برلماني يتهم الحكومة بعدم تحصيل المديونات المستحقة لها بالحساب الختامي للموازنة العامة    الأورجانك ب180 جنيها.. أسعار البيض اليوم في مطروح    بنك saib يحصد جائزة «Most Active Marketing Campaigns 2023» خلال منتدى ماستركارد    عاجل| حزب الله: استهدفنا 4 مبان يستخدمها جنود الاحتلال بعدة مستوطنات إسرائيلية    حزب الله يعلن استهداف مبنيين يستخدمهما الجيش الإسرائيلي في "أفيفيم" شمالي إسرائيل    اعتزال اللعب الدولي؟ مفاجأة حول انضمام محمد صلاح لمعسكر منتخب مصر يونيو المقبل    وصول الفنانة نسرين طافش لمحكمة أكتوبر لنظر استئناف في حكم حبسها    بتعبر المزلقان.. تفاصيل مصرع سيدة صدمها قطار في البدرشين    رغم تسجيلها بالشهر العقاري.. شاعر يتهم هاني شاكر بسرقة أغنية رحماكي    الجريدة الرسمية تنشر قرار إنشاء ميناء سياحي دولي بمدينة رأس الحكمة    الرابع في تاريخ النادي.. بالمر يحصل على جائزتين لأفضل لاعب في الموسم بتشيلسي    بنك مصر يحصد 5 جوائز من مجلة ذا يوربيان البريطانية لعام 2024    وزيرة البيئة تستعرض دور الهيدروجين الأخضر في التنمية المستدامة    مجلس النواب يستكمل مناقشات الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة 2022 /2023    النواب يستكمل مناقشه تقرير لجنة الخطة والموازنة    بدء تنفيذ أعمال مبادرة "شجرها" بسكن مصر في العبور الجديدة    روسيا تستأنف هجماتها على محطات وشبكات الطاقة بأوكرانيا    رئيس جامعة القاهرة ينعى الدكتور إبراهيم درويش أستاذ العلوم السياسية    طلاب الصف الأول الإعدادي بالجيزة: امتحان اللغة العربية سهل (فيديو)    "المدرج نضف".. ميدو يكشف كواليس عودة الجماهير ويوجه رسالة نارية    اليوم، الحركة المدنية تناقش مخاوف تدشين اتحاد القبائل العربية    سحر فوزي رئيسا.. البرلمان يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة.. يتألف من 13 عضوا.. وهذه تفاصيل المواد المنظمة    "أخوه ضربني".. مسجل خطر يقتل ميكانيكي في المنوفية    حبس ربة منزل عام لاتهامها بقتل نجلة شقيق زوجها في مشاجرة بينهما بالقليوبية    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    الأسهم الأوروبية ترتفع لأعلى مستوياتها في أكثر من شهر مدعومة بقطاع الأغذية    ياسمين عبد العزيز: «بنتي سندريلا وبترجع البيت الساعة 12»    مهرجان المسرح العالمي يحمل اسم الفنان أشرف عبد الغفور في دورته الثالثة    عبير فؤاد تحذر مواليد 5 أبراج.. ماذا سيحدث لهم في شهر مايو؟    في ذكرى وفاة فارس السينما المصرية.. الأدوار البارزة في حياة أحمد مظهر    فرقة قصر ثقافة طنطا تفتح بوابة سحرية ل"تمارة" بطنطا    علي جمعة: الرضا والتسليم يدخل القلب على 3 مراحل    «أسترازينيكا» تسحب لقاحها ضد كورونا.. ما علاقة رئيسة المفوضية الأوروبية واتهامها بالفساد؟    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    "لابد من وقفة".. متحدث الزمالك يكشف مفاجأة كارثية بشأن إيقاف القيد    زعيم كوريا الشمالية يرسل رسالة تهنئة إلى بوتين    مرصد الأزهر :السوشيال ميديا سلاح الدواعش والتنظيمات المتطرفة    صحة مطروح تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة وادى ماجد غرب مطروح اليوم    "لم يسبق التعامل بها".. بيان من نادي الكرخ بشأن عقوبة صالح جمعة    "تجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل".. بين العدوان المباشر والتهديد الغير مباشر    مواد البناء: أكثر من 20 ألف جنيه تراجعًا بأسعار الحديد و200 جنيه للأسمنت    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    «القاهرة الإخبارية»: إصابة شخصين في غارة إسرائيلية غرب رفح الفلسطينية    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    اليوم العالمي للمتاحف، قطاع الفنون التشكيلة يعلن فتح أبواب متاحفه بالمجان    تقرير: مشرعون أمريكيون يعدون مشروع قانون لمعاقبة مسئولي المحكمة الجنائية الدولية    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    نتائج التحقيقات الأولية فى مقتل رجل أعمال كندى بالإسكندرية، وقرارات عاجلة من النيابة    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    تتخلص من ابنها في نهر مليء بالتماسيح.. اعرف التفاصيل    "المحظورات في الحج".. دليل لحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج 2024    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    "كفارة اليمين الغموس".. بين الكبيرة والتوبة الصادقة    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما فعله العيّان بالميّت" بلال فضل"
نشر في مصر الجديدة يوم 28 - 10 - 2010

مع شنطة هدومي، ورفيق الكفاح -ساندوتش الفول والطعمية الذي أعتبره أخلص صديق هذه الأيام- وزجاجة عصير المانجو التي أفضلها، خاصة في الحر، كنت أركب السيارة التي توشك على حملي بعيدًا عن -حبي الأول- إلى القاهرة التي مازلت –وسوف أظل!- أرهبها، بعد يومين إجازة لم يكفيان إلا لتذكيري بأنني أنخلع تدريجيًا –ودون إرادة مني!- من الأرض التي عشقتها، في إستجابة رعناء لندّاهة القاهرة، التي أخشى ما أخشاه، أن تستدرجني إلى مكان مقطوع، ثم تطعنّي في قلبي بلا رحمة!!
ومع الرغبة في الخروج من دوامة الأفكار المعتادة عن المصير والمستقبل وكل هذه التسالي الفكرية الهيولية الأزلية، والتسامي على قفزات الجَمَل الذي أركبه، وهوايته المحببة في أخذ جميع المطبات بالأحضان، أخرجتُ "ما فعله العيّان بالميّت" لبلال فضل من شنطتي، فلم أكن قد قرأتها بعد، رغم صدور طبعتها الثالثة عن دار الشروق.
كنت أسعى لقراءة بضع صفحات، على أن أؤجل الباقي لحين وصولي المحروسة، لكن ما حدث بعد قراءتي بضعة أسطر فقط، كان شيئا لا يصدق!
فقد سحبني الكتاب من يدي ورجلي وعقلي، وراح يطوف بي بين جنابته، لأكتشف بلال فضل بشكل جديد! ولم يتركني إلا وقد أتيت عليه كله، وأنتقلت شحنته الكهربية إلى قلبي، فأصبحتُ عاجزًا عن التصرف، لا أدري ماذا ينبغي عليَّ أن افعل الآن!!
هل أُخرج رأسي من السيارة وأهتف ضد الظلم والطغيان؟!
أم أندفع في نوبة ضحك هستيري لا تنقطع؟!
أم أبكي أشد البكاء بلا نية في التوقف؟!
أم أُسلم رأسي المتخم لنوم ثقيل يعفيني من التفكير في هذا الذي قرأت؟!!
فإن كنتُ قد تعودت مقالات بلال فضل الساخرة، وألفت أسلوبها اللاذع الموجع، فإنني قبلاً لم أقرأ له "القصة السياسية" وهي تلك القصة التي تحتذي قواعد القصة المعروفة، من حبكة وتكثيف وفلاش باك وحوار وصراع، وصولاً إلى لحظة تنوير، ومع ذلك فإن مضمونها كله يقع في منطقة الأسلاك الشائكة!
ببراعة وخفة ودون السقوط في شرك الخطابية والصوت العالي، ومن خلال الرمز والهمس واللمز، يقدم بلال فضل منشوراته السياسية، التي ترتدي ثوب القصة القصيرة، فيليق عليها ويبدو كأنه فُصِّل خصيصًا من أجلها!
يفتح جميع الأبواب، فإذا بها مفضية إلى بعضها بعضًا، العام إلى الخاص، والجنسي إلى السياسي، والقومي إلى الشخصي، والديني إلى الاجتماعي، ليقدم لك في النهاية وجبة مصرية خالصة، بالشطة والليمون، ممزوجة بنشيج الغلابة وآهات المظلومين وأحلام البسطاء المطحونين!
تنتمي المجموعة في أغلب قصصها إلى تيار الواقعية السحرية، الذي برز فيه أدباء أمريكا اللاتينية، وتمثله لدينا ألف ليلة وليلة، وأتقنه فؤاد قنديل، حيث التعامل مع الأمور الغرائبية وغير المنطقية وكأنها شيء عادي ومألوف ومتاح، لتأكيد غرائبية الواقع ولا منطقيته، وجنوحه إلى الخروج على المألوف!
وبلال فضل -في هذه المجموعة- يستكمل مشروعه الكبير في نقد المجتمع المصري، عيوبه وحكامه ونواقصه ورزاياه، لإيقاظه وإفاقته وجعله يحس على دمه! بنفس الأسلوب الساخر المميز، لكن باستخدام سحر القصة القصيرة هذه المرة، ومن خلال تكثيف درامي غير مسبوق، وابتكارية فكرية لا حد لها!
فيقدم الصراع المرير بين "الكبار" و"المهمشين"، أو بين "فتوات الحارة " وأبنائها البسطاء الذين لا يريدون أكثر من قوت يومهم والسلام، كما فعل نجيب محفوظ في أولاد حارتنا، ولكن بطل بلال فضل هو المواطن البسيط المهمش الذي يزيده الظلم إستسلاما وخضوعا، ويضطر في كل مرة للتواضع في أحلامه أكثر، حتى يصبح عالمه كله نسيا منسيًا!
وهو يستخدم لغة جريئة ومقتحمة، "خارجة" في بعض الأحيان، لكنها "داخلة" في نسيج الشعب المصري، مستلهمة الواقع ولا شيء إلا الواقع، وساعية للكشف عن البيئة والسمات النفسية التي تميز الشخصية.
ورغم أن بلال فضل نصب فخًا في بداية المجموعة، بقصته الرومانسية الرقيقة "زبادي التي حال بيني وبينها الشات"، وجعلني أتصور أن المجموعة سوف تحوي المزيد من هذه النغمات العذبة، التي تُروّح عن النفس، وتداعب الوجدان، ففاجئني أن خطها كله سياسي وثورجي، إلا أنني لم أخسر أبدًا، بل إزددت ثراء، وإزددت وعيًا بتفاصيل كثيرة، من خلال لغة سرد غنية بالدلالات، مبكية مضحكة في أحيان كثيرة، كاشفة ومستترة في أحيان أكثر
كل قصة من قصص المجموعة، حدث في حد ذاته، قطعة جوهر لا تقدر، يحتاج المرء لكثير من الكلمات والصفحات للتعبير عنها، وفك دلالتها المشحونة!
ورغم أنه يمكن تلخيصها، وبيان الخطوط الرئيسية لها، فإن هذا يُعد أكبر ظلم يمكن أن يمارسه إنسان مع عمل فني بهذه القيمة!
فقصص المجموعة تبقى في حاجة إلى معاينة مباشرة من كل قارئ، لتتفاعل معه وجهًا لوجه، تأخذ منه وتعطيه، وتفضفض إليه بسرها المكنون.
فقط أنصح، أن يتم إلتهام المجموعة مرة واحدة، بلا فواصل إعلانية، ولا مقاطعات لا لزوم لها، حتى يتم التعرض لأكبر قدر ممكن من وهجها وتعاويذها السحرية، وبالتالي فك مغاليقها والوصول لقلبها من أول مرة.
لكن ليكن في علمك -وأنت تقدم على مغامرة قراءة هذا الكتاب- أنك وإن كنت على وشك الضحك، فسوف تبكي أيضًا، وإن كنت على وشك معرفة المزيد عن هذا البلد وما يجري فيه، مع حكايات الناس اللي فوق قوي والناس اللي تحت قوي قوي، فأنت كذلك سوف تصبح مسئولاً عن كل ما عرفت، وعليك يقع عبء التدبير والتفكير، لعل الله سبحانه وتعالى، يختارك لتكون ممن يغيّرون هذا الواقع المرير، ويتقدمون بنا خطوة للأمام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.