الأزمات والمشاكل داخل جماعة الإخوان ليس من اليسير كشفها أوتجريدها من النقاب الذى ترتديه أوالوشاح الذى يحتويها من أعلاها لأسفلها، أوإخراجها عن حدود ونطاق أطرافها خاصة أن هذا الكيان الضخم والكبير قائم على سرية المعلومات داخل الجماعة ، والاتفاق على الاحتفاظ بها وعدم إذاعتها خشية تشويه سمعتة وصورة ، لكن القدر دائما يكشف ما يدور داخل الكيان المغلق أمام الآخرين. وغالبا تستخدم الجماعة سيناريوهات عديدة لإِخفاء ما يدور فى كواليسها من أزمات ، وتصدّر للرأى العام أسبابا ظاهرية ، وقد فجرت أزمة تصعيد العريان لمكتب الإرشاد جانبا من الخلافات بين أبناء سيد قطب فيما يطلق عليهم تيار المحافظين أو القطبيين مع تلاميذ عمر التلمسانى الذين دخلوا الجماعة فى عهد ولايته لمكتب الإرشاد وتربوا على فكره ومدرسته الدعوية ، واستمدوا منها مبادئهم فى احتواء الآخرين ، ويطلق عليهم تيار الإصلاح وأبرزهم د. عبد المنعم أبو الفتوح ود. عصام العريان وبعض المنشقين أمثال عبد الستار المليجى وأبو العلا ماضى وعصام سلطان ومختار نوح وثروت الخرباوى ومحمدعبد اللطيف وغيرهم وهم جيل مرحلة السبعينات. ولم يكن عدم تصعيد العريان هو الهدف الأساسى من السيناريو، وإنما كسر شوكة الإصلاحيين وإقصائهم عن أهم مراكز القيادة داخل الجماعة. والخلافات التى ظهرت على السطح مؤخرا لم تكن وليدة اللحظة، لكنها كشفت صراعا مكتوما ظل على مدار سنوات عديدة ساكنا تمكن خلالها تيار المحافظين من السيطرة على مقاليد الأمور فى الجماعة، فزرعوا أشخاصا لهم داخل كل شعبة وكل قطاع تنقل لهم تفاصيل ما يدور خشية حدوث أى اختراق أو انحراف للعناصر عن أفكارهم وسياساتهم، واستعانوا من خلال تقاريرهم فى اختيار العناصر التى تتفق مع توجهاتهم ورؤيتهم ومنحوهم المناصب وأهم المراكز القيادية ابتداء من مسئولية القطاعات الكبرى مثل قطاع الوجه البحرى والقبلى ووسط وغرب الدلتا، وغيرها من المناطق المركزية، كما أن مسئولى المكاتب الإدارية واللجان هم من أفضل عناصرهم مثل لجنة طلبة التى تضم قسم الأشبال والمرحلة الثانوية والشباب، وكذلك لجنة التربية ولجنة الدعوة العامة وأطاحوا بكل العناصر التى لها علاقة بالشخصيات الإصلاحية. وتيار المحافظين الذى يمثله خيرت الشاطر ورفاقه الذين استمدوا قوتهم من صاحب الفضل الأكبر فى هذا التأصيل وهو مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة والذى فتح الباب أمام رجال التنظيم الخاص وكل من اعتنق وآمن بفكر سيد قطب وجعله منهجا له فى دعوته ونظرته تجاه المجتمع. ولعل حادثة حزب الوسط خير دليل على ذلك، حيث تم توجيه الاتهام لأصحابها بأنهم طالبى سلطة وراغبى شهرة، وأطلقوا مئات الشائعات تجاه أبو العلا ماضى ومجموعته التى اقتنعت بضرورة الانفتاح على الآخرين فى إطار شرعى سليم. وتيار المحافظين لا يتورع عن إطلاق أبشع الشائعات على مخالفيه ووصف أنفسهم بالملائكة المنزهين عن المعصية وتصوير أنفسهم على أنهم أصحاب الفكر والرؤية الإصلاحية الحقيقية التى لا يفهمها سوى من يجيد مبدأ السمع والطاعة، ويسكت هذا التيار كل من يحاول أن يفتح فمه. وفى النهاية يقع الشباب ضحية ممارسة تيار لا يرى سوى تحقيق أحلامه حتى ولو كان على حساب أصحاب الرأى الصائب حتى لا تنقلت منه مقاليد السيطرة على الجماعة ! فمنذ سنوات قريبة تم الإطاحة بقيادات المكتب الإدارى بالمنيا ومكتب شرق القاهرة والمكتب الإِدارى لمحافظة الشرقية لعدم اتفاق رؤية هذه القيادات مع رؤية قيادات تيار المحافظين واتصالهم المباشر بشخصيات مثل د.عصام العريان ود.عبد المنعم أبو الفتوح ومختار نوح . كما أنهم حاصروا عمر التلمسانى إبان ولايته وقيدوا حركته ومنعوا شباب الجماعة من الاتصال به ! والحجج التى عرقل بها تيار المحافظين عملية صعود العريان لمكتب الإرشاد كشفت برجماتية هذا التيار فقد ذهبوا إلى عدم جواز تصعيده لأن الانتخابات التى جرت العام الماضى وحصل فيها العريان على 40% من إجمالى الأصوات كانت جزئية وليست كلية مخالفين بنود اللائحة التى أكدت أنه فى حالة استقالة أو وفاة عضو يتم تصعيد العضو الذى يليه فى الدور تلقائيا دون حاجة لإجراء انتخابات إذا حصل على 40% من إجمالى الأصوات، لكن هذا التيار ناقض نفسه تماما، لأن خيرت الشاطر النائب الثانى للمرشد وهو مسجون حاليا، و د. محمود عزت أمين التنظيم بالجماعة تم تصعيدهما لمكتب الإرشاد عام 1995 عقب وفاة إبراهيم شرف وأحمد الملط ، كما أن محمد مرسى تم تصعيده بانتخابات جزئية عام 2004، وكذلك محمد حسين عام 2006 والآن يصرحون أن انتخابات المكتب ستتم خلال أيام مع احتفاظ الخمسة أعضاء الجدد بمواقعهم رغم أنهم جاءوا بانتخابات جزئية، والوضع الطبيعى أن تتم الانتخابات بشكل كامل، لكن هذا الموقف يظهر مدى تعنت تيار المحافظين تجاه عصام العريان ومدرسته الفكرية. والسؤال الذى يطرح نفسه: هل خشى التيار المحافظ من دخول العريان ثم تنصيبه لخلافة عاكف الذى مهد لهذا السيناريو فى أحد حواراته، ووصف العريان بأنه شخصية اعتدالية تصلح لأن تتولى شئون الجماعة؟. حالة الاتفاق بين العريان وعاكف متبادلة منذ فترة بعيدة فقد كان عاكف أحد أنصار فكرة تيار الوسط وأظهر من قبل تأييده لأداء الشباب لكن أثناء سجنه إبان ولاية مصطفى مشهور، وبعد أن أعلن تأييده لحزب الوسط هددته قيادات التيار المحافظ بالعدول عن تأييد الوسط وإلا سوف تتخلى عن كفالة عملية جراحية لأحد أبناءه كانت ستجرى له فى إحدى دول أوروبا على نفقة الجماعة. وفى أحد لقاءات العريان مع قيادات وشباب عين شمس والمطرية أبدوا استيائهم بسبب الأزمات التى يفجرها عاكف وتتسبب فى إحراج الجماعة أمام الرأى العام أكثر من مرة .. فأكد العريان أن عاكف مرشد طيب وعلى نياته.