خلال رحلة الانسان الشاقة عبر التاريخ.. وبحثه عن الاستقرار والأمان.. لم يلتفت كثيرا إلي شراع التسامح الذي ينقذ البشرية من أحقاد التمييز والعنصرية.. والمعاملة القاسية للبعض.. أو التفرقة في العقوبة رغم الشراكة في جسامة الخطأ.. ومارس الابادة والتهميش وجبال الطبقية الصلدة.. رغم أنه قد عرف قيمة التسامح في أكثر من مناسبة علي مر التاريخ؟؟ ربما يكون أولا عندما قتل قابيل هابيل بسبب القربان الذي لم يتقبل منه.. وبعدم التسامح واللجوء إلي القتل فقد قابيل غروره أمام الغراب الذي حفر في الأرض ليعلمه كيف يواري سوءة أخيه فاقد الحياة.. وظل حادث قابيل وهابيل في خزانة الضمير الانساني.. إلي أن أمر الله سبحانه وتعالي نوح عليه السلام ببناء سفينته.. وأخذ زوجا من كل طائر وحيوان معا بالإضافة للذين امنوا برسالته..ولم يكن عددهم كبيرا.. استوت السفينة علي الجودي.. ونجا ركابها من الطوفان الذي التهم العمل غير الصالح.. وعاشوا في تسامح وتعاون وتواد إلي أن قضي الله أمرا كان مفعولا وخرج معظم الأجيال عن طاعة الله.. لتمضي في بحر الحياة.. وتنسي شراع التسامح.. لتتقاذف سفينة البشر التعصب والفوضي وحب الذات.. والأنانية.. والالتفات فقط إلي الغرائز والحاجات قريبة الأجل.. ليسقط البشر في أحلام وأوهام صنع الامبراطوريات والممالك.. يعتمدون في الجوهر نفس ما لجأوا إليه في رحلة الاستقرار.. قامت الامبراطوريات ثم زالت.. وانتقلت مراكز الثقل من الشرق القديم إلي أوربا الاقطاع والنبلاء.. وامبراطورية سور الصين العظيم.. ثم عنف التتار المخيف الذي هب إلي الشرق لينقض بسيف من نار علي مكتبة بغداد.. وقصور العلم فيها.. إلي أن نجح أمراء مصر والشام في ايقاف الخيل المجنونة.. وبعدها نجح صلاح الدين الأيوبي ورفاقه في كسر شوكة الصليبيين.. واسترداد القدس الطاهرة منهم.. بعد أن نجح الظاهر بيبرس والأبطال الفرسان معه في أسر لويس التاسع وقادة حملته في دار بن لقمان بالمنصورة.. وطوال هذه الحروب والمعارك.. كان مصير الأسري هو الكاشف لسياسة العنف.. والرافد الأساسي لتجارة العبيد ..ولم يختلف الأمر كثيرا.. بالنسبة لفكر استعماري.. اعتبر البشر جزءا من خيرات الأرض وبعثوا بهم إلي الدنيا الجديدة.. خداما بلا حقوق لدي الرجل الأبيض.. وكذلك بالنسبة لما أسفرت عنه حربان عالميتان.. كان الهدف الأساسي منهما اعادة رسم خريطة العالم ودوله.. للأسف تحت شعار جذاب وساحر "حق تقرير المصير" ولسنا في موضع التبرئة او الادانة للدمار المادي والنفسي والاخلاقي الذي خلفته الحرب العالمية الاولي ثم الثانية.. وحرق الأشجار والثمار وزرع الالغام.. في عدوان علي حق العيش في الانسان.. وتنوع عزف الشيطان فيما تلاهما من صراعات مسلحة وحروب باردة ونزاعات.. تنقلها آلة الاعلام بالاقمار الصناعية علي الهواء في سرعة ضارة ورياح مخيفة أدت للأسف إلي فقد العالم لتوازنه وكشف ما يسمي بقضايا الأقليات.. والحقوق المنسية للفقراء والمهمشين.. بل وابادة الجنس البشري والسماح للأسف بأن تدور العجلات المسنونة دورة جديدة مثل ظهور الأحزاب النازية الجديدة وممارستها ضد الأجانب.. وسعيها للتخلص منهم كما يحدث في ألمانيا وبعض البلاد الأوروبية رغم مساحة الديمقراطية التي تبدو علي سطح الكرة الأرضية.. وفي مجالها الفضائي أخذة في التزايد والتنوع والعمل بأقصي حرية ودليلنا هنا آلاف القنوات التليفزيونية.. من كل لون واتجاه.. والتي تزخر بها الأقمار الصناعية.. وعي الأرض المزيد من حوار الطرشان.. بدون أي مظهر للتضامن الفكري والمعنوي بين البشر. والغريب أن اتهام عدم التسامح والتطرف والارهاب علي قاعدة الدين.. يلحق أكثر ما يلحق بالاسلام والمسلمين.. بسبب بعض الجماعات التي تحيا خارج الزمن.. وبتوجهات عنيفة قاصرة.. وتسرع لتبني مسئولية اي حدث يلحق الضرر بالآخرين.. رغم عجزها الفكري والتقني.. ويضربون بقسوة ودون فهم علي ما حفل به التاريخ الاسلامي من مباديء التسامح وحسن التعامل والانفتاح علي الحضارات وكيف أنه يحمي من يعيش تحت ذمته.. ويحرص علي إرساء قواعد سليمة البنيان.. لا تترك اي ثغرة للمستقبل كما ان الانتشار الأكبر للدين الاسلامي.. في أسيا وافريقيا.. والآن في بقاع أخري كثيرة بالعالم.. اعتمد علي رجال العلم والدعاة والتجار.. وعرض السلوكيات الايجابية.. منذ وثيقة المدينةالمنورة التي سنها الرسول صلي الله عليه وسلم مع اهل المدينة من غير المسلمين.. ورسائله الشهيرة للنجاشي في الحبشة والمقوقس في مصر.. والاحترام البالغ من الخليفة والقادة المسلمين لكنائس الأقباط في فلسطين والشام.. والالتزام التام بما أورده كتاب الله.. وأكد فيه أن الأقرب للمسلمين هم النصاري. علي أيه حال فإن تصحيح هذه الأوضاع هي مسئولية العالم.. والبشرية جميعا.. خاصة أن هناك اتفاقاً عالمياً علي أهمية غرس ثقافة التسامح والمحبة والتأخي بين شعوب العالم.. وقد بدأ هذا الاهتمام بعام كامل يكون سنة الأممالمتحدة للتسامح "1995". ثم الاتفاق في اعلان الألفية الثالثة عام 2000 علي ان التسامح شرط أساسي من شروط السلام والديمقراطية والتنمية المستدامة.. وتأكيد الأمين العام للأمم المتحدة في يوم 16 نوفمبر "اليوم العالمي للتسامح" أنه يشكل أساس الاحترام المتبادل بين الشعوب والمجتمعات وأمر لابد منه لبناء المجتمع العالمي الذي تجمعه القيم المشتركة.. وهو أيضا فعل يكمن في مد الايدي للآخرين والنظر الي الاختلافات.. ليس كحواجز بل كدعوات مفتوحة للحوار والتسامح.. وهو يتحقق عن طريق بناء الجسور وفتح قنوات الاتصال بين الشعوب.. ولا يمكن اعتباره أمرا مسلما به.. بل يجب تلقينه وتعزيزه ونشره.. واستثمار التعليم كأساس لتعزيز التسامح ومكافحة البغضاء والتمييز... ولنكن عقلا وقلبا مع الذين يعانون من التهميش والتمييز وفقدان بعض حقوق الانسان.. ولنكافح التعصب بكل ما نستطيع من قوة.. ولعل في حركة المرأة من أجل السلام التي ترعاها السيدة سوزان مبارك.. نموذجا ناجحا وايجابيا.. يرفع راية الحوار والتسامح والسلام بين الآلاف من شباب الحركة.. واستطاع أن يمضي بخطوات ملموسة في هذا الطريق الهام والمهم أن نملك ارادة التسامح.. وبعدها سنصل بالتأكيد الي نقاط التقاء لصالح الطرفين المختلفين والبشرية جمعاء.