تابعت مثل كثيرين غيري باهتمام خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يتحدث في جامعة القاهرة (4-6-2009). وقد استوقفتني لغة الوعظ ونبرة التبشير اللتان اجتمعتا في خطاب أوباما من بدايته وحتى نهايته. تحدث في البداية عن تاريخه الشخصي وكأنه أراد بذلك أن يقول للعالم والإسلامي منه خاصة إن النموذج الأمريكي ما زال صالحاً وأكثر من ذلك أنه الأفضل، هذا النموذج هو الذي أتاح لوالد أوباما المهاجر القادم من مجاهل إفريقيا من كينيا تكوين أسرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية تحظى بالتعليم والحياة الكريمة وأن تنتج شخصاً أوصله انفتاح المجتمع وتسامحه إلى موقع الرئاسة، إذاً وما زال الحلم الأمريكي متقداً ومتوهجاً وما زال هذا الحلم قضية تستحق الإيمان بها والدفاع عنها. لعل أبرز ما يعكس لغة الوعظ ونبرة التبشير لدى الرئيس الأجزاء الأخيرة من خطابه، ففيها أكد على رغبة أمريكا في عالم خال من السلاح النووي كما عبر عن رغبتها في الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال والأمهات.. عالم تعود فيه القوات الأمريكية إلى ديارها، عالم ينعم فيه الفلسطينيون والإسرائيليون في دولة لكل منهم، عالم تعمل فيه الحكومات لخدمة المواطن، عالم تحظى فيه حقوق جميع البشر بالاحترام، عالم تتعاون فيه الحضارات ولا تصطدم، عالم نعامل فيه الناس كما نود أن يعاملوننا، عالم يقبل الآخر، عالم يستلهم فيه البشر مقولة الإنجيل «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون» ويستلهمون كذلك النداء الإلهي الخالد في القرآن الكريم «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». ما هو معروف عن شخصية أوباما المتسمة بالانفتاح والموضوعية ولهجة حديثه وطريقة إلقائه كلها توحي بالصدق فيما وعظ وبشر كشخص، لكن يبقى الأهم : هل يستطيع أوباما الرئيس الالتزام بما وعظ الآخرين بالإيمان به وهل سيتمكن من انجاز ما وعد العالم بتحقيقه؟. أغلب الظن أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على أوباما الرئيس فهو لم ينصب إلا منذ نحو خمسة أشهر، كما أن القرار في الولاياتالمتحدة تحكمه مصالح أمريكا وتصنعه مؤسسات عديدة إحداها مؤسسة الرئاسة التي لا تختصر مؤسسات صنع القرار الأخرى ولا تلغيها. هنالك الكونغرس وكذلك المؤسستان العسكرية والأمنية بالإضافة إلى مجموعات الضغط وشبكات المصالح وشركات النفط والمجمع الصناعي العسكري وغيرها. رغبات الرئيس ونزعات إدارته لا تصنع مواقف تلك المؤسسات إنما تصنعها مصالح الولاياتالمتحدة والحاجة لتأمينها. أكثر من ذلك يمكن القول بحكم طبيعة السلطة في الغرب: إن الحكومات والإدارات فيه ليست بالنهاية أكثر من طلائع سياسية لقوى النفوذ وشبكات المصالح، تلك القوى والشبكات هي التي تصنع الإدارات وتنصّب الحكومات وليس العكس. بالنسبة لنا العرب تكمن مشكلة علاقتنا بالسياسة الأمريكية تقليدياً باتجاهين: أولها النظرة الأيديولوجية المهيمنة على الثقافة السياسية في الغرب وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعتبر أن إسرائيل امتداد حضاري للغرب ونمط حياته وهي قادرة على حماية مصالحه في المنطقة، كما أن العرب حتى الموالين منهم ليسوا أكثر من أصدقاء ضرورة في أحسن الأحوال. وثانيها حالة التفكك والضعف العربي المزمنة المقترنة حالياً بمحاولة بعض الأنظمة العربية إعادة صياغة العقل السياسي وفق أسس غريبة وبدع جديدة غير مسبوقة. فالمواطن العربي مطلوب منه أن يقتنع أن إيران وليست إسرائيل هي الخطر على الأمن القومي العربي وأن مقاومة الاحتلال نزعة عبثية خارجة عن سياق العصر؟ ما يفقد أي محاولة لإدارة أوباما -حتى لو توفرت الرغبة- لانتهاج سياسة متوازنة في الشرق الأوسط مبرراتها أو مشروعيتها وخاصة أن مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة آمنة وغير مهددة بشكل جدي حتى الآن. صحيح أن العالمين الإسلامي والعربي يتوقان إلى تحول جوهري في سياسة الولاياتالمتحدة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وصحيح أيضاً أن خطاب الرئيس الأمريكي يعكس رغبة ما في هذا الاتجاه، إلا أن تحقيق ذلك يرتبط إلى حد كبير بقدرة المسلمين والعرب على إقناع مؤسسات صنع القرار في الولاياتالمتحدة أن تأمين مصالحها ومصالح أمريكا من خلالها يعتمد على هذا التحول ويتحقق بتحقيقه. ذلك هو منطق الأشياء ففي العلاقات بين الدول ليس هنالك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة هنالك مصالح دائمة كما قال دزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا الشهير أوائل القرن العشرين وهو بالمناسبة يهودي الانتماء. جملة القول: إن العرب بحاجة إلى أوباما الرئيس أكثر من حاجتهم إلى أوباما الواعظ، لكن هل يحقق الرئيس ما بشر به الواعظ؟. سؤال تبقى الإجابة عليه مرهونة بالطرفين، العرب مع قدرتهم على الإقناع وأوباما مع قدرته على التغيير؟. *كاتب صحفي سوري – القاهرة