أن يتنافس فريقان على الفوز بمباراة كرة قدم هو أمر عادي لا يدعو إلى الدهشة. أن يشجع شعبان فريقيهما بكل حرارة وحماس رافعين أصواتهم بالهتاف والتهليل لحث اللاعبين على الفوز لا يعد جريمة بأي حال من الأحوال. لكن الغريب حقًا أن تتحول المنافسة الرياضية إلى معركة تبدأ بالتهديدات، يتبعها سلسلة من أحداث الشغب متمثلة في احتجاز مئات المصريين العاملين بشركات أوراسكوم والمقاولون العرب وغيرها من الشركات المصرية داخل مساكنهم بالجزائر وترويعهم بإلقاء كرات نارية مشتعله وكذلك حجارة داخل مساكنهم... وكذلك الاعتداء علي بعض المصريين منهم بالضرب. وحتى بعد الفوز في مباراة السودان، لا يبدو أن النصر الذي حققه المنتخب الجزائري قد شفى غليل جمهور الجزائر الذي تعرض للجمهور المصري في السودان بالضرب والتهديد ووضع العلم المصري تحت أقدامهم بعد أن نعتوا المصريين بأنهم يهود وأن الفوز في مباراة السودان للعرب. فهل كانت "الساحرة المستديرة" أو بالأحرى "القاتلة المستديرة" سببًا في الفتنة بين الشعبين أم أن المباراة هي في الأصل مباراة سياسية؟ وإن كان الأمر كذلك، فمن أين جاء جمهور الجزائر بكل هذه الشحنة السالبة ضد الشعب المصري؟ أم أن هناك مؤامرة لدفع الشعبين إلى معركة وهمية لإبعادهم عن قضايا أمتهم؟ ومن وراء كل ذلك؟ وهل غاب عن الأذهان ذلك التاريخ المشترك الذي كان بين مصر والجزائر؟ وهل تستحق مصر – رغم تاريخها المعروف مع جميع الدول العربية – أن يداس علمها تحت الأقدام؟ من يتصفح منا كتب التاريخ يستطيع أن يضع يديه بكل سهول على علاقة مميزة بين مصر والجزائر على مر العصور. فمن قلب مصر خرجت ثورة الجزائر عندما تعهدت مصر عام 1954 بمساندة ثورة التحرير بالجزائر ودعمها. ولما كانت فرنسا تحكم الجزائر بيد من حديد لدرجة أن الشعب الجزائري لما يستطع أن ينفس عن غضبه داخل أرضه، انطلقت الثورة من القاهرة بخروج عدد كبير من الجزائرين ومعهم عدد من المصرين يهتفون بتحرير الجزائر. ولم تخضع مصر في ذلك الوقت لكل التهديدات التي وجهتها فرنسا إذا لم تتراجع عن مساندتها للشعب الجزائري، وعليه مددت فرنسا إسرائيل بالسلاح واشتركت في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. مع ذلك كله، لم تتراجع مصر لحظة واحدة عن مساندة الجزائر حتى حصل الشعب الجزائري على استقلاله عام 1962. لم تكن الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي ساندتها مصر في معركة الاستقلال أو التحرير والأمثلة على ذلك كثيرة. فبعد حصول الجزائر على استقلالها بدأت في مصر في دعم اليمن وشاركت في حرب اليمن بحوالي 500.000 جندي الأمر الذي ساهم في نكسة 67 حيث كانت القوات المصرية قد انكهت تمامًا في حرب اليمن. لم يكن موقف مصر في تلك الأوقات موقفًا بطوليًا بقدر ما كان تعبيرًا صادقًا عما يجب أن يحمله أفراد هذه الأمة من مشاعر تجاه بعضهم البعض. وحتى يومنا هذا لم تتوقف مصر أبدًا عن دعم الدول العربية، ويمكن الجزم بأن الشعب المصري لم يحرق أو يهين علم أي دولة قط طوال تاريخه باستثناء علم إسرائيل أو أمريكا. فمهما وصل الغضب والاختلاف بين الدول العربية، يظل الشعب المصري يعلم جيدًا أن عدوه الأول هم الإسرائيلين والسبب في ذلك هي الانتهاكات التي يمارسها الإسرائليون ضد الشعب الفلسطيني. فهل هناك مخطط لإخراج مصر من التاريخ؟ ومن يستطيع أن يفعل ذلك ومصر أم الدنيا وملهمة التاريخ؟ إن أحدًا لا يستطيع مهما فعل أن يمحو تاريخ مصر، لكنه بكل سهولة سيساهم في خروج أمتنا العربية من المستقبل.