جدًّا، وترويج كبير للمخدرات والإدمان. العديد من التقنيات المتشابهة -أيضاً- تم مناقشتها، والتي تصادق على القدرة الهائلة لوسائل الإعلام على التلاعب بالإنسان، وإنتاج خوف لا يمكن السيطرة عليه، وكذلك تجاربات عميقة. في فصله الذي يتحدث عن الروائح، فإنك ستحصل على تبصرات جديدة تتعلق ب"مستر كلين"، و"موت العنبر"، ربما أنك ستعق عندما تقرأ عن ثقافة الأدوية، وعن موسيقى الروك. تقنية حديثة كانت قد زودت بطرق جديدة للتلاعب بالرؤية والصوت والرائحة في مجالات حسية عديدة من الخداع البشري، والتي تم تصميمها من أجل تجاوز دفاعاتنا الإدراكية والولوج في عالم اللاوعي في عقلنا الباطن. اهتمام البروفيسور "كي" الشديد هوليس أننا مستغلين، بل هو أنه يتم ذلك ونحن لا نعلم، ليس لديه أي نزاع بشأن الإغراء المتفق عليه تبادلياً، ولكنه يعارض بشدة الإغراء المخادع، لذا فهو ضد الاستغلال الجنسي عبر وسائل الإعلام. كما يشير ويلسون كي في كتابة "خفايا الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام" إلي أن التقنية السرية في الإعلانات تستهدف اللاوعي أو اللاشعور، الذي يشتمل على نظام تخزيني هائل في الذاكرة بُغية السيطرة على السلوك، وحصر أنظمة القيم الأساسية، إدارة الحافز البشري، وتوجيهه لخدمة القوى الخاصة. ونتيجة للتكرار وربط قيمة معينة بصورة معينة لها نموذجها الخارجي، أصبح الارتباط شرطياً، وبالتالي تكون الصورة المتعلقة بهذا المفهوم أو تلك الفكرة موجودة ولها »منتجاتها« الخاصة التي تستطيع أن تقتنيها لتُسقط تلك الفكرة أو ذلك التوجه الفكري المعين أو السلوك على شخصيتك. فالصيغة المطروحة في السينما لا تتوقف عند شاشة العرض فقط، بل تمتد لخارج دور العرض ليعيشها الفرد في منتجات الطعام واللباس، والشارع والتلفاز فضلاً عن الترفيه والتسلية. لقد توسّعت السينما لتكون أكثر من مجرد برنامج أسبوعي، فهي أي السينما باتت للكثير من الناس الوجبة الغذائية السريعة والمزودة بسعرات حرارية كبيرة وفيتامينات قليلة.