كانت انطلاقة المنظمة الصهيونية العالمي في أوروبا، وانعقاد مؤتمرها الأول في مدينة بال "سويسرا" عام 1897، بمثابة أداة لتجسيد وبلورة المشروع الصهيونى، بمعنى، نقل الفكرة الاستيطانية من المجرد إلى الواقع، وبالتالي فهي حلقة الوصل التنظيمية، بين المضمون النظري للحركة الصهيونية والتطبيق العملي لها. وعليه فإن المنظمة، أوجدت لنفسها تركيبة "شيطانية" ملائمة لوظيفتها إلى حد كبير، الأمر الذي يسر لها المرور عبر المحطات المختلفة من حيث التنقلات بين دول وحكومات العالم، سياسياً وفكرياً، ومن ثمّ الوصول إلى المحطة الراهنة، من خلال تقدمها نحو غايتها على هذا الأساس دولياً، وتكريس نفسها بهذه الصفة في مختلف التجمعات اليهودية، والتأسيس للكيان السياسي عبر الاستيطان في فلسطين، في ظل عجز عربي وإسلامي تام. وانطلاقاً من هذه الأرضية، وانسجاماً مع الوظيفة المترتبة على العمل الصهيوني، صيغت المنظمة بمؤسساتها ودوائرها المختلفة، بحيث تتلاءم تركيبتها مع مهماتها الرئيسية قدر الإمكان. حيث بدت للرائي أنها حققت أهدافها، ولو مرحلياً، إلاّ أنها لم تستكمل مشروعها بعد، بالرغم من نجاحها في تجميع اليهود، من شتى بقاع الأرض في فلسطين، وشهدت "الدولة اليهودية" بعد قيامها عام 1948، أوضاعاً متردية، سواء علي الصعيد الاقتصادي والأمني أوعلي صعيد الانقسام الإثني والاجتماعي، بين المستوطنين الذين يختلفون عرقياً واقتصادياً واجتماعياً، وبالتزامن مع تعاظم أزمات استيعاب المزيد من اليهود القادمين إلى إسرائيل، مما أدى إلى حصول ارتفاع في معدلات النزوح،(يريدا) إلى خارج الدولة، الأمر الذي هدد دعائم الحركة الصهيونية وبدد سكونها، من حيث ظواهر سالبة برزت لم تكن في الحسبان، وعلى رأسها التنوع الإثني. إذ لم يكن غريباً، على مجتمع شيّد بنيانه، عن طريق هجرة جماعات يهودية من شتى أصقاع الأرض، أن يشهد العديد من الأزمات والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأهمها الثقافية، وذلك أن حلم زعماء الحركة الصهيونية يبدأ بدولة تجمع "الشتات اليهودي" من كافة أرجاء العالم وتنتهي بانتهاء" المسألة اليهودية " التي عانت منها الجماعات اليهودية أينما وجدت قد ذهب- أدراج الرياح- بمجرد وصول أفراد تلك الجماعات، إلى أرض هم غرباء عنها، بقدر ما هي غريبة عنهم. وبالرغم من أطلاق مصطلح " رفاه الدولة" والعمل على تطبيقه إلاّ المشكلات الرئيسة لا تزال ماثلة أمام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، على اختلافها في الأيديولوجيات والاستراتيجيات، ولعل من أهم تلك الأزمات والمشكلات التي عانى– ولازال– يعانى منها الكيان الإسرائيلي، هو التميز بين الطوائف والفئات المختلفة وخاصة في داخل إسرائيل. ويتضح ذلك بجلاء في التمييز بين اليهود الغربيين(الاشكنازيم) والشرقيين (السفارديم) على حد سواء. هذا بجانب التناقضات والصراعات الدائمة، بين اليهود المتدينين، واليهود العلمانيين، وقد تجسد ذلك التمييز في كل مناحي الحياة في إسرائيل. بدأ التمييز ضد اليهود الشرقيين، منذ القدم، وإلي ما قبل قيام الدولة، من خلال تباينات واسعة ظهرت في التاريخ والثقافة، واللغة والعادات والتقاليد والطقوس الدينية، وقد تأصلت وتكرست صور هذه التباينات، حينما قامت الدولة، حيث عاش أفراد الجماعات اليهودية، على أرض واحدة وهم ينتمون إلي أكثر من مائة دولة. ومن جرّاء ما سبق، استطاع السفارديم، تجاوز الاشكنازيم، من خلال إثبات أنفسهم في كل بلد هاجروا منه، من حيث الغنى ومقدار النفوذ، وباتوا يشكلون طبقة ثرية في البلاد التي يحلون بها، وعليه فقد نتج عن الاختلافات والتباينات الثقافية والحضارية بين الفريقين، مشكلات حقيقية، مسّت أغلب المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لصالح السفارديم، وقد ظل الحال على ذلك، حتى ظهور الحركة الصهيونية، أواخر القرن التاسع عشر، علي يد الاشكنازيم، الذين سرعان ما قلبوا الحال رأساً علي عقب، من خلال رفضهم، سيطرة الشرقيين "السفارديم"، على مجمل الحياة اليهودية، وبدأوا بالانفصال عنهم اقتصاديًا وثقافياً، واتجهوا للعيش في أحياء خاصة بهم (الغيتو)، وقاموا بإنشاء كنسهم ومؤسساتهم ومدارسهم الخاصة، لا يدخلها أبناء الشرقيين، وبهذا فقد تلقي اليهود الشرقيين، عدة ضربات من الاشكنازيم، الذين اعتبروا أنفسهم في ذلك الوقت الأرقى والأعلى منزلةً- الجنس الأبيض- وأصبحوا يحتقرون السفارديم في حلّهم وترحالهم، وكثيرة هي الأحداث التي أظهرت بوضوح عمق الفجوة التمييزية بين الأعراق اليهودية كافة، ففي أيام التوتر الديني في أثناء الهجرة الكبرى من المغرب على سبيل المثال، شهدت حادثة أتوبيس، عندما اصطدم بأحد السفارديم. فقال له السائق "عذرا"، فرد غاضباً: "هكذا أنتم أيها الاشكناز، بداية تدوسوننا وبعد ذلك تطلبون العذر، يخرب بيتكم!". وقد تجلّت صور كثيرة، أدت إلى تفاقمات سريعة ومنظمة. في مسألة التمييز والعنصرية، بين الفئات اليهودية، وخاصةً بعد قيام الدولة، وتمثلت في: 1- نظرة اشكنازية محتقرة للسفارديم، سواءً كانوا من المقيمين في فلسطين أو المهاجرين إلى إسرائيل. 2- محاربة كل محاولة لإنشاء تنظيم سياسي يجمع الشرقيين. 3- إتباع سياسة تجهيل الشرقيين، بفرض رسوم دراسية عالية عليهم، للحيلولة دون تمكنهم من ممارسة حق التعليم، وفرض اللغة اليديشية على من يستطيع الدخول إلى المدارس. 4- إرغام يهود فلسطين على عدم جمع التبرعات المالية من الخارج. 5- فرض طريقة الانتخاب بالقائمة النسبية. 6- التمييز ضد المهاجرين اليهود من البلدان العربية والإسلامية، حيث لم تعن المؤسسات الصهيونية باستجلابهم، إلاّ حين احتاجت إليهم. 7- إضافةً إلى ذلك، قامت هيئات ومؤسسات خاصة بالاشكنازيم، وعلى رأسها المنظمة الصهيونية، تعمل لصالح الاشكنازيم في الداخل والخارج، من حيث الدعم المالي والمعنوي. الأمر الذي جعل اليهود الشرقيين يشعرون بالامتعاض الشديد، مما يفعله بهم الاشكنازيم، وقد حصل حديثاً، أن اعتراف إيهود باراك، في فترة سباقه نحو رئاسة الوزراء، فقد طلب "باسم حزب العمل الذي ينتمي إليه، العفو من الطوائف الشرقية"السفاردية" على التمييز والظلم الواقع على كاهلهم" ، وبالرغم من فوزه، فقد ظلت لعنة واحتقان السفارديم تطارده على مدى رئاسته للحكومة منذ العام 1999- 2001 ويمكننا أن نجمل الأسباب التي مهدت السبيل لتعميق الهوة بين الشرقيين والغربيين في إسرائيل حتى اليوم، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، في الأمور التالية: 1- أسبقية اليهود الشرقيين في الإقامة في فلسطين، فمنذ القرن السادس عشر عاش هؤلاء مع يهود فلسطين حتى الهجرات الاشكنازية، في أواخر القرن التاسع عشر ، الأمر الذي دفع الاشكنازيم إلي ممارسة التمييز ضدهم. 2- تكريس الاختلافات الخاصة بالعادات والتقاليد بين الطوائف، والفرق الدينية اليهودية على مدى التاريخ، وقد كان طبيعياً أن يجد المهاجرون الاشكنازيم، في اضطهاد السفارديم عزاءً، عما قاسوه هم أنفسهم من بؤس وتأخر وتمييز. 3- وكان قد استفاد الاشكنازيم، من مساعدة الانتداب البريطاني لهم وتدعيم نفوذهم سياسياً ومالياً، وذلك على حساب يهود فلسطين وعامة اليهود الشرقيين. 4- حاول الجيل الثاني من اليهود الشرقيين التمرد، احتجاجاً علي الغبن والتمييز، الواقعيين عليه، مستفيداً من القوانين الإسرائيلية، التي لا تفرق بين اليهود داخل إسرائيل، فكان الأبناء يتطلعون إلي تحقيق المساواة التامة، بعد أن كانت مطالب الآباء، مقصورة على تلبية الحاجات المعيشية اليومية. 5- أما من الناحية الاقتصادية، فقد مارس ساسة الدولة في إسرائيل، سياسة التمييز في تعيين الموظفين، من طبقة اليهود الغربيين، مما أدى إلى انتشار البطالة في صفوف اليهود الشرقيين، وازدياد حدة الفقر والبؤس، الأمر الذي نجم عنه، تفاقم حدة التفاوت بين الفريقين في مستوي الدخل والمعيشة، وخلق نوع من التقسيم العرقي – الطبقي – تمثل في وجود طبقة غربية غنية، تتبوأ الوظائف والمناصب العليا في الدولة، وطبقة شرقية فقيرة، تقبع في قاع السلم الوظيفي، ويمارس أفرادها المهن والحرف الدنيا. 6- وفي الجيش يسيطر اليهود الاشكنازيم، على المؤسسة العسكرية، على المناصب العليا والقيادية، وذلك لتفوقهم في المستويات العلمية المختلفة، فقد كانت معظم قوات الهاغاناة - الدفاع- من الاشكنازيم، وكان من دوافع استقدام اليهود الشرقيين، من أوطانهم، بهدف تزويد الآلة العسكرية الصهيونية، بالعمال الذين فرض عليهم القيام بالإعمال الدنيا والشاقة. ويُلاحَظ أن الاشكناز يسيطرون على النشاط الاقتصادي والمالي العسكري – المنتوجات العسكرية- ويهيمنون على المؤسسات التي تحدد سلطة وسائل الإعلام في نشر الأخبار والمعلومات المتعلقة بالجيش. ويُلاحَظ أن معظم عناصر القيادة السياسية والاقتصادية سبق لها الخدمة بالجيش. تمرّد واحتجاج عبر اليهود الشرقيون عن احتجاجهم وتذمرهم تجاه عنصرية الدولة أخذت أشكالاً من العنف منذ قيام الدولة كان من أشهرها وأكثرها عنفاً حادث وادي صليب"حيفا" شمال إسرائيل في 1959، حيث شهد صدامات دامية بين يهود من أصول مغاربية والشرطة الإسرائيلية وامتدت إلى عدة أيام وشملت عدة مدن إسرائيلية. كما أدت كثرة التناقضات وتفاقمها، إلى ظهور حركة تمرد بين بعض اليهود الشرقيين، لا سيما المقيمين في مدينة القدس "حي المصرارة" في يونيو/حزيران عام 1971، أطلقت على نفسها اسم" الفهود السود" تكوّن مجموع أفرادها من أولئك الذين نشأوا في أحياء الفقر والتمييز والاضطهاد، وهم من الجيل الأول الذي كبر في البلاد، بعد هجرة عائلاتهم إليها. وقد بدأ نشاط المجموعة، بإصدار نشرة تنطق بلسان الحركة " ونجحت في تسجيل نفسها، كجمعية قانونية لدى وزارة الداخلية الإسرائيلية. وقامت بتنظيم العديد من المظاهرات للمطالبة بتحسين أوضاع اليهود الشرقيين. المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة في ذلك الوقت نظرت إلى حركة الاحتجاج باستخفاف بداية الأمر، ولكن عندما تعاظمت تلك الاحتجاجات واتسمت بالعنف الذي طال مدناً مختلفة، لجأت هذه المؤسسة إلى قمع هذا التحرك بكافة الأساليب إلى أن أحبطتها، لكنها تركت تداعيات جمة كان لها الأثر السلبي والكبير، على اليهود الشرقيين وعلى المجتمع الإسرائيلي كافة. لكن الحركة تسنى لها دخول الكنيست بالتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة منذ 1973، الأمر الذي لفتت نظر الدولة لوجود مشكلة إثنية ولكنها لم تفعل شيئاً يذكر لحلها. إجراءات المؤسسة العسكرية (الجيش الإسرائيلي) للحد من هذه الظاهرة 1- يعتمد الجيش الإسرائيلي، سياسة متوازنة في تكويناته المختلفة، وموحدة ، ويشمل جميع الفئات اليهودية شرقيين وغربيين، على حدٍ سواء. 2- يتبع الجيش ثقافة واحدة، والتي ينبع جزء كبير منها من الديانة اليهودية، بهدف صهر الثقافات المختلفة في بوتفة واحدة، ومحاولة إذابة كافة الفوارق بين الثقافات المختلفة. 3- لا تفرق المؤسسة العسكرية بين اليهود من حيث الرتب والترقيات والإجازات. 4- لا تفرق المؤسسة العسكرية في مسألة الخدمة العسكرية في الجيش من حيث السن فوق 18 سنة، والمدة (سنتان) المطلوبة (باستثناء الذين ينتمون للطائفة الدينية، الحريدية , وطائفة ناطورى كارتا، وبعض الحركات، التي تحرم الدخول في الجيش) من ناحية دينية وأخرى اقتصادية. دور الحكومات الإسرائيلية تجاه التمييز الطائفي في إسرائيل كانت نصّت، وثيقة إعلان دولة "إسرائيل" على أن" إنشاء دولة إسرائيل " لشعب إسرائيل " التي ستكون مفتوحة أمام هجرة يهود العالم، والتي ستضمن " المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لجميع مواطنيها، دون التمييز بينهم بسبب المعتقد أو العرق أو الجنس" والعمل على أساس تطوير الدولة، والمواطنة التامة، والتمثيل العادل، في كافة أجهزة الدولة، إلاّ أن ذلك عملياً لم يكن له أي وزن قانوني ملزم، مما ثبّت بعض التناقضات بين إعلان الدولة كدولة لكل يهود العالم، وبين الإعلان عن المساواة التامة بين جميع مواطنيها، في كافة الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وعلى أي حال، فقد وصف بعض السياسيين الإسرائيليين، القوى التي تتحكم في الدولة الصهيونية بممارسة "السياسة الإثنية"، أي السياسة التي تستند إلى المصالح الإثنية الضيقة، وليس إلى المصالح القومية أو اليهودية العريضة. وعلى ضوء ما تقدم، فإن المشروع الصهيوني ومنذ بداياته الأولي وإلى الآن، لم يستطع وبكل قدراته وإمكاناته المختلفة، التغلب علي تنوع الهويات اليهودية المختلفة، وبات فشله واضحاً، في صهر هذه الهويات في بوتقة واحدة، ومن جهتها لم تستطع إسرائيل كدولة، توحيد الثقافات المختلفة، لجميع فئات الشعب الإسرائيلي، في ضوء تمسك كل طائفة بثقافتها رغم غزو الثقافات الأخرى لها. انفراجة .. ونوع من التقدم في الآونة الأخيرة، بدأ الشرقيون يتقدمون في السياسة، أكثر مما يتقدمون في المستوى الاقتصادي- الاجتماعي، ولكن هذا التقدم برأي بعض الباحثين الإسرائيليين، لم يضع حداً للهيمنة الاشكنازية في المجال السياسي، فمازال الاشكنازيم، يهيمنون على القرارات ويحددون الأولويات على السلم القومي، دون الأخذ بالحسبان احتياجات الشرقيين، ولكنهم لمسوا بعض التقدم، وذلك من خلال تقلدهم مناصب عليا في الحياة السياسية للدولة، وبرزت أسماء وشخصيات تركت بصمات في إدارة الدولة، ومن هؤلاء الشرقيين، "شلومو هيليل"، اليمني الأصل، الذي تولى وزارة الشرطة في العام 1974، وتولى منصب رئيس الكنيست الحادية عشرة، و"موشيه كتساف" من أصول إيرانية، حيث تقلد عدة مناصب وزارية، ثم تولى منصب رئيس الدولة منذ العام 2000، وكذلك تولى دافيد ليفي" المغربي الأصل" وزارة الخارجية، في ثلاث فترات مختلفة كان آخرها من 1999-2000. و"شلومو بن عامي" مغربي الأصل أيضاً تولى وزارة الخارجية من2000-2001. إضافة إلى صعود بعض الأحزاب الشرقية مثل حزب شاس الديني، الذي يتمتع بثقل كبير في الحياة السياسية الإسرائيلية منذ عقد التسعينيات، كما تولى قيادات شرقية مغربية رئاسة الحزب الديني القومي"المفدال" أيضًا. وقد رأى بعض الباحثين والساسة الإسرائيليين من خلال ما سبق، أن الفروق الإثنية والطائفية، بين اليهود الشرقيين والغربيين قد فقدت الكثير من حدتها نظراً لارتفاع مستوى المعيشة "عنصر الرفاه"، وأيضاً لزيادة التفاعل الاجتماعي بين الطرفين. وهو ما أثر ايجابياً على وضع اليهود الشرقيين هل هناك حلول جذرية؟ ذكر بعض الباحثين والدارسين والمنظرين اليهود، فيما يخص بتبلور الشخصية الإسرائيلية في بوتقة واحدة، التي من شأنها تحقيق الهدف المنشود، أنه لابد أن تمر بعدة مراحل هامة من أهمها: 1- لابد من التذكير أولاً بأول أن اليهود، شعب الله المختار، الحامي للأرض المقدسة من خلال الوعد الإلهي الذي جاءت به التوراة، وانتظار قدوم المسيح عليه السلام. 2- لابد أن يكون هناك تخلص تام، من الشخصية الإسرائيلية السابقة، بأفكارها ومعتقداتها واتجاهاتها، وفك الارتباط معها والارتباط "بالشخصية الصهيونية " لأنها تشكل الفئة الأكبر من اليهود الغربيين " الاشكنازيم "، والعمل على حشد الدعم في سبيل تحقيق ذلك، والعمل علي دمج المهاجرين الجدد في الدولة العبرية. 3- العمل علي بلورة الشخصية الإسرائيلية، في ثقافة واحدة من خلال المؤسسات الحكومية والرسمية للدولة، وخاصةً مؤسسة الجيش، وذلك بالعمل على فصل الأفكار الصهيونية، بما تحمله من قيم ومبادئ خاصة بها، عن القيم والمبادئ الخاصة باليهودية. 4- العمل قدر الإمكان على تطوير عادات وتقاليد وأعراف جديدة وهذه عمليًا، لابد وأن يؤخذ بعين الاعتبار، وضع ثقافة خاصة ليس لها امتدادات " صهيونية " مباشرة. 5- العمل على التخلص من الارتباط القومي باليهودية، فاليهودية دين يعتنقه كل يهودي، حولته الصهيونية العلمانية إلي ما يعرف بالقومية. وفي ضوء ذلك، وحتى لو دأبت دولة إسرائيل، على العمل بكل العناصر سالفة الذكر، فإن الفشل سيكون حليفها، بل وإن هذه المسألة التي لا حل لها، وهي في تفاقم مستمر ودائم، خاصةً، وقد ظهر في العقدين الأخيرين، تزايد الاختلافات في الهويات الإسرائيلية، تمثلت، في الهوية الروسية، حيث بلغ مجموع أفرادها، حوالي مليون شخص، واعتمدت هويتها الخاصة بها، وأبت الاندماج في الهويات اليهودية التي سبقتها، فهناك حزب خاص بالمهاجرين الروس "يسرائيل بيتينو _إسرائيل بيتنا- برئاسة "أفيغدور ليبرمان" يعيشون على نقس ثقافتهم وأفكارهم، وقد جسّدوها في الكثير من الأدوات التي تضمن كل ذلك، فهناك قناة فضائية خاصة تنطق بالثقافات والعادات والتقاليد الروسية، وهناك ثماني صحف خاصة باليهود الروس، أبرزها، صحيفة فيستي، وناسا شطيرون، وفيستي وولي، والكثير من النشرات والدوريات المختلفة، علاوة على ذلك اعتماد اللغة الروسية كلغة ثانية في دولة إسرائيل.
وخلاصة القول، ما زال الكثيرون في إسرائيل، يرون أن المشكلة ما زالت موجودة وأن هناك عوامل كثيرة تقف عقبة في تحقيق التوافق الاجتماعي أهمها تزايد الفجوة الطبقية والتعليمية بين الجانبين. فعلى الرغم من التحسن النسبي في مستوى الدخل الذي تحقق لليهود الشرقيين، فما زال هؤلاء اليهود يشكلون أغلبية العمال وصغار الموظفين في المجتمع الإسرائيلي، وظلت الأوضاع المادية في الضواحي ومدن التطوير التي يقطنها اليهود الشرقيين دون تحسن يذكر، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الشعور بالسخط وعدم الرضا، وعليه فلا مجال هنا، لبلورة الشخصية اليهودية وصهرها في بوتقة واحدة، لأن ذلك في واقع الحال- أمر بعيد المنال– خاصة في ظل ما نراه على أرض الواقع الإسرائيلي، والاختلافات الجوهرية المتغلغلة في كيانه، التي ليس من السهل الانسلاخ منها، أو من الأفكار الصهيونية المتأصلة " التي هي بمثابة مبادئ، ليس من السهل التنازل عنها أيضاً".