يتغنى إدوار الخراط بجمال الإسكندرية وحبه لها في رواية ترابها زعفران ، وفي هذه الرواية يقدم جانبا من طفولته وصباه في ربوع الإسكندرية فيسرد تفاصيل حياة المجتمع السكندري بطوائفه العديدة ، وطبقاته الإجتماعية المختلفة ، فنرى عمال المصانع والميناء والتجار والطلبة والفقراء والأثرياء ، في فترة الفوران الثوري إبان الحرب العالمية الثانية ، وقد نظن إن هذه الرواية سيرة ذاتية لإدوار لولا قوله : " ليست هذه النصوص سيرة ذاتية ، ولا شيئا قريبا منها . ففيها من شطح الخيال ، ومن صنعة الفن ما يشط بها كثيرا عن ذلك " وتسرد أحداث هذه الرواية في تسعة قصص قصيرة في عناوين فرعية يربط بينها خيط وهو الشخصيات والمكان ، وهذه القصص 1 –السحاب الأبيض الجامح 2 – بار صغير في باب الكراستة 3 – الموت على البحر 4 –فلك طاف على طوفان الجسد 5 – غربان سود في النور 6 – النوارس بيضاء الجناح 7 – السيف البرونزي الأخضر 8 – الظل تحت عناقيد العنب 9 – رفرفة الحمام المشتعل يبدأ إدوار في سرد كل قصة منذ طفولته ويمر بأحداث بعينها مثل سرد أول قصة حب له في السحاب الأبيض الجامح أو وفاة والده ودخوله الجامعة في بار صغير في باب الكراسته ، ودخوله مدرسة النيل الإبتدائية وعلاقته بزملائه في فلك حائط على طوفان الجسد ، ويمدنا فيها بمصادر ثقافته الواسعة فيروي لنا حصوله على المجلات والكتب من صديقه جابر الذي يمتلك أكواما من الكواكب والدنيا والمصور واللطائف وروايات جورجي زيدان وروكامبو وألف ليلة وليلة التي رحل فيها إلى أن " سطع العلم للمرة الأولى بلب المعرفة وانهمر الطوفان ووجدت نفسي فلكا طافيا على الغمر ، وليس بين أمواج اليم العاتية من طريق ، ومازلت أطوف و أغوص " ص93 وفي النوارس بيضاء الجناح يروي لنا مرضه وهو طفل صغير وكيف أن أجنحة الملاك تشفيه ، ويروى لنا عمله في مخازن البحرية البريطانية في كفر عشري بجانب دراسته في كلية الهندسة ، ويحدثنا عن علاقاته بزملائه في العمل . وكما يبدأ كل قصة بطفولته ، لا ينهي قصة من قصصه إلا بالتغني في الإسكندرية " مياه كثيرة لا تغرق عشقي ، والسيول لا تغمره ، صخرة ناعمة الحنايا أنت في قلب الطوفان ، سفوحها ناعمة غضة بالزر وع اليانعة ، بالسوسن والبيلسان ، ترابها زعفران " ص142 وهناك خيط سحري يربط بين فصول الرواية ، وهو وصف علاقة المسلمين بالمسحيين في الإسكندرية ، فمن أول قصة في الرواية يصف لنا علاقتهم بجيرانهم المسلمين ، فيقول عن زوجة حسين أفندي جاره " كانت زوجته الست وهيبة صديقة أمي جدا ، وكانت تقول لها أحيانا إن نبيهم أوصانا بنا وأن عيسى نبينا هو أيضا رسول من عند الله مثل موسى وإبراهيم ، وكانت أمي تحلف لها أحيانا بالمسيح ابن الله الحي ، وكانتا تضحكان على أشياء لا أعرفها ، وتنتهي زيارتها اليومية لنا بأن تقبل إحداهما الأخرى " ص14 ويذكر طريقة عمل فطير الملاك وطريقة احتفالهم بعيد الميلاد والقيامة ، ومشاركة المسلمين لهم الاحتفال ويؤكد على علاقة المودة بين المسلمين والمسحيين " فكانت أمه ترسله برقائق الفطير إلى الجيران والحبايب كما كان المسلمون يرسلون إليها أطباق العاشوراء في موسمها وأباريق الخشاف في رمضان ، وكانوا يتبادلون أطباق الكعك والبسكويت في أعياد الميلاد والقيامة والأضحى والميلاد والفطر " ص119
كما صور لنا كيف تجمع شعب الإسكندرية في المظاهرات الثورية دون التفرقة بين مسلمين ومسيحيين فكلهم اسكندرانيون " وانتظمت الجموع بقيادة صديقي عبد القادر نصر الله وكان قد انضم إلى جماعتنا الثورية ، ورأيت على جانبي شارع النبي دانيال جثث الأطفال المرمية هامدة " ص 223
تسرد هذه الرواية بأسلوب شاعري أخاذ في 225 صفحة من القطع المتوسط ، وقد طبعتها مكتبة الأسرة عام 2008 م ، وقد دفع جريدة مصر الجريدة إلى عرضها الآن إنفجار كنيسة القديسين في الإسكندرية ، ورغبتها في نشر المحبة والود بين المسلمين والمسحيين عن تذكيرهم بالود بينهم قديما في الأربعينيات ووحدتهم من أجل مصر . " إسكندرية يا إسكندرية ، أنت لست فقط لؤلؤة العمر الصلبة في محارتها غير المفضوضة ... مع ذلك أنشودتي إليك ليست إلا غمغمة وهينمة " .