يمر عام على الثورة المصرية بعد أيام ومازال المواطنين ينتظرون التغيرات التى أحدثتها الثورة وتأمل أن يكون العام الثانى للثورة مستقرا ذو خطوات واضحة بدلا من الضبابية والجو المشحون الذى ملئ هواء العام الماضى . من جهته أعرب الكاتب الأمريكي توماس فريدمان عن قناعته بأن مصر تتنفس الآن هواء الحرية وأن ثورة مصر الديمقراطية ستحدث تغييرًا حقيقيًا في بنية السلطة والمؤسسات، مشيرًا إلى أن مصر تحتاج إلى "وقفة" للتعرف على نفسها من جديد. وقال الكاتب الصحفي الأمريكي - في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"الأمريكية اليوم الأحد وأوردته على موقعها الالكتروني - لقد التقيت بالعديد من المصريين الجدد المثيرين للاهتمام من كل الاتجاهات والتوجهات السياسية في الأسبوع الماضي، موضحًا أن عدد من التقى بهم هذه المرة أكبر ممن التقى بهم على مدي ال30 عاما الماضية. وأكد الكاتب - وهو يقارن الوضع الراهن بما كان عليه في فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك - أن الشعب المصري يجد الآن صوته ويعيد اكتشاف جيرانه.. قائلا إن الأمر قد يصدمه في بعض النواحي. وأشار فريدمان إلى اجتماعه في مقر حملة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح - الذي انشق عن جماعة الإخوان المسلمين للترشح في انتخابات الرئاسة في مصر - وقال إنه استمع خلاله لأجندة الإصلاحات من فريق عمل في هذه الحملة مكون من ثلاثة من الشباب المصري المتخصصين المتطوعين بوقتهم - حيث تعرف على استراتيجيتهم لتحقيق الهدف المنشود للدكتور أبو الفتوح .. وقال إنه أعرب لهم عن دهشته الشديدة حينما أظهرت الانتخابات البرلمانية هذا الكم الكبير من الاخوان والسلفيين الذين يعيشون في مصر. وأشار فريدمان إلى أن مصر تعيش انتفاضة رفعت الغطاء الثقيل عن المجتمع وسمحت له بتنفس هواء الحرية، بالاضافة إلى أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة مكنت القوي الناشئة الجديدة بكل أصواتها وأحزابها من كل نواحي الحياة المصرية ان تصعد إلى أعلى. وأعرب الكاتب الامريكي عن اعتقاده بانه أيا كان من سيصبح رئيس مصر القادم يجب عليه ان يكون على استعداد للتحدث مع هذه القوي الناشئة الجديدة. وقال إن ثورة مصر الديموقراطية يجب ان تحدث تغيرا حقيقيا في بنية السلطة والمؤسسات..فكل الأحزاب الجديدة يجب ان تجد الوسيلة للعمل معا على وضع دستور مصري جديد وانتخاب رئيس جديد وهذا لن يكون بالسهولة أبدا. وأضاف ان المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التى لدى مصر يجب ان تتغلب عليها اليوم قبل الغد ..ولذا فالامر يحتاج إلى تكاتف كافة أفراد المجتمع للعمل عليه .. محذرا من استمرار الانقسامات وانعدام الثقة بين مراكز السلطة القديمة والجديدة ويرى الكاتب الامريكي أن مصر تحتاج إلى وقفة للتعرف على نفسها من جديد.. مستشهدًا في هذا الصدد بقول دانيال برومبرج، المدير المشارك للدراسات الديمقراطية، والحكم في جامعة جورج تاون بأنه لا عجب في أن كل المستبدين العرب مثل مبارك يحكمون بلادهم بنفس الطريقة.. فكل الجماعات المختلفة تلعب ضد بعضها البعض (الجميع يخشي الجميع). ويتحدث فريدمان عن أنباء سارة في هذا الصدد ..قائلا ان السياسة الحقيقية بدأت الان في مصر حيث يعمل الكثيرون من المصريين على بناء جسور الثقة للعبور بمراكز القوة الجديدة..فعلى سبيل المثال يري الكاتب ان عمرو حمزاوي الليبرالي الذى انتخب للتو في البرلمان الذي يعقد أولي جلساته في 23 يناير الجاري بدأ هو وآخرون مناقشات هادئة مع الاحزاب الاسلامية حول كيفية التعاون في مجال التشريع لانماء مصر من جديد والتأكيد على ان السلطة الجديدة يمكن ان تؤتي ثمارا أفضل لمصر. ونقل فريدمان عن حمزاوي قوله إن المحادثات بدأت بتقديم وجهات النظر من الانماط المختلفة والمطالب والمصالح والتحفاظات المختلفة ....مشددًا على أن التحدي الأكبر هو تجاوز الاستقطاب في الانتخابات وتجاوز الايديولوجيات المختلفة. وقال الكاتب الامريكي ان كل القوي القديمة والجديدة يجب عليها ايجاد طريق جديد لتقاسم السلطة وإعادة بناء مصر . واختتم فريدمان مقاله بالقول ان مصر أضاعت الكثير على مدي 30 عامًا ولم يعد لديها دقيقة أخرى لإضاعتها. أكد جمال البنا المفكر الاسلامى أن الثورة المصرية فقدت حريتها، وأصبح الإسلام السياسي هو وريث الثورات العربية. ومن جانبه قال المفكر جمال البنا إن الإسلاميين هم الفائز الأكبر من وراء الربيع العربى، إلا أن عدم تحركهم لإصلاح ما خلفته السنوات من الإهمال الاجتماعي والاقتصادي، كفيل بإضاعة هذه الفرصة لهم وانهيار كل شىء. وقال البنا إن مستقبل مصر مضطرب ومليء بالمخاطر والتغيير الحقيقى يحتاج إلى 10 سنوات. وأضاف البنا أن التحدى الأكبر الذى ينتظر الإسلاميين هو تخفيف حماستهم الدينية بالإضافة إلى براجماتية يمكنها إصلاح البلاد قبل أن يتحول الغضب واليأس ضدهم. وأشار البنا إلي أن حزب النهضة الإسلامي في تونس أكثر مرونة من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، حيث إن "الإسلام السياسي" في مصر لم يصل إلى ما وصل إليه حزب النهضة فى تونس، ويتحرك بوتيرة بطيئة جدا، ويحتاج إلى وقت لرأب الصدع الداخلي، ولكن الإسلام سيبقى دعامة الحياة العامة والخاصة، وهذا هو مصير الشرق الأوسط. وأوضح البنا أن الثورة لا تزال بعيدة عن أهدافها، لأن صديق الرئيس مبارك المشير طنطاوى يدير البلاد الآن، وأصبح الجيش فى نظر الكثيرين الآن امتدادا لحكم مبارك رغم أنه لقي إشادة من قبل الثوار فى بداية الثورة. وقال: "ما أدهشني أكثر خلال العام الماضي كان هذا الجمع من الجماهير، حتى الأنبياء لم يتمكنوا من تجميع الملايين من الناس وراء هدف واحد، لقد كان كما لو كنا فى مدينة الملائكة". من جانبه أكد الكاتب حسين عبد الرازق تستعد ائتلافات الشباب والأحزاب والقوى السياسية للاحتفال بعد أيام بمرور عام على ثورة 25 يناير التى فاجأت الجميع بمن فيهم الذين وجهوا الدعوة للتظاهر والاعتصام فى ميدان التحرير يوم 25 يناير 2011. لقد كانت أهداف الثورة واضحة فى إسقاط النظام القديم الاستبدادى القائم فى مصر منذ عام 1971 عقب انقلاب القصر الذى قاده السادات فى 13 مايو 1971 وأطلق عليه اسم «ثورة 15 مايو»، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التى طبقها النظام القديم، وتأسيس نظام جديد لدولة مدنية وديمقراطية حديثة تحقق شعارات الثورة.. «عيش - حرية وعدالة اجتماعية - كرامة إنسانية»، وللأسف خلع مبارك ووضعه فى السجن «المركز الطبى العالمى حاليًا!» والحكم على بعض معاونيه والمحاكمات الحالية للرئيس المخلوع ووزير داخليته وبعض رموز النظام، لم تحقق إسقاط النظام القديم. ومن وجهة نظرى فالتلقائية وغياب القيادة، تحديدًا، هما سبب مقتل الثورة وسر عدم نجاحها فى إسقاط النظام القديم، وهذا الاستنتاج يستند إلى تجارب مصرية سابقة، أهمها الانتفاضة الطلابية فى الجامعات المصرية عام 1972، وانتفاضة 18 و19 يناير 1977 والتى تحل ذكراها الخامسة والثلاثون بعد أربعة أيام، والتى أتوقف أمامها لأن دروسها فى غاية الأهمية. لقد كانت انتفاضة يناير 1977 حدثًا تاريخيّا بكل معنى الكلمة، فلأول مرة منذ ثورة 1919 تنطلق المظاهرات فى كل المدن المصرية فى وقت واحد، تردد الشعارات نفسها، وترفع المطالب نفسها. ورغم أن المظاهرات التى بدأت يوم 18 يناير كان يقودها قيادات عمالية وطلابية وسياسية تنتمى أساسًا لحزب التجمع والمنظمات الشيوعية، وللناصريين، فإن هذه المظاهرات لم يعد لها أى حزب أو قوة سياسية، وإنما انطلقت بصورة تلقائية كرد فعل مباشر على إعلان الحكومة مساء 17 يناير رفع أسعار كل السلع والخدمات. لقد بدأت أول مظاهرة فى الثامنة والنصف صباح يوم الثلاثاء 18 يناير 1977 من عمال شركة مصر/ حلوان للغزل والنسيج يقودها أعضاء لجنتها النقابية وممثلو العمال فى مجلس الإدارة - وجميعهم تقريبًا ينتمى لحزب التجمع - تلتها فى الواحدة والنصف ظهرًا مظاهرة من طلاب كلية الهندسة بجامعة عين شمس يقودها الطلاب الشيوعيون والتجمعيون والناصريون، وفى الإسكندرية خرج عمال شركة الترسانة البحرية بقيادة العمال الشيوعيين فى التاسعة صباحًا فى مظاهرة كبيرة انضم إليها عمال الشركات الأخرى.. وهكذا توالت المظاهرات التى امتدت من الإسكندرية إلى أسوان يقودها عمال وطلاب ينتمون لليسار، دون أن يكون هناك ترتيب أو إعداد سابق من هذا الحزب أو تلك المنظمة، وإنما كرد فعل تلقائى على قرار منحاز ضد الجماهير الشعبية. ورغم اضطرار الحكم لإلغاء القرارات فإنه سرعان ما عاد لرفع الأسعار أضعافًا مضاعفة، ولكن بسياسة ال «خطوة خطوة»، وأصدر ترسانة من القوانين المقيدة للحريات ووجه ضربات متتالية للأحزاب والقوى اليسارية التى لعبت الدور الأساسى فى معارضة سياسات الحكم ونشر الوعى، ليتأكد أن الانتفاضات التلقائية - مهما كانت قوتها وعظمتها - لن تحقق أهدافها وتحدث التغيير المطلوب، وأن هناك ضرورة لوجود قيادة سياسية لإحداث التغيير. وقضيتنا اليوم لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير وإسقاط النظام القديم وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة تنحاز اقتصاديّا واجتماعيّا للطبقات والفئات الشعبية، هى تكوين هذه القيادة والالتفاف حولها، وتبنيها لبرنامج حقيقى للتغيير. فى الختام نؤكد على أنه لابد من أن يكون للتغيير مكان فى حياتنا لأن الثورة لم تأتى ليبقى الوضع كما هو عليه .