لطالما أعجبت بكلمة «toierance» في اللغة الإنجليزية.. كما ضايقني كثيرا أنني لم أجد لها مرادفا يساويها ويتوازن مع ثقل معناها في اللغة العربية.. وبالرغم من أن الكلمة غالبا ما تتم ترجمتها «التسامح» إلا أن ارتباط كلمة التسامح بالغفران ونسيان الخطأ يجعل الكلمة العربية غير مساوية للكلمة الإنجليزية.. إذ إن كلمة «tolerance» تعني قبول الإنسان للإنسان الآخر كما هو بدون محاولة تغييره ولا إبدال فكره أو عقيدته أو شكله أو أي مكون من مكونات شخصيته.. وفكرة «التسامح» إن جاز التعبير هي مبدأ يصل بالإنسان إلي قبول كل من حوله وما حوله أينما ذهب ومهمها تنقل.. كما يضمن هذا المبدأ السلام النفسي والفكري لكل فرد في المجتمع العالمي كله إذا تحقق بين الناس. وقد حددت الأممالمتحدة يوم السادس عشر من نوفمبر للاحتفال باليوم العالمي للتسامح حتي تنشر هذا المبدأ في كل أنحاء العالم.. وكانت البداية هي ظهور إعلان مبادئ التسامح الذي صدر عن اليونسكو في 16 نوفمبر 1995 وأهم ما جاء فيه هو تعريف التسامح بأنه احترام، وقبول، وتقدير التنوع العالمي في الثقافات وفي طرق التعبير الإنساني، ويشمل ذلك الأخذ بالمعرفة، وسعة الأفق، والسعي نحو التواصل، وحرية الفكر، وحرية الضمير، وحرية العقيدة.. والتسامح هو التوافق مع الاحتفاظ بالاختلاف.. كما تشمل مواد الإعلان ما يخص التسامح علي مستوي الدول وهو يتطلب تشريعا وقوانين لا تعرف التحزب ولا الانحياز ويشمل فرصا اقتصادية واجتماعية متعادلة للجميع دون تفرقة.. ومن أهم جزئيات الإعلان أن «العزل والتهميش يقود إلي تكوين مشاعر عدائية متطرفة لدي هؤلاء المهمشين».. وتوجد بالإعلان مواد كثيرة تدعو إلي تفعيل حقوق الإنسان وتنمية الحريات واحترام الاختلاف بين الثقافات المحلية داخل البلد الواحد. وبالنظر إلي مصطلحات مثل «التسامح» وغيره من المصطلحات التي ترتبط بحقوق الإنسان نجد البعض ينظر إليها وكأنها من كماليات الحياة التي تخص طبقة المثقفين والمرفهين من البشر فقط.. ويراها البعض مصطلحات فلسفية لا تتعدي كونها أفكارا يعجز عن فهمها أو تطبيقها فقراء العالم وغير المتعلمين وأصحاب الحاجة الذين ينشغلون بالبحث عن أساسيات الحياة وضروراتها من مأكل وملبس.. ولكن الحقيقة غير ذلك.. فالتطور الذي جعل «الموبايل» ضرورة، والسيارة من أساسيات الحياة هو الذي يجعل بالأولي مصطلحات حقوق الإنسان والتسامح من أساسيات حياة الفقراء قبل الأغنياء ومن متطلبات حياة الطبقة المتوسطة وما دونها أكثر مما يطلبها المثقفون وأصحاب الطبقات العليا في المجتمع. والحقيقة أن الأكثر احتياجا للوعي بالتسامح كواجب وكحق هو الأقل تعليما والأقل إمكانيات والأفقر والأكثر تهميشا من غيرهم.. إذ إن كل هؤلاء معا يشكلون الغالبية العظمي من سكان الأرض ومن المجتمعات المختلفة، وإذا تعلم هؤلاء معني التسامح وآمنوا بقبول الآخر المختلف، وأصبحت تلك المفاهيم جزءا من ثقافتهم وعقيدة يؤمن بها المجتمع كله، سوف يختلف العالم تماما.. بل قد تختلف جغرافية العالم ويتحول مسار تاريخه.