أتفق المشاركون فى ندوة "مستقبل حصة مصر فى مياه النيل" التى عقدها منتدى شركاء التنمية أن إسرائيل تقف منفردة وراء إثارة مشكلة الحق التاريخى المصرى فى مياه نهر النيل، وذلك بما تقوم به من تحركات تدفع بدورها بعض من بلدان حوض النيل لممارسة الضغط على مصر للنيل من بعض من حقوقها التاريخية فى مياه هذا النهر. وأكدوا أن السياسة هى مبعث هذه الخلافات، التى نشبت منذ شهور حول نص الفقرة (ب) من المادة (14) من الاتفاقية الإطارية بين دول حوض النيل العشرة، حيث يثار الخلاف حول رغبة دول حوض النيل الثمانية بخلاف مصر والسودان فى عدم النص على التزام الأطراف باحترام الحقوق التاريخية لكل من مصر والسودان فى هذه المياه. وأكد د. محمود منصور -أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة الأزهر- أن هذا الموضوع ليس كما يثار إعلاميا أمن قومى بل هو حياة مصر أو موتها، حيث أن المساس بهذا الحق يعنى المساس بحياة هذا الشعب، لافتا إلى أن وزارة الرى بدأت هذا الشهر السحب من مخزون المياه الموجود خلف السد العالى فى بحيرة ناصر، وهو الأمر الذى يؤكد أن حصة مصر من المياه بدأت تتأثر بشدة بالسدود، التى أقامتها بعض دول حوض النيل على مجرى النهر، خاصة فى أثيوبيا والسودان. وأشار إلى أن المعلومات المعلنة عن منسوب النيل فى بحيرة ناصر وصل إلى مستوى 174 متر، وهو المنسوب الذى لم يصل إليه قبل ذلك على الإطلاق، ، بعد أن كان المنسوب يدور حول 180 مترا، وبالتالى فإن الأمر بحق ينطوى على خطورة كبيرة للغاية، حيث كان السحب من المخزون يبدأ -عادة- مع منتصف فبراير، موضحا أن الإقدام على السحب من المخزون قبل الموعد المحدد بثلاثة شهور يعد إنذار بالخطر. وطالب د. منصور الحكومة بضرورة الانفتاح على الشعب وذلك بالحرص على حضور ممثلين لها فى مثل هذه الفعاليات التى تناقش هذه القضية الخطيرة، وذلك لكى تعلن كل ما يستجد من حقائق ومعلومات فى هذه المسألة التى تهم كل مصرى وتمثل له الحياة بأثرها من منطلق أن مياه النيل هى حياة المصريين، معيبا على الحكومة رفضها حضور هذه الندوة التى تناقش مستقبل حصة مصر فى مياه النيل. فى حين، أوضح د. جمال صيام مستشار مركز البحوث والدراسات بكلية الزراعة بجامعة القاهرة أن العرض فى جانب المياه به مخاطر تتمثل فى حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل إلا أن جانب الطلب على هذه المياه لابد ألا يستهان به، لأنه هناك دول كثيرة لديها مياه اقل بكثير من مصر لكنها تتنج بها أضعاف ما تنتجه مصر، لذلك فالحل الوحيد لأزمة المياه فى مصر تعظيم العائد من الموارد المائية المتاحة وتنميتها. وأشار إلى أن تعظيم الفائدة من هذه المياه يستوجب أيضا الحفاظ على نوعية المياه من التلوث، وحمايتها من التآكل خاصة أن الحصة فى تناقص مستمر إذا ما تم مقارنتها بالزيادة السكانية الحاصلة، حيث تدنى نصيب الفرد من 5 آلاف متر مكعب فى 1890 إلى أقل من ألف متر فى 2008، لافتا إلى أن أهم وسائل الحفاظ على المياه إيقاف عملية الرى بالغمر ومحاولة استحداث وسائل الرى الحديثة، والسعى الجاد لتطوير شبكات الرى، وتشجيع استخدام السماد العضوى ورفع كفاءة استخدام المياه فى القطاعات الاقتصادية، وهذا ما يستوجب تعاون مختلف المؤسسات؛ لتحقيق أقصى استفادة من المياه. وأكد صيام أن المياه هى أهم وسيلة لتكوين الثروة، وهذا ما يفسر المعارك الحاصلة فى منطقة وادى النطرون للاستيلاء على الأرض التى تعهدت الحكومة توفير المياه لها مقابل دفع 10 آلاف للفدان وهذا ما يعنى تحول هذه الأرض إلى ثروة ضخمة لأصحابها، مشددا على أن حل مشكلة جانب الطلب فيما يتعلق بالمياه يحتاج إلى المزيد من الجهد الحكومى بزيادة الاستثمارات والاتفاق على سياسات زراعية موحدة تخدم بدورها قضية ترشيد المياه ولا تضر بمصلحة الفدان. أما د. حازم عتلم -رئيس قسم القانون الدولى بجامعة عين شمس- فقال: يستهدف القانون حماية استقرار المعاملات، لذلك فإن القانون فى صف مصر فيما يخص النزاع حول حصص مياه النيل، إلا أن الأزمة ليست قانونية بل هى أزمة سياسية مفتعلة، ناتجة عن تدخل أطراف خارجية من مصلحتها ألا تستقر الأمور فى هذه المنطقة التى تملك من الموارد الطبيعية ما يجعل منها مناطق غنية. وأضاف: موقف مصر قوى بنص المعاهدات التى وقعت منذ مئات السنين وحتى عام 1997، حيث نصت على ضرورة الحفاظ على الحقوق القائمة والمكتسبة بمرور الزمان، لذلك تتخذ مصر موقفا صلبا تجاه مشكلة المادة (14) فقرة (ب) سبب الخلاف، حيث تصر بلدان حوض النيل الثمانية خلاف مصر والسودان على النص على أن يكون توزيع المياه بين دول الحوض وفقا لقواعد الأمن المائي، وهذا ما ترفضه مصر متمسكة أن تنص الاتفاقية على احترام جميع الأطراف الحقوق التاريخية المتعلقة بهذه المسألة. وخلص د. عتلم إلى أن إثارة هذه المشكلة فى هذا التوقيت بالذات له دلالات هامة للغاية، حيث تطالب بلدان حوض النيل بتقليص حصص مصر والسودان من مياه النيل لصالحهم فى وقت لا تستغل فيه هذه البلدان إلا قرابة 5% من مياهها، لذلك لابد أن تتمسك مصر بحقوقها، وأن تتحرك بشكل جاد لتهيئة الظروف المناسبة للتأكيد على حقوقها فى هذه الاتفاقية الإطارية.