إصلاح في دولة السُلطة، أم في سُلطة الدولة؟؟ لنكن واقعيين: فنحن لا نعرف رأي الأخوة في الوطن السوري ومطالبهم، هل هم مع دعاوي الإصلاح، أم لا؟.. فكل ينظر من مقتربه والخلاف في وجهات النظر حول حقيقة الوضع السوري، إنما يتبع هذه الرؤية ونوعية من ينظر، أما المنفعل وهو الساكن في الغالب على الأرض السورية، أو من تستثيره المؤثرات الإعلامية، فلا رأيا ذي قيمة لديه؟، ولكن هذا لا يعني أن الوضع السوري مستباح أو هو من البساطة التي تسمح بأن يتناوله أيا كان؟؛ إذ لا يمكن أن يفهم الوضع السوري بمقاييس الغرب ومقولاته ورؤيته، وليس لأي من أدعياء المعرفة التفسير على الهوى والرجم بالغيب والتخمين، فالمكونات المجتمعية للشعب السوري متعددة ومتنوعة ومتداخلة ومتناغمة ومتفاهمة ومتضادة ومتسامحة، وهي بقدر إيغالها بالتاريخ هي حداثية مركبة متبدلة، ولأنها تجمع كل هذه الصفات ومنطلقها جغرافية الأرض ومؤثراتها وطبيعتها، فليس لإنسانها المتجذر في أرضها والعائش عليها بما فيه المغترب هوية سوى الوطن؟ إن ما يجري الآن على الساحة السورية: هو استثارات إعلامية مبرمجة من نوع الفعل وانعكاسه بردود أفعال، هدفه تهييج الكتل الشعبية في سوريا على أنواعها، وفي مثل هذه الأجواء يغيب العقل ويضيع الاتجاه، وينعدم المنطق والآراء الموضوعية التي تحتاج إلى رؤية وتروي.. فالذي يطرح دائما، إما رأي متشنج مخالف، تصرخ به المحطات الفضائية على ألسنة من أسموا أنفسهم معارضين، لا نعرف لمن ولمصلحة من؟، وإما رأي السلطة في سورية الذي تعلنه محطاتها الإعلامية من وجهة نظر مريديها أو لنقل مثقفيها؟ فنحن لم نسمع الطرف صاحب الرؤى المتعددة والتركيبة الأكثر تعقيدا، من كل ما يظهر حتى الآن من اتجاهات تبدوا ظاهرا وكأنها مقسومة في اتجاهين متقابلين، إنه الطرف المحايد الصامت، الطرف ذي المصلحة الحقيقية في كل ما يجري على أرضه وهو الشعب؟ وكما توضح فإن الكتل الشعبية الأوسع على مختلف أطيافها العاطفية، كانت تلك المؤيدة لبقاء الوطن والنظام، وهو شكل الدولة والسلطة، على الرغم مما كان قد قيل وما يقال عن التجاوزات (اللاديمقراطية) غير المقبولة، التي كانت تمارسها السلطة في مواجهة الشعب، وكل بكائيات الموجات التحريضية الشرسة التي كانت تضخها الأجهزة الإعلامية (الديمقراطية) الغربية وملحقاتها المتخصصة بتقويض الدول من الخارج، مع الإعتراف بأن دعاوي هذه الأخيرة، لم تتوضع كما يوحى أو يظن على فراغ؟، وإنما على استنادات داخلية؟، شكلت الأخطاء، وإحباطات جيل الشباب (المصاحبة لتراكم خليط من التحولات ومن صيغ اجتماعية وسياسية مركبة غامضة)، ورائحة التذمر الشعبي، أهم معالمها؛ كما استندت أيضا على المناخات الخبيثة الرافضة المستدخلة، التي كانت قد نشرتها مسبقا جيوب اندساسية، تحمل أشكالا من الهوس الديني المكفرة أساسا لكل بنية النظام بما فيها المجتمع الحاضن؟، والتي تبيح ليس فقط إسقاط النظام، وإنما أيضا إحراق كل سوريا؟، كل هذا يقود إلى تساؤل مشروع، إن كانت براعة القيادة السياسية السورية هي من وقفت حائلا دون دحرجة الإسقاط، أم أنها عثرات وأخطاء من خططوا لعمليات الإسقاط، أم أن هنالك أمورا أخرى تدخل في تركيبة المجتمع السوري، لا تحسب، ولم تأخذ بالحسبان منها مفاعيل تأصل الاقتصاد الأسروي في بنية المجتمع وفي تجذر إنسانها بالأرض والعائلة وشعوره تبعا بالاستقلالية والاطمئنان والحرية، وأيضا في تعمق الخصوصية النمطية لكل كتلة من موزاييك مجتمعه ضمن كل طائفة دينية ومذهبية وإثنية وازدواجية تعاملاتها بين الانفتاح على المختلف الآخر والانغلاق على نفسها.. مما جعل المؤثرات الخارجية، وسلبيات النظام اتجاهها إن وجدت ذات أضرار سطحية لا أهمية لها، بينما ما استثار هذه الكتل مجتمعة، وما كان له كبير الأهمية في استنفارها (ضد أو مع)هو مصير وجودها المهدد ذاته بما يحتويه من معنى ومضامين، دفعها لأن ترى في الدولة الناظمة ضمان لبقائها وإلى التمسك بها، أما الآخرون فهم الأغراب الأعداء..؟ لكن عندما تطرح القيادة وعودا بالإصلاح وبرنامجا للحوار، وعفوا عاما عن كل الجرائم، فهي تقر ضمنيا بوجود خلل في بنيتها الدولتية وطبيعة تناول تركيبة مجتمعها ومؤسساتها، وأن هنالك تراكم لنتائج الإفساد والفساد عمل على تآكل الدولة، بما يعني هذا الإقرار أيضا بالمقابل بأن لا وجود لدولة مؤسساتية وإنما لسلطة لا شكل لها قد أحلت ذاتها مكان الدولة، يمكن أن ندعوها بفوضى الدولة المقنعة، المتحركة فعالياتها تحت غطاء الانضباط الأمني وتوازناته، المشكلة تكمن إذن في إعادة بناء الدولة (حال انتظام الشعب) والسلطة، أي دولة وأي سلطة؟!: دولة السلطة في غياب سلطة الشعب، أم سلطة الدولة (السلطة التابعة للدولة)، حيث الشعب مصدر السلطات؟، ومن يبنيهما؟: في الأصول الدستورية النظرية والعملانية، الشعب من يبني الدولة، لكن كيف؟ من خلال الفوضى نستطيع أيضا اعتبارها نظريا عودة إلى نقطة الصفر، والبدء من جديد في عملية التكوين والبناء، لكن لا وجود عمليا في المجتمعات لنقطة الصفر لأن المجتمع موجود ومستقبله مرتبط بتاريخه، وعليه فمبدأ القصاص والعقاب على الجرائم يدخل في استمرار وجود المجتمع وليس وجود دولة السلطة، والفوضى حالة مؤقتة وعابرة، لأن أساس كل سلطة كما هو مفترض هو حال الشعب المستقر، أي دولة الشعب، ودولة الشعب وأي دولة لا يمكن أن تعيش وأن تبقى بإسقاط العدل، وإلا انتفي مبرر وجودها؟، ونقطة الصفر ليست بالضرورة تعني: بدء الإقلاع الجديد لبناء الدولة العادلة، هنالك خلط بالمفاهيم، (الفوضى تنتج سلطة ولا تنتج دولة)، إذ أن دولة لا قاعدة إنتاجية لها ولسكانها، لا يمكن أن يكون لديها مواطنون يبنون دولتها، (دولة دوام العدل والأمان) بديناميكية التفاعل المفترضة بين المصلحة في صون الملكية الخاصة والعامة والإنتاج والحقوق، وبين ضمان العدل والأمن، وما يمكن أن يوجد في هذا الوضع، هو بديل آخر بالضرورة للإنقاذ، (يتمتع بشكل من التفويض الشعبي) وله شكل السلطة، ودوره قمعي لإعادة فرض القوانين والشرائع، وحماية أمن اجتماع الساكنين والقاطنين على أرض مشمولة بالحماية والرعاية، (دولة السلطة)، بمعنى آخر فإن السلطة هنا (بغير تداخلات الشعب بحكم مصالحه) تعيد إنتاج ذاتها بطرق ومسميات مختلفة، ولكن لا تنتج دولة المواطنية، (فدولة المواطنية لا تبنى من فوق)؟ وبالضرورة لا تأتي من الخارج كما يذهب بعض تخريفيي الفكر المتسيسين، أي أن ما ينتج في مثل هذا الوضع هو دولة السلطة؟؛ فالسؤال يطرح على السلطة في سورية ما هي مضمون مشاريعكم الإصلاحية، وكيف ستبنون الدولة؟، وأي نوع منها ستبنون؟!! هل ستبنون الإنسان المنتج، وهل ستسمحون بأن يعود الإنسان إلى تعزيز انتاجيته الزراعية أو الحرفية؟، ليبني دولته المواطنية المؤسساتية، أم ستبنون الدولة السلطانية؟ (دولة السلطة)، لنكن على قدر من الصراحة ففي وضع مثل وضع شعب الدولة السورية، حيث تنعدم الحدية المطلبية في إيجاد دولة المواطنية كالغرب الرأسمالي، فإن دولة الأمان والعدل هي ما يستشعر بأنها الأفضل له، وهي أيضا ما يرتاح إليه من ثلاث منطلقات: 1 - انحسار دور السوق الاقتصادية الفاعلة التي تحتاج إلى سلطة من صلبها (سلطة الدولة)، 2 - استمرار هيمنة الموروث الأبوي، المتعلق أيضا باستمرار نمطية الاقتصاد المعيشي الأسروي وأشكاله، والحفاظ على نمطية الخصوصية المجتمعية لتنوعه الطوائفي والإثني، 3 – ما يمكن أن تحققة دولة السلطة (الأبوية) من استقرار أمني ومعيشي ومن سهولة في الحلول والتعامل لرخاوة الحدود الفاصلة بينها وبين الشعب، وأيضا في سهولة تجاوز حدود سلطة الدولة ذاتها باختراقها بالإفساد (كما اعتاد إنسانها) وتحميل ما ينتج من عواقب سلبية لصاحب السلطان، لتبدأ دورية جديدة من الفساد والإصلاح.. وبالوقت ذاته يطرح على الشعب القاطن في سوريا، ما هي مشاريعكم لبناء الدولة والسلطة؟، أم أن مطلبكم ينحصر في سلطة توفر لكم الأمان؟، وأن تكون لكم صفة الرعايا، (الدولة السلطانية للسلطان) وليست للشعب، وهو بالضرورة مستبد لأنه مفوض بالاستبداد لإحقاق العدل، ولا حق للرعايا في الدولة السلطانية من حيث المبدأ إلا في الأمان والعدل، لكن يجري أحيانا اختراق الدولة السلطانية جراء طمع من بعض الرعايا (خلافا لرغبة العدل المفترضة وضرورتها)، في دورة الإفساد والفساد، الفساد يضعف السلطان بفقدان مشروطيتي الحكم (العدل والأمان)، فيتجرأ الأعداء الخارجيين ومن أصابه الغبن من الرعايا في الداخل على دولة السلطان، وتحدث الفوضى ومطلبها المرعب في نتائجه، التي يتحملها السلطان بحسب مسؤوليته، تحت مسميات الثورة، أي إزالة السلطة؟؛ * هذه النمطية السياسية تنتج هذا النوع من الدورية السياسية، لكنها لا تنتج مجتمعات سياسية دائمة الاستقرار، وإنما سلطة مستقرة متراوحة بين الجور والعدل في شخص قدس السلطان، وحكم بقائها في رضى المجتمع، وبالتالي لا يمكن لمجتمعها أن يختزن خبرات تؤدي إلى الرقي أو إلى التقدم المنشود، فهذه النمطية، هي من ناحية تحفظ بدائية المجتمعات المغلقة وتعيد دورية بقائها في مستقراتها، ومن ناحية ثانية تؤدي مع متلاحقات الحداثة إلى فرز تجمعات لا منتمية هامشية تدميرية: هي (نوع من تجمعات الشتات في المخيمات) القلقة الخطرة المترحلة في مكانها والمتوضعة في سكناها على الأطراف، وهذه كانت قد (انجذبت إلى هيمنية الدولة وأهميتها في المراكز)، علها تحصل على نصيبها منها، لكنها غادرت مستقراتها ونمطياتها المعيشية دون أن تجد البديل، وهي إذ انقلعت من منابت جذورها، لم يعد بالإمكان تجذيرها، (كما هو تواجدها الآن في بعض مدن بلاد العرب)؛ * وهذه التجمعات الشوهاء: ذات وجهين متناقضين في مظهريهما ولكنهما متكاملين في شرطيهما التخريبي للاستقرار المتمثل بدولة المجتمع، وينطلقان كليهما من مبدأ حقدي (ثروتي نفعي لا قيمي)، (هو صفة المشمولين بعدمية الاستقرار)، فمنهم من تحصل على الثروة، وأنتقل إلى العيش على هامش المجتمع وينتظر دخوله دون جدوى، ومنهم من ينتظر أجره؟؟! فوجه يحمل معول الهدم المباشر ويغلب على ريادة أنشطته (الشطار واللصوص والقوادين والخارجين عن القانون عموما)، ووجه أخر أيضا يمسك المعول التهديمي الخفي: المتمثل في تجمع هلوسات الفكر التخريبي؟، الذي يستشري بين أفراده بشروط الأوضاع الحياتية القاسية (نزعات العصبوية البدائية الإجرامية)، المتمثلة بإلغاء الآخر وإباحة غزوه كفرض واجب خاضع لإملاء الإيحاءات الغيبية وخطل أوامرها؟، ويجدر الذكر، بأن ليس من مانع لدى هذين الوجهين، أن يلتقيا ويعملا معا بأوامر خارجية لانتفاعات ارتزاقية (بغرض تقويض المجتمع الخصم ودولته)، على هدى مختلف الحجج الحضارية كالديمقراطية والحرية، أو التكفيرية المتخلفة؟.. وتحت ظلال لوافت شعاراتها..؟