برغم مقاطعة الإخوان الفصيل السياسي الأهم علي الساحة السياسية الآن له، ورفض إئتلافات الثورة المشاركة في جلساته فإنه خرجت علينا لجنة من لجان الشقاق القومي أقصد الوفاق القومي بتوصية تطالب بالعزل والحرمان السياسي لعدد كبير من المواطنين المصريين لمجرد أنهم شاركوا في الحياة السياسية قبل ثورة 25 يناير بغض النظر عن أنهم كانوا فاسدين أم صالحين. عليهم وقائع إدانة أو حتي شبهة أم لا.. فقط كل ذنبهم أنهم شاركوا في الحياة السياسية سواء أكانوا من الحزب الحاكم أم من المعارضة، وامتدت التوصية لتشمل كل من شارك، ونجح في انتخابات 2005 التي جرت تحت الإشراف القضائي ومساواتها انتخابات 2010، وكذلك كل أعضاء المجالس المحلية في طول مصر وعرضها من جميع الأحزاب، وكذلك كل قيادات الحزب الوطني المركزية أو في المحافظات أو الأقسام والمراكز، أيضا القري والوحدات الحزبية.. هكذا تمت التسوية بين أكبر رأس وأصغر رأس.. لا فرق بين أحمد عز والحاج محمد عميد عائلة كذا في قرية ما، رغم أن الأخير ليس عليه شبهة فساد واحدة.. المهم قطع كل الرؤوس، وإخلاء الساحة بحق وبدون حق، ونسي المشاركون في الحوار التركيبة العائلية في القري والمحافظات، وارتباطها بالتمثيل في المجالس المحلية، وعلاقتها الوطيدة بالتشكيلات الحزبية، وأن الكثير من هؤلاء لم يسعوا إلي عضوية هذا التشكيل ولا ذاك ولا يلزمهم في شيء من قريب أو بعيد، وإنما هي تركيبة اجتماعية موجودة يعرفها أهالي القري والريف والصعيد بعيدا عن غرف المكاتب المكيفة وإصدار الاحكام العمومية. هكذا جاءت التوصية كما نشرتها الزميلة المصري اليوم يوم الجمعة الماضي في صفحتها الاولي وتفاصيلها في الصفحة الخامسة لتخلط بين المعارضة والحزب الوطني من جهة وتخلط بين الصالح والطالح في الحزب الوطني نفسه لا فرق بين حمدي الطحان الذي قاد حملة ضخمة ضد فساد زكريا عزمي والعبارة السلام أو حمدي السيد الذي عاني من التزوير ضده وغيرهما من الشخصيات المحترمة وبين الشخصيات الفاسدة، ونسي القائمون علي تلك التوصية أن الفساد أيا كان جريمة شخصية يتحملها الشخص نفسه ولا تمتد آثارها إلي الآخرين إلا اذا كانوا متورطين فيها، وذلك طبقا للأديان السماوية ولا تزروا وازرة وزر أخري أو القوانين الوضعية، ولا يمكن أن يحاسب الابن بتهمة الأب أو الشقيق، أو العكس إلا اذا كان هذا أو ذاك طرفا أصيلا أو مشاركا في تلك الجريمة.. أما إطلاق الأحكام والتعميم فهو مبدأ خطير انتهي عهده بنهاية النازية والفاشية والحقبة الشيوعية. حينما انهار الاتحاد السوفيتي وتفككت أوصاله وتحول فيما بعد إلي روسيا، لم يتم حل الحزب الشيوعي ولا حرمان المنتمين إليه من ممارسة العمل العام، وتركوا أمرهم إلي الشعب.. إن شاء اختارهم وإن شاء رفضهم، وهو حتي الآن يمارس دوره هناك بكل الحرية. نفس الحال في دول أوروبا الشرقية كلها التي كانت تخضع للحكم الشيوعي برعاية معنوية ومادية من الاتحاد السوفيتي، وبمجرد انهيار الداعم الرئيسي الذي كان يصل إلي مرتبة الاحتلال تقريبا ثارت الشعوب وأسقطت الأنظمة الشيوعية إلا أنه لم يتم اجتثاث الأحزاب الشيوعية أو عزل وحرمان أعضائها، وظل مصير تلك الاحزاب فوزا أو خسارة مرهونا بارادة شعوبها. العزل والحرمان السياسي هي حيلة العاجز الخائف من الممارسة السياسية المتكافئة والذي يريد إبادة المنافسين لاخلاء الساحة لنفسه وإلصاق التهم سابقة التجهيز بالمنافسين والاطاحة بهم وهو شكل من اشكال التزوير العمدي والمقصود قبل أن تبدأ المنافسة باللجوء إلي إقصاء وحرمان المنافسين إلا اذا كان من يطالب بالعزل والحرمان السياسي يشك في القوي العقلية للمواطنين. أفهم أن يتم وضع قواعد صارمة خاصة بالانفاق المالي الضخم وتجريم اللجوء إلي البلطجة وشراء الاصوات، وغيرها من الضوابط الحاكمة التي تجعل المنافسة متكافئة أمام الجميع، ووضع الآليات العملية والتنفيذية التي يسهل تطبيقها علي الأرض لضمان توقيع العقوبات علي المخالفين.. أما العزل والاقصاء فهو مبدأ خطير يتعارض مع أبسط قواعد المواطنة وحقوق الانسان التي كفلها الدستور والقوانين التي فيها ما يكفي لمعاقبة مرتكبي جرائم التزوير والفساد المالي والجنائي والجرائم الماسة بالشرف، بما فيها من عقوبة الحرمان من ممارسة العمل العام، فالشخص يعاقب بجريمته أما التعميم فهو غير المقبول. تحية إلي الشقيقة أخبار اليوم التي خرجت صباح السبت الماضي علي صفحتها الثانية عشرة بعنوان ضخم لا تسمعوا توصيات مؤتمر الوفاق القومي وأفردت صفحة كاملة لتجارب 5 دول من أمريكا الجنوبية، وأسيا في التحول نحو الديمقراطية ( شيلي والارجنتين والمكسيك والبرازيل وإندونيسيا) خاصة فيما يتعلق بصياغة الدستور ونشأة الأحزاب، وإجراء الانتخابات وكلها تجارب أكدت أن الديمقراطية في أبسط صورها تعني عدم الاقصاء لأي طرف في المجتمع طالما التزم بالقواعد والقوانين العامة التي تطبق علي الجميع دون تمييز