البهائيون يطرحون بهائيتهم كحركة إصلاحية تاريخية ، ويحتجون على معارضيهم بأنهم يلقون مقاومة كل جديد، ويقولون إن من يحاربونهم يحاربون على أهواء الغالبية، وإن المقاومة ناتجة عن جهل بالحقائق، وما إلى ذلك من كلام يحمل دلالات الاضطهاد والظلم والعسف، ويشتت النظر إلى حرائق صغيرة بعيدا عن الحريق الكبير، عن الحقيقة التى يدّعون امتلاكها. فلنحتكم لما يملكونه .. إلى الحقيقة عارية، كما تركها أولهم وفسرها آخرهم، وعلى سبيل المثال يعتقد البهائيون أن كتاب (الأقدس) الذى وضعه البهاء حسين ناسخ لجميع الكتب السماوية، وفى ذات الوقت يعتقدون أن جميع الكتب السماوية منزلة من الله سبحانه وتعالى، ويحثون اتباعهم من مختلف المعتقدات والخلفيات على دراسة هذه الكتب السماوية والتمعن فيها، فمن منهم يحل لنا مثلا هذه المعضلة التى صدّروها لنا : الأقدس نسخ ما قبله من كتب سماوية، لكن ما قبله صحيح لأنه موحى به ؟ والبهائيون المحدثون حاولوا إيجاد حل لهذه المعضلة فقالوا: إن كل عصر وله دينه بمعنى أنها ليست قضية أديان صحيحة وأديان باطلة، ولكن أديان على المودة، ومودة هذا العصر هى البهائية ؟ فما هو الجديد الذى جاءت به البهائية ؟.. هل جاءت بالحلول (أن تحل الروح فى حيوات متعددة وأجساد مختلفة)؟. سبقتهم إليها الفلسفات الصينية والهندية . فهل عساها جاءت بوحدة الوجود؟.. أيضا سبقتهم إليها تلك الفلسفات إذن فربما جاءت بوحدة اللاهوت والناسوت بمعنى أن الإله تجسد فى بشر ، وكان البهاء يضع على وجهه برقعا وقال عن نفسه فى كتابه (الأقدس): "من عرفنى فقد عرف المقصود، ومن توجه إلىّ فقد توجه للمعبود" وحتى هذه سبقهم إليها العقيدة المسيحية وإذا ما أنكر البهائيون هذه المسألة وقالوا إن دينهم يدعو إلى الإيمان بالله الواحد (الوحدانية) فليفسر لنا أحدهم ما هو مثبت على لسان البهاء، ومنشور فى كتبهم ومواقعهم الالكترونية لا يحتمل التأويل ولا يحتاج إلى تفسير وبهاؤهم نفسه يمنع عليهم تأويل كلماته، ويأمرهم بأخذ النص بظاهره. يقول البهاء فى ألواحه التى نزلت (كما يدعون) بعد كتاب (الأقدس): "قل موتوا بغيظكم، يا أهل النفاق، قد ظهر من لا يعزب عن علمه من شىء، وأتى من افتر به ثغر العرفان، وتزين به ملكوت البيان، وأقبل كل مقبل إلى الله مالك الأديان، وقام به كل قاعد وسرع كل سطيح إلى طور الإيقان. هذا يوم جعله الله نعمة للأبرار ونقمة للأشرار ورحمة للمقبلين وغضبا للمنكرين والمعرضين، إنه ظهر بسلطان من عنده وأنزل مالا يعادله شىء فى أرضه وسمائه، اتقوا الرحمن يا ملأ البيان ولا ترتكبوا ما ارتكبه أولوا الفرقان الذين ادعوا الإيمان فى الليالى والأيام، فلما أتى مالك الأنام أعرضوا وكفروا إلى أفتوا عليه بظلم ناح به أم الكتاب فى المآب، اذكروا ثم انظروا فى أعمالهم وأقوالهم ومراتبهم ومقاوماتهم وما ظهر منهم إذ تكلم مكلم الطور ونفخ فى الصور وانصعق من فى السموات والأرض إلا عدة أحرف الوجه، يا ملأ البيان ضعوا أوهامكم وظنونكم ثم انظروا بطرف الإنصاف إلى أفق الظهور وما ظهر من عنده ونزل من لدنه وما ورد عليه من أعدائه هو الذى قبل البلايا كلها لإظهار أمره وإعلاء كلمته، قد حبس مرة فى الطاء (طهران) وأخرى فى الميم (مازندران) ثم الطاء مرة أخرى لأمر الله فاطر السماء" ه. انظر ما يصف به البهاء نفسه: "مالك الأنام" و"أفق الظهور" من لا يعزب عن علمه من شىء" وما لا يعادله شىء فى أرضه وسمائه.. ومكلم الطور. فهل هذه صفات بشر أو نبى أو رسول ؟ حشا لله إنها صفات الله العلى القدير، فيها من الإطلاق ما لا يصح أن يوصف به بشر، وحين ينسبها البهاء لذاته فهو يقصد أن يلتبس الأمر على المتلقى فيسقط صفات القدرة عليه ويخرج بذلك من جبلة العابد إلى ذات الخالق المعبود. لقد سبقه الباب إلى هذه المعتقدات التى صدرت عن الوسط الحلولى الباطنى الذى تربيا فيه ، ومن طينته صنعا عقيدتهما، وعلى سبيل المثال فالشيعة يستخدمون مصطلح (النقطة الأولى) التى تشير إلى محور الكون أو حرف الباء فى البسملة، وهذا الوصف ذاته أطلقوه على الباب، كما أطلقوا عليه ألقابا من عينة: "حضرة الأعلى" و"الرب الأعلى" ومثل هذه الأوصاف التى كان كبار زعماء البهائية يفتتحون بها مكاتباتهم ورسائلهم، وكلها تخلط الحق والباطل عن عمد، ولا تضع حدودا بين الخالق والمخلوق ، وتفعل ذلك عن عمد، حيت تقرن النصوص البهائية المقدسة مشيئة الله القادر بمشيئة البهاء فيصدر الأمر من البهاء على أنه تشريع ربانى حين يقول فى كتابه (الأقدس) قد عفا البهاء على الناس صلاة الآيات إذا ظهرت". أو حين قول: "رفع البهاء صلاة الجماعة، وكتب على أتباعه الصلاة فرادى". ويمضى فى التشريع فيقول على لسانه: "لا صوم ولا صلاة على الحائض،ولهن أن يتوضأن ويسبحن خمسة وتسعين مرة من الزوال إلى الزوال". ويمضى هذا الخلط الذى لا يصدر إلا عن نفس مريضة تداخلت فيما الحدود وغاب التمييز، ففى النص التالى لا يمكن أن تميز صفات المتحدث صاحب النص الذى هو البهاء هل هو الله؟.. هل هو البهاء؟.. أو هوخلط متعمد. "إن أول ما كتب الله على العباد عرفان مشرق وحيه، ومطلع أمره الذى كان مقام نفسه فى عالم الأمر والخلق، من فاز به فقد فاز بكل الخير، والذى منع إنه من أهل الضلال ولو يأتى بكل الأعمال". أوحين يقول فى ذات أقدسه: "قد تكلم لسان قدرتى فى جبروت عظمتى، مخاطبا لبريتى البرية أن أعملوا حدودىحبا لجمالى" ويبلغ البهاء المدى حين يقرن بشكل صريح لا يحتمل التأويل أوالتخمين اسمه بصيغة التوحيد والتنزيه فيقول فى رسالة تسبيح وتهليل: "أشهد أنك كنت مقدسا عن الصفات ومنزها عن الأسماء إلا إله إلا أنت العلى الأبهى". أو يقول: "أشهد بما شهدت الأشياء والملأ الأعلى والجنة العليا وعن ورائها لسان العظمة من الأفق الأبهى أنك أنت الله لا إله إلا أنت". وإذا ما التبس الأمر عليك وساورك الشك أن البهاء يقصد الله فلتقرأ الكلمات التى جاءت بعد هذا النص السابق: "والذى ظهر أنه هو السر المكنون (البهاء) والرمز المخزون الذى به اقترن الكاف بركنه النون، أشهد أنه هو المسطور من القلم الأعلى، والمذكور فى كتب الله رب العرش والثرى"ه. وحين يقول البهاء: "اقترن الكاف بركنه النون" فتصير الكلمة (كن) التى ترمز إلى فعل الخلق، فهو لا يقصد إلا نفسه وخلقه الذى ظهر به السر المكنون والرمزم المخزون، وحيثن يتحدث بصيغة الفاعل (أشهد) فهو أيضا لا يقصد إلا نفسه فهو الفاعل والمفعول، وهو الصانع والصنعة، أو كما وصف هونفسه بالأصل القديم والذى عنه تتفرع الأغصان، كما صرح فقال: "كلكم أغصان شجرة واحدة وأوراق غصن واحد" بل لقد ذهب البهاء إلى أبعد من هذا فى النص التالى من ألواحه (باب دوم اللوح الأول)، حين قال: "سبحانك اللهم أسألك بالذى أظهرته وجعلت ظهوره نفس ظهورك وبطونه نفس بطونك، وبأوليته حققق أوليتك وبآخريته ثبت آخريتك، وبقدرته وسلطانه شهد كل ذى قدرة باقتدارك، وبعظمته شهد كل ذى عظمة بعظمتك وكبرايائك وبقيوميته عرف قيوميتك وإحاطتك وبمشيئته ظهرت مشيئتك،وبوجهه لاح وجهك وبأمره ظهر أمرك، وبآياته ملئت الآفاق من بدائع آيات سلطنتك، والسماء من ظهورات آيات عز أحديتك والبحار من لآلئ قدس عملك وحكمتك وزينت الأشجار بأثمار معرفتك، وبه سبحك كل شىء وتوجه كل الأشياء إلى شطر رحمانيتك، وأقبل كل الوجوه إلى بوارق أنوار وجهك، وكل النفوس إلى ظهورات عز أحديتك وما أعلى قدرتك وما أعلى عظمتك وما أعلى كبريائك الذى ظهر منه وأعطيته بجودك وكرمك، فيا إلهى أشهد بأنه به ظهرت آياتك الكبرى وسبقت رحمتك الأشياء، ولولاه ما هدرت الورقاء وما غنى عندليب الثناء فى جبروت القضاء" ه. وعد إلى النص وعدد فيه الصفات التى قرن فيها البهاء ذاته بذات الله وانظر ماهية هذه الصفات.. فحين يقول البهاء: "سبحانك اللهم أسألك بالذى أظهرته" فهوا لمعنى بهذا الظهور ثم يجعل ظهوره نفس ظهور الله،وبطونه (يقصد اختفاءه) نفس بطون الله (استغفر الله العظيم) وهكذا يمضى على هذا المنوال فينسب لذاته أنه حقق أولية الله وأثبت آخريته (يقصد أبدية الله) وقدرته وسلطانه وعظمته وكبرياءه وقيوميته وإحاطته ومشيئته، يعنى لولا البهاء ما ظهر هذا لله وما تحقق، وبأوليته حقق أوليتك أى جعلها حقيقة، وهل كانت قبل البهاء غير ذلك؟.. ويمضى النص على هذا المنوال يذكرنا بلعبة الحلاج وباقاى الحلوليين، فحين قال الحلاج:"ما تحت الجبة إلا الله" وكان يعتصم بالتأويل فلا يضبطه أحد بقوله، فإذا سأله: تقصد أنك أنت الله؟.. فيقول: بل أنا مظهر لخلقه، وتجل لذاته.. وجاء من بعد الحلاج بمئات السنين من تبنى نفس الأفكار وافتتن بها فضل وأضل بعض خلق الله الذين تبنوا ساجذ قوله، فهوحين يقول فى حديثه البهائى "الحق يا مخلوقاتى أنكم أنا" فهو يمضى على نفس الدرب الحلولى الباطنى الذى لابد أن يقود إلى الكفر والضلال. وهل هناك تصريح بالكفر والضلال وإسقاط صفة الوحدانية التى لا تقبل الانقسام، أوضح من الآتى على لسان البهاء فى الألواح "يا منزل البيان فما أحلى ذكرك نفسى وذكرى نفسك، أنت الذى اكتفيت بنفسك عن أنفس الخلائق كلها، أنت الذى أردت فى ذكرك نفسى وأنا الذى ما أردت فى ذكرى إلا نفسك".. ماذا يريد أن يقول البهاء؟.. إنه يفرد الله عن الخلائق ثم يقرن ذاته به، لقد حل فيه (حاشا لله) واجتمع فيه وهو ناسوته ومظهر تجليه، وللحقيقة فقد سبقه الباب إلى هذه الأفكار، بل تكاد تكون معتقدات الشيرازى أولا أنه الباب إلى المهدى المنتظر نفسه، ثم أعلن أنه نبى، ولم يلبث طويلا أن ادعى الربوبية، وهذا ما تصرح به كتب البهائيين مثل كتاب "الدليل والإرشاد فى لقاء رب العباد" وقد ورد فيه ص 124: "لقد رأى الرسول الرب سبحانه وتعالى متجليا فى حضرة على محمد الباب". وجاء فىصفحة 122: "فالله جل جلاله يتجلى لعباده مرتين فى هذه الدورة: فأولا بحضرة مظهر الربوبية والمبشر الأعظم بحضرة بهاء الله السيد علىمحمد الباب، ثم بجمال القدم حضرة بهاء الله الذى هو المقصود الأول". وللحديث بقية