لفظة "تسامح" Tolerance مشتقة من الكلمة اللاتينية Tolere أي يعاني أو يقاسي . ومن اللفظة اللاتينية Tolerantia وتعني لغوياً "التساهل" ، وعند علماء اللاهوت : الصفح عن مخالفة المرء لتعاليم الدين . ومن معانيه أنه سلوك شخص يتحمل الاعتداء علي حقوقه دون اعتراض ، في الوقت الذي يمكنه فيه الرد علي هذه الإساءة . كما يعني استعداد المرء لان يترك للآخر حرية التعبير عن رأيه حتي ولو كان خطأ أو مغايراً . وفي اللغة الانجليزية هناك مقابلان لكلمة تسامح، الأول Tolerance والثاني Toleration ، وهذا أدي إلي تعدد الاجتهادات في إبراز الفروق بينهما. ففي معجم "وبستر" تعني كلمة Toleration سياسة التسامح المتبعة مع كل الآراء الدينية وأشكال العبادة المناقضة أو المختلفة مع المعتقد السائد ، بينما تعني لفظة Tolerance استعداد المرء لتحمل معتقدات وممارسات وعادات تختلف عما يعتقد به(1). وقد حاول بعض الكتاب التمييز بين هذين اللفظين ، بما يتيح لهم تعيين الأوجه المختلفة للتسامح ، فاقترح "كريك" Crick كلمة Tolerance لوصف فعل التسامح نفسه ، وكلمة Toleration لوصف المبدأ المعلن والقائل بأن علي المرء أن يكون متسامحاً ، وقد لاحظ أن (Tolerance) وجدت أولاً من الناحية التاريخية قبل إن تصك كلمة (Toleration) يقول : "أن ما اعتقده هو أن Toleration تعني في الاستعمال العادي فعل ممارسة التسامح ، وأنه من السهل تمييزها عن مبدأ التسامح دون الاستعانة بأي تعبير آخر"(2). والواقع أنه بذلت محاولات عديدة لإرساء مبدأ التسامح منذ صدور مراسيم التسامح الرومانية للمسيحيين بين عامي (311-313م) أي منذ القرن الرابع الميلادي ، وإن كانت كلمة Tolerance قد ظهرت أولاً في كتابات الفلاسفة وعلي حواشي الفلسفة في القرن السابع عشر ، أو قل زمن الصراع بين البروتستانت والكنيسة الكاثوليكية . حيث نادي الفلاسفة أمثال "جان بودان" و"مونتيني" و "اسبينوزا" في "البحث اللاهوتي الفلسفي" ، و"روجر وليمز" في رسالتيه" العقيدة الدموية للاضطهاد بسبب الضمير" 1644 و"العقيدة الأكثر دموية" 1652 ، و"جون ميلتون" و "جون لوك" في كتابه "رسالة في التسامح" 1689 - 1692، وغيرهم، بضرورة التسامح بين المخالفين في الرأي والعقيدة ، وحق الاجتهاد، واتخاذ العقل ميزاناً وحكماً، وهو ما أدي إلي ميلاد الدولة المدنية ونهاية الدولة الدينية في أوروبا. وتبدو أولي مفارقات التسامح في كونه يولد دائماً في رحم التعصب الديني، ويتم استحضاره غالباً في فترات العنف والإرهاب ، وكأنه لابد من تعميده بالدم أولاً حتي تكتب له الحياة ! فقد أصدر الامبراطور "قسطنطين" في أوائل القرن الرابع الميلادي مراسيم التسامح والعفو عن المسيحيين بعد أن عانوا أشد أنواع الاضطهاد الديني(3) ثم اعتنق هو نفسه المسيحية بعد ذلك . واللافت للنظر أن الجهود التي بذلت من أجل إرساء مبدأ التسامح قبل ذلك التاريخ ، كان يقف وراءها رجال ليسوا مسيحيين من أمثال "تمستيوس" الذي وجه خطاباً إلي الإمبراطور "فالينس" حضه فيه علي إلغاء المراسيم التي أصدرها لاضطهاد مخالفيه من المسيحيين ، وشرح له نظرية جديدة للتسامح قال فيها : "إن سلطان الحكومة لا يستطيع أن يؤثر في معتقدات الإنسان الدينية ، وأن الرضوخ للحكومة في هذا الأمر لا ينتج إلا اعترافات يحدوها الرياء والنفاق ، وينبغي إفساح المجال لكل مذهب وأن من واجب الحكومة المدنية أن تحقق سعادة الأفراد جميعاً سواء من كانت معتقداته صحيحة أو غير صحيحة . إن الله نفسه ليبين لنا رغبته في أن يعبده الناس بوسائل شتي وإننا نستطيع الوصول إليه من ألف سبيل"(4) . الهوامش 13.1- Tinder (G) : Tolerance, Toward a New Civility, Amherst: Univ. Of Massachusetts Press, 1976, p. 3. 2 - بيتر نيكولسون : التسامح كمثال أخلاقي ، دار الساقي ? بيروت ، 1992 ، ص 28 ، نقلاً عن : محمود حميدة محمود : فلسفة التسامح ، دراسة تاريخية معاصرة ، دار الهاني للطباعة والنشر ، القاهرة 2000 . 3-. Birger A. Pearson & James E. Goehringm edit: The Roots of Egyptian Christianity, Philadelphia, 1986, pp. 207-232. 4- حسن حنفي : التسامح ، في الموسوعة الفلسفية العربية ، معهد الإنماء العربي ، ط1 ، بيروت 1988 ، ص 245 .