نشرة التوك شو| أزمة تعديلات قانون الإيجار القديم وعقارات كورنيش الإسكندرية مهددة بالانهيار    "فوز الأهلي واليونايتد".. نتائج مباريات أمس الخميس 8 مايو    بعد تعيينه في الجهاز الفني للزمالك.. أحمد سمير يفسخ تعاقده مع فريق الأولمبي السكندري    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    بيل جيتس ينوي إنفاق قسم كبير من ثروته على الأعمال الخيرية    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر يونيو 2025 بعد قرار التأمينات (اعرف هتقبض كام؟)    في خطوة لخفض التصعيد، باكستان والهند تجريان اتصالات على مستوى مجلسي الأمن القومي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    النيابة تعاين حريق شب داخل مقر الشركة القابضة للأدوية بالأزبكية    حبس 5 متهمين لسرقتهم السيارات والدراجات النارية بالتجمع    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    بجائزة 50 ألف جنيه.. محمد رمضان يعلن عن مسابقة جديدة لجمهوره (تفاصيل)    7 يونيو.. جورج وسوف يُحيي حفلًا غنائيًا في لبنان بمشاركة آدم    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    ملف يلا كورة.. فوز الأهلي.. رسائل الرمادي.. وتأجيل حسم أزمة القمة    أموريم: الدوري الأوروبي يختلف عن بريميرليج.. ومواجهة توتنهام ستكون رائعة    «الأسقفية الأنجليكانية» تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب بابا الفاتيكان    عهد جديد من النعمة والمحبة والرجاء.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ بابا الفاتيكان    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    موعد مباراة بيراميدز ضد البنك الأهلي في الدوري    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    عاجل- مسؤول أمريكي: خطة ترامب لغزة قد تطيح بالأغلبية الحكومية لنتنياهو    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    موجة شديدة الحرارة .. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الجمعة 9 مايو 2025    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    متحدث الكنيسة الكاثوليكية: البابا الجديد للفاتيكان يسعى لبناء الجسور من أجل الحوار والسلام    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    حدث في الفن- انهيار كارول سماحة ونصيحة محمود سعد بعد أزمة بوسي شلبي    مفاجأة بعيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. انتخاب الكاردينال الأمريكى روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان.. إعلام عبرى: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو.. وقيمة عملة "بتكوين" تقفز ل100 ألف دولار    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوريا تئن بين سندان السلطة ومطرقة الإصلاحيين
نشر في محيط يوم 12 - 08 - 2007


سوريا تئن بين سندان السلطة ومطرقة الإصلاحيين

كيف سارت السياسة الإقليمية السورية في العهد الأسدي ؟ وكيف جمع نظامه بين المتناقضات وبدل السياسات بحسب الظرف التاريخي ؟ ورغم ذلك فكثيرة هي الضغوط التي تواجهها سوريا الآن من الولايات المتحدة وأوروبا ودولا عربية أخرى إضافة لمزيد من اللبنانيين والسوريين، ثم والأهم مواجهتها لمعركة الإصلاح الداخلية
والتعامل مع كافة القوى المعارضة ذات الذاكرة المليئة بالشجون نتيجة تحرشات السلطة بها تارة بالمصادرة وتارة بالاعتقال وربما التصفية .
محيط : شيرين صبحي
ضمن سلسلة قضايا الإصلاح بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، صدر كتاب "معركة الإصلاح في سوريا" لمجموعة من أهم الكتاب والباحثين السوريين هم : برهان غليون ، رضوان زيادة، حازم نهار، عبد الرحمن الحاج، رزان زيتنة، ميشيل كيلو، ياسين الحاج صالح، وتحرير رضوان زيادة .
يحاول الكتاب بلورة رؤية كلية للنظر إلي مستقبل سوريا ورهاناتها القادمة وطبيعة التغيرات التي ستشهدها علي الصعيدين الدولي والإقليمي أو علي الصعيد الداخلي.
يتمحور الكتاب الذي يقع في 246 صفحة من القطع المتوسط ، حول ثلاثة محاور، يركز الأول منها علي السياسة الإقليمية لسوريا، بينما يركز الثاني علي تصورات أو سيناريوهات التغيير انطلاقا من فهم الواقع الحالي، أما المحور الأخير فيركز علي حالتي المجتمع المدني وحقوق الإنسان في سوريا.
السياسة الإقليمية السورية

برهان غليون في بحثه حول " دور السياسة الإقليمية في تحقيق السيطرة الداخلية"، يتناول مرحلة الصعود والبناء للنظام السوري وذلك بالبحث في التجربة السياسية التي قادها الرئيس حافظ الأسد، وتسليط الضوء علي نموذج الحكم الذي بلوره خلال عقود ثلاثة من السلطة المتواصلة ، حيث شكل نظام الأسد استقلالية لسوريا مما جعلها تتبوأ مكانة استثنائية في المنطقة الشرقية ،
حيث تمكن النظام من الجمع بين المتناقضات وتبديل السياسات والانتقال من تحالف إلى أخر دون ان تختل توازناته الداخلية أو تتأثر صورته الخارجية.
ويسرد غليون لعوامل الأزمة والانحسار حيث بدأ النظام السوري يفقد قوة دفعه الحقيقية منذ الثمانينات مع تراجع حجم موارده السياسية والمعنوية ومصادر الريع الخارجية واضطراره للتحول من جديد نحو الداخل ، فعلى المستوى الاقتصادي لم تتمكن عوائد تصدير النفط المحلي من الوفاء بالتكاليف المرتفعة للسياسات الأمنية الداخلية والخارجية معاً. وكما انهارت ارباح الالتحاق بالثورة الاشتراكية العالمية ، انهارت أيضا قيمة الربح الأيديولوجي والمالي المستمد من التعلق بالشعارات القومية والنطق باسمها مع نهاية الصراع المسلح مع إسرائيل والقبول بمبدأ حل النزاع بالوسائل التفاوضية ،وتراجع الحاجة إلى خدمات النظام السوري لضمان استقرار المنطقة.
أما مرحلة الانحلال ، بحسب الكتاب، فقد بدأت مع تراجع الدور الإقليمي لسوريا مع زوال الحرب الباردة من جهة والإنهاء المأساوي للمواجهة العسكرية العربية الإسرائيلية بخروج مصر من المعركة وتوقيعها على كامب ديفيد من جهة ثانية. وكان علي النظام الاسدي أن يعيد تكييف نفسه وأن يجد مخارج للأزمة الحقيقية التي واجهته، وهو ما قام به بالفعل بنجاح عندما قبل المشاركة بقوات التحالف الدولي لغزو العراق 1991م والدخول في مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية التي أطلقها مؤتمر مدريد للسلام.
وكان لوفاة حافظ الأسد الذي كان يمسك وحده بأسرار عمل النظام الذي بناه في هذه المرحلة بالذات أثر كبير على تهور سوريا في خيارات سياسية غير قادرة علي السيطرة علي نتائجها.
ويرصد ميشيل كيلو "تحولات السياسة الإقليمية السورية في العلاقة مع لبنان" من خلال العلاقات السورية اللبنانية قبل عام 1963م وبعدها، موضحاً أن العلاقات السورية اللبنانية قبل 1963م انطبعت بطابع مشوه بسبب العقلية الأمنية التي صبغت هذه العلاقة حيث رغبت دمشق قبل حكم البعث في ألا تكون مقراً أو ممراً للاستعمار وبعد أن تولى البعث مقاليد الحكم حرص على ألا تكون بيروت مكاناً يهدد النظام السوري القائم آنذاك.
ويشير الباحث كيلو إلى أن علاقات البلدين – باستثناء فترة قصيرة في أواسط الأربعينيات – اتسمت بتداخل المصالح والسياسات.
سوريا ولبنان.. مشقة الأخوة
الدكتور رضوان زيادة يوضح في بحثه " العلاقات السورية – اللبنانية .. مشقة الأخوة " أن سوريا تجاوزت مرحلة صراعاتها الداخلية المتنافرة والتي امتدت منذ انقلاب حسني الزعيم الأول عام 1949م وحتى الحركة التصحيحية 1970م وذلك بعد خروجها من حرب أكتوبر 1973م ، وقد ساهم ذلك في تحويل سوريا من موقع يتنافس عليه الجميع إلى لاعب يطلب وده الجميع، وهذه هي الفرضية الرئيسية التي عمل الباحث الاسرائيلي موشيه ماعوز في كتاباته علي إثباتها حيث "تحولت سوريا تحت قيادة حافظ الأسد من بلد ضعيف لدولة تبدو قوية ومستقرة وإلى قوة إقليمية في الشرق الأوسط".
لقد ساعدت حرب أكتوبر ، بحسب زيادة، الرئيس السوري الأسد لكي يصبح محط الأنظار العربية والعالمية فبعد عودة القنيطرة المحررة عن طريق اتفاقية فصل القوات ذهب بنفسه ليرفع العلم السوري فوقها. وأصبح يطلق علي الأسد بطل التشرينيين في إشارة إلى حركته التصحيحية في تشرين الثاني / نوفمبر 1970 التي تمكن بعدها من الاستيلاء علي الحكم، وتشرين الأول/ نوفمبر 1973م الحرب التي خاضها لتحرير الجولان.
ويوضح الباحث أن الدور الإقليمي الجديد الذي كان علي سوريا أن تلعبه مستقبلا بدأ في زيارة نادرة إلى لبنان في يناير 1975م للقاء الرئيس سليمان فرنجية بهدف تأكيد سوريا علي مساندتها الكاملة للحفاظ علي سيادة لبنان وسلامة أراضيه، ولم يكن يمضي ثلاثة أشهر علي هذا اللقاء حتى اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل 1975 ودخلت لبنان مرحلة من الصراعات أنهت سلطة الدولة وحولتها إلى مقاطعات تحكمها عصابات مسلحة.
ويشير الدكتور زيادة إلى أن التدخل السوري السياسي مبكراً كان بهدف وقف القتال بين الأطراف المتناحرة ، فلبنان لا تمثل فقط عمقاً استراتيجياً لسوريا وإنما الحفاظ على وحدتها هو جزء من الإستراتيجية السورية التي اتبعها الأسد للحفاظ علي التوازن مع الصراع العربي الإسرائيلي، وبالفعل تمت "تسوية سياسية" للحرب بين الطرف المسيحي الماروني وبين الحركة الوطنية اللبنانية حين رعت دمشق الإعلان عن " الوثيقة الدستورية " اللبنانية في 14 فبراير 1976م.
سياسات التغيير وسط الأزمة
يوضح ياسين الحاج صالح في ورقته "الصراع حول مستقبل سوريا.. سياسات التغيير في بنية مأزومة" أن هناك تجربتان مكونتان لنظام الحكم البعثي في سوريا : التجربة الأولى هي الاستيلاء بالقوة علي سلطة الدولة عام 1963م ، والثانية هي استيلاء بالقوة علي المجتمع عام 1980م في سياق المواجهة بين النظام والإسلاميين.
وقد أسست التجربة الأولي لنظام الحزب الواحد واحتكار السلطة وتكريس حالة الطوارئ ، ونظروا إلى السلطة كملك شرعي لهم بالخصوص بعد تجربتهم أيام الوحدة السورية المصرية التي اعتبروا أنهم خرجوا منها خاسرين.
شهدت سوريا ثلاثة عهود بعثية هي (1964- 1966)، ( 1966- 1970) ، ( 1970 - .. ) وتم الانتقال من واحد منها إلى الآخر عن طريق الانقلاب العسكري .
وكان النظام البعثي قد عمل علي بناء شرعيته علي استعادة الأرض المحتلة وعلي العدالة الاجتماعية، أخفق في الأولى، وكانت فكرته عن الثانية " اشتراكية" أي تأميم أملاك الإقطاع والبرجوازية، وهو ما اكتمل خلال السنوات الأولي من الحكم البعثي. وكان تدفق أموال نفطية بعد عام 1974م علي سوريا قد رفع معدلات النمو وأسهم في التوسع في مشاريع في البنية التحتية والصناعة من جهة، لكنه كذلك غذى تنمية أجهزة الأمن، كما مول الفساد ثورة في الاستهلاك الكمالي والتفاخري.
ويستخلص ياسين الحاج – الذي سبق اعتقاله لمدة 16 عام بتهمة " مناهضة أهداف الثورة " - في بحثه أن النظام الذي استطاع إلحاق الهزيمة بكل اعتراض عنيفاً كان أو سلمياً، لم يعرف كيف ينتصر، حيث جرد مواطنيه من السياسة وركزها في أيدي أجهزة تعمل بالعنف لدرجة أن الحكومة ذاتها أصبحت عاجزة عن المبادرة السياسية.
الأسد والإسلاميون
سهم تفجر الصراع العنيف بين نظام الرئيس حافظ الأسد والإسلاميين ، بحسب ورقة ياسين الحاج، في دفع المسألة الطائفية إلى السطح حيث شعر المواطنون من الأصول العلوية أنهم مستهدفون ولاذت أكثرية منهم بالنظام. ويضيف الحاج إن التقاء الخوف والارتياب يشكل جوهر أزمة ثقة عامة تمر بها سوريا اليوم ، وهي أزمة علي المستوي الأهلي" الإثني، الديني، والمذهبي"
وكذلك على المستوى المدني الايديولوجي والسياسي، موضحاً أن أولويات النظام كانت البقاء علي أي شيء أخر حيث قادته تلك الأولوية إلى تفضيل الولاء علي الأداء وأهل الثقة علي أهل الكفاءة وروابط الدم علي معايير الإنجاز.
كما يؤكد أن تفاعل أزمة الدولة وأزمة المجتمع المدني، يولد أزمة ثالثة يسميها المؤلف " أزمة الهيمنة " أي افتقار البلاد إلى قوة اجتماعية موحدة وعمومية تتيح للسوريين أن يتعرفوا عبر سياساتها وبرامجها علي مصالحهم المشتركة والوصول لحل أزمة الثقة الوطنية.
تيارات الإسلام السياسي بسوريا
تتلمس دراسة عبد الرحمن الحاج ظواهر الإسلام السياسي وتستكشف تياراته معتمدة على قراءة لمعظم ما كتب عن هذه الحالة، حيث يؤكد في بحثه المعنون ب "ظواهر الإسلام السياسي وتياراته في سوريا.. استعادة الخيار الديمقراطي" أن ما كتب عن سوريا واقع تحت تأثير الدعاية الإعلامية للنظام السوري.
وقد تشكل الإرث السياسي الإسلامي الخاص بسوريا عبر مرحلتين شديدتي التمايز: الأولى "مرحلة الانتداب الفرنسي وما بعد الاستقلال حتى انقلاب الأسد عام 1970 وما سمي بالحركة التصحيحية" ، والثانية " مرحلة الرئيس حافظ الأسد وتوريث نجله السلطة عام 2000 وحتى اليوم".
نشأت أول تنظيمات إسلامية معنية بالحياة العامة في الثلاثينات من القرن الماضي تحت تأثير مقاومة الاستعمار الفرنسي وبأسماء مختلفة، والتي شكلت فيما بعد "شباب محمد" الذي تحول لتنظيم الإخوان المسلمين والذي لم يكن في وقت من الأوقات حركة شعبية كبيرة إلا في نهاية السبعينيات. ولم تشهد سوريا حركة أصولية سياسية عنيفة في تاريخها باستثناء فترة الأحداث (1976- 1982) فكل حركات الإسلام السياسي كانت حتى ذلك الوقت تؤمن باللعبة الديمقراطية، ولا تشكل برامجهم السياسية فروقاً واضحة عن برامج أي حزب علماني محافظ باستثناء البصمة الدينية المحدودة التي تتجلى في مطلب أو اثنين حيث تبدو مجرد زينة في إطار برنامج سياسي صرف. والأكثر من ذلك فقد ساهم الإخوان في أول صياغة علمانية للدستور السوري عام 1950م واكتفى الإخوان بقبول بندين في الدستور يتعلقان بالإسلام.
وقد نشا أول تفكير في تأسيس تنظيم أصولي عنيف بعد عام 1963م ، بحسب الكتاب ، أي بعد استيلاء البعثيين على مقاليد الحكم، ويتضح من ذلك أن منشأ التفكير الأصولي يعود لسببين رئيسيين هما: احتكار البعث للسلطة، والاستقطاب الطائفي في قيادات الجيش وحزب البعث.
ويشير المؤلف إلى أن تاريخ الإسلام السياسي في سوريا لا يقتصر علي التنظيمات والأحزاب السياسية الإسلامية، فتاريخ الإسلام السياسي يمتد ليشمل كل الذين مارسوا العمل السياسي تحت مرجعية دينية إسلامية ولو كانوا في أحزاب علمانية حيث شكلت ظاهرة الإسلاميين المستقلين جزءا مهما وذا مغزى في خارطة التاريخ السياسي لسوريا بعد الاستقلال.
إرغام الأصولية وحصادها المر
خلفت السنوات الثمان في الستينات ، بحسب عبدالرحمن الحاج، أحقاداً بين الإسلاميين والبعثيين علي وجه الخصوص ، وقد سرت تداعيات الاحتقان بين النظام والإخوان ومعهم تنظيمات المعارضة الأخرى، إلى الشارع السوري وجيشه وأحزابه، فعقب التدخل العسكري السوري في لبنان وقعت سلسلة من الاغتيالات السياسة والهجمات علي قادة البعث.
وكان مناخ التوتر الطائفي والسياسي الحاد – إضافة لتحول خطاب الإخوان المسلمين منذ أواسط السبعينيات باتجاه خطاب جهادي- قد وفر وسطا ملائماً لانتقال الإسلاميين الشباب عموماً باتجاه خطاب العنف.
ويقول الحاج أن التفكير في التخلص من تنظيم الإخوان بالقوة منذ محاولة اغتيال الرئيس الأسد في 26 يونيو 1980 أو من قبل ذلك حيث صدر قانون في 8 يونيو القانون 49 الذي يجعل عقوبة الانتماء للإخوان والاشتراك معهم أو الترويج لآرائهم جريمة عقوبتها الإعدام!!، وجرت عدة مجازر في حلب وحماة وجسر الشغور في مارس وابريل ، وأمر الضابط رفعت الأسد (شقيق الرئيس) بارتكاب "مجزرة تدمر" في 27 من نفس الشهر والتي يقدر ضحيتها بين 500- 1181 شخص معظمهم من مثقفي الإخوان من المعتقلين.
وقد مارس نظام الأسد ، بحسب الكتاب، أشد الأعمال قسوة ووحشية تجاه كل من يشتبه بأنه من الجماعة حيث اعتقل عشرات الآلاف وتم تصفية الآلاف منهم بشكل منظم في السجون وبقيت مجزرة حماة (2- 28 فبراير) التي ذهب ضحيتها الألوف من أفظع ما يمكن أن يحدث في صراع نظام من اجل البقاء مع مواطنيه، كما طال تأثير هذه الفظا عات،و فق الكتاب أيضا، مئات الألوف من الأسر فحرم طوال أكثر من ربع قرن أبناء المسجونين والمنفيين وأقربائهم من اغلب حقوقهم المدنية وصادر لكثيرين منهم أملاكهم.
في الجزء الثاني من بحثه يتناول الحاج " الإسلام السياسي والبحث عن مخرج للطريق المسدود" موضحا أن عقد كئيب من حياة السوريين امتد من ما بعد "الأحداث" وحتى حرب الخليج الثانية عام 1991م ، ففي ظل انعكاسات حقبة الثمانينات وما أعقبها تشكلت شخصية السوري عموماً من الحرص البدائي علي المصلحة الشخصية والنظر إلى السلطة القائمة كمسلمة أبدية، وتجنب العمل السياسي الداخلي.
وقد وجد الأسد فرصته للخروج من العزلة والحصار الدولي بالاشتراك مع قوات التحالف الذي قادته آنذاك الولايات المتحدة الامريكية 1991 لتحرير الكويت، وطلباً لاسترضاء الشارع قام بالإفراج عن دفعة من السجناء السياسيين كان معظمهم من الإخوان المسلمين.
جهاديو سوريا بعد حرب الخليج
يرصد الكتاب هنا كيف أن سنوات عقد التسعينيات كانت أكثر السنوات راحة لحافظ الأسد بعد أن أغلق فيه المجال السياسي الداخلي نهائياً، بل أهمل السياسة الداخلية بعد ذلك بشكل لافت بعد أن اطمئن إلي استحكام قبضته فيها بالحفاظ علي النموذج البوليسي للدولة التسلطية، والتفت إلي مسألة التوريث بعد أن استتب له الأمر في لبنان، واستطاع بسط نفوذه عليه بعد اتفاق الطائف 1989م.
ويشير أيضا لأن أزمة الخلافة بدأت منذ نوفمبر 1983م عندما اعتلت صحة الرئيس حافظ الأسد وأوكل – وهو علي فراش المرض – إلي لجنة سداسية إدارة الأمور اليومية للدولة . القلق الذي أثار احتمال وفاته، لأطراف النظام العائلية فضلا عن استبعاد شقيقه، أغرت رفعت الأسد فيما بعد بالعمل علي انقلاب عسكري ضده مستندا إلي قاعدة تأييد كبيرة داخل القوات المسلحة.
ومنذ أزمة الخلافة جرت مفاوضات عديدة مع الأخوان عبر قيادات الأجهزة الأمنية، توقفت عام 1996م بعد أن قاربت علي النجاح لأسباب خاصة بالأسد.
فقد توفي نجله باسل، ووقع ياسر عرفات "اتفاق أوسلو" عام 1995 الذي شعر فيه الأسد بأنه كان أكبر طعنة وجهها له عرفات بفصل المسار الفلسطيني بعد فصل المسار المصري باتفاقية كامب ديفيد.
في أواخر التسعينيات لم يهتم الأسد سوي بتهيئة مناخ التوريث ، بحسب الكتاب،
وكانت مخاوفه دوما من تنظيمات إسلامية تفسد ذلك، ولهذا السبب توجه في نهاية 1999م لاعتقال جميع أعضاء "حزب التحرير" الذي يعمل بشكل سري منذ الستينيات ضمن قناعات عقدية عن عودة الخلافة الإسلامية .
توفي الأسد بعد قرابة ستة أشهر فقط من اعتقالات التحريريين، منهيا بذلك أي شكل من أشكال الوجود التنظيمي الإسلامي علي الأراضي السورية.
رافق صعود بشار إلي الواجهة السياسية تمهيدا للتوريث ترتيب واسع للملفات الإقليمية مثل: عودة العلاقات تدريجيا مع العراق منذ 1996م، عودة العلاقات مع الأردن، وتحسين العلاقات مع تركيا، أما لبنان فقد أوكل ملفه كاملا إلي بشار بعد أن سحبه من يد نائبه عبد الحليم خدام.
وبالنسبة للإسلام السياسي ، فبحسب ما يذكره الكتاب، فقد اعتمد الأسد الأب إقليميا بناء سياسة تحالفات واسعة مع الإسلاميين في دول الجوار. ومثل هذا التحالف عموما يلعب دورا مهما في تسويق الدبلوماسية الخارجية السورية شعبيا في العالم العربي والإسلامي، كما أنه يضع في يده أوراقا تعزز موقعه التفاوضي مع الغرب وإسرائيل بقدر ما تبدو أنها تجلب له السخط.
لم يستطع المثقفون السوريون تحمل توريث الجمهورية فنشطوا من أجل التغيير، وتحفز المثقفون بإصدار بيان "عرف فيما بعد ببيان ال-99" طالبوا فيه الحكومة بإزالة قوانين الطوارىء ومنح الحريات العامة والاعتراف بالتعددية السياسية. وبدأ ربيع دمشق فعليا عندما تشكلت الهيئة التأسيسية للجان المجتمع المدني، وبدأ المثقفون بالكتابة السياسية المعارضة للنظام في الصحافة والدوريات العربية، وعندما دشن النائب رياض سيف فكرة المنتديات السياسية العلنية لم تضم قائمة النشطاء في المنتديات السياسية أحدا من ذوي التوجه الإسلامي إلا ناشط أو اثنين، وذلك يعني أن مؤشرات الحراك السياسي الجديد ، بحسب الكتاب ، فيما سمي بربيع دمشق كشف عن مدي تحفظ الإسلاميين لأي مشاركة سياسية علنية.
ونتابع مع فصول الكتاب الذي بين أيدينا لنجد أنه في هذه الأثناء كان الإخوان المسلمون في الخارج ينظرون بترقب إلي الحراك السياسي في ربيع دمشق وعزموا على التحرك مع المعارضة الخارجية، فجمعوا معظم التيارات المختلفة في الخارج وبعض نشطاء الداخل علي ميثاق الشرف الوطني للعمل السياسي، وركز الميثاق علي عدم رفض التدخل الخارجي العسكري في البلاد، وذلك في سياق الحملة الأمريكية علي سوريا وفي سياق الإعداد الأمريكي لاحتلال العراق.
وبدأت سوريا تحاط بالإسلاميين الرسميين بعد أن كانت علاقاتها مختصرة بإسلاميين معارضين، وذلك بعد فوز الإسلاميين الشيعة في العراق في أول انتخابات جرت بعد الاحتلال.
النقطة الفاصلة في تاريخ كل المعارضة والنظام ، بحسب الكتاب، كانت حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 فبراير 2005م، ولم تنكشف الحقيقة بشكل قاطع ومع ذلك عندما بدأت أصابع اتهام دولية تشير إلي دمشق وجد الأمريكيون فرصتهم التاريخية للاستفادة من أخطاء النظام النظام السوري.
وقد حقق إعلان دمشق الذي صدر في قفزة نوعية في عمل المعارضة السورية، فقد انتقلت مطالب المعارضة صراحة من "إصلاح النظام" إلي "تغييره" ، وهكذا استقر مشهد الإسلام السياسي في سوريا اليوم علي: "جماعة الإخوان المسلمين – الإسلاميون المستقلون – تجمعات سلفية جهادية صغيرة لا رابط تنظيمي بينها".
والخلاصة التي يخرج بها الباحث أن الخطر الإسلامي المسلح غير وارد في سوريا بالمرة، وبشار الأسد كان يمتلك فرصة نادرة وربما أخيرة للمصالحة الوطنية مع مختلف أطياف المعارضة في الفترة ما بين "ربيع دمشق" 2001م و"إعلان دمشق" 2005م، وعلي رأسهم الإسلاميون بعد أن لم يعد في المعارضة من لا يؤمن بالتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، ويعتقد الباحث انه فوتها. وإذا قدر له الخروج من أزمة اغتيال الحريري وتحقيقاتها فإن "الطوق الاسلامي" من حوله الذي اكتمل أخيرا بفوز حماس بالسلطة لن يترك له المجال طويلا دون أن يحدث تغييرا جذريا وإيجابيا في علاقته بالإسلاميين.
دور المجتمع المدني
يتساءل الكاتب والباحث الدكتور حازم نهار في بحثه المعنون ب"المجتمع المدني في سوريا ودوره في التغيير" هل المجتمع السوري مجتمع مدني؟ ويجيب بأن السلطة بهيمنتها علي الدولة والمجتمع قد ألغت وجودهما ووظائفهما، فالهياكل الموجودة لم تكن طوال أربعة عقود إلا هياكل فارغة دون وظائف حقيقية.
وقد بدأ انقطاع نمو الدولة الحديثة والمجتمع المدني في سوريا منذ الستينيات مع ثورة الثامن من آذار عندما أعلنت حالة الطوارىء التي مازالت مستمرة إلي اليوم.
لقد راهنت جميع القوى آنذاك علي الشرعية الثورية في وجه الشرعية الدستورية، ولكن تحولت تدريجيا الدولة الناشئة إلي دولة تسلطية عملت علي تدمير مختلف الفئات الاجتماعية وجري تخفيض مفهوم المواطنة إلى مستوى الولاء الحزبي أو الشخصي، ومفهوم الشعب إلي مستوي الرعية، وتصرفت الدولة في تلك العقود كما لو أن المجتمع وجد ليخدمها.
كما يذكر د. حازم أنه وبينما بدا أن المجتمع يحاول ممارسة السياسة العامة من خلال الانتظام في أطر وهيئات ومؤسسات مدنية، جري الانقضاض علي المكاسب الصغيرة التي تحققت للمجتمع وأطلق مثقفو السلطة حملة ضارية من التشهير والتهديد مدعين حرصهم علي العهد السابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.