لم يغب جمال عبدالناصر عن بالي ولا عن خاطري, طوال مدة الساعتين اللتين أمضيتهما مع جمهور متعدد الجنسيات, بانتظار إلقاء نظرة علي جثمان الزعيم الصيني ماو تسي تونج المسجي منذ عام1977 في نصب تذكاري يحمل اسمه بساحة تيان آن مين الشهيرة, وسط العاصمة الصينية, بكين. في المرات الست السابقة التي زرت فيها الصين لم تتح لي الفرصة لدخول النصب التذكاري من الداخل, وفي المرة السابعة والأخيرة جري إيقاظي من النوم في الصباح الباكر حتي أجد لي مكانا ضمن الصفوف, التي تقدر بعشرات الآلاف يوميا, وتكاد تمتلئ بهم ساحة تيان آن مين أملا في إلقاء نظرة علي الجثمان. كم هو الفرق في طريقة تعاملنا مع من أحببناهم بصدق, مقارنة بتعامل غيرنا مع زعمائهم, كيف يبنون لهم النصب التذكارية لتخليد ذكراهم مع إجراء التنظيم المحكم لقيام الجماهير الغفيرة بإلقاء نظرة احترام علي مزاراتهم. في صباح يوم العاشر من نوفمبر عام2009, تصادف أنني كنت في اسطنبول, وقتها دقت الأجراس في جميع أنحاء تركيا, ووقف الجميع دقيقة احتراما لمرور71 عاما علي رحيل الزعيم كمال أتاتورك. في رأيي, علي قدر ما حظي به جمال عبدالناصر من شعبية وشهرة, وقد وصل الافتتان به إلي الذروة في مشهد جنازته المليونية المهيبة, التي كنت واحدا ممن ساروا فيها, منذ40 عاما. أقول, علي القدر نفسه, جاء حظ جمال عبدالناصر محدودا وقليلا للغاية في إرساء المظاهر اللائقة لتكريمه وتخليد ذكراه من جانب مريديه ومحبيه. هنا تكفي إطلالة عابرة للمقارنة بين ما رأيته بنفسي في باحة النصب التذكاري للزعيم ماو تسي تونج صبيحة يوم ما منذ نحو شهر, وبين ما شاهدته بعيني بالأمس القريب في ضاحية منشية البكري بالقاهرة, حيث جري الاحتفال بمرور40 عاما علي رحيل جمال عبدالناصر. عشية ذهابي إلي ضريح جمال عبدالناصر بمنشية البكري كنت قرأت مقالا بعنوان جمال عبدالناصر في كراكاس, للأستاذ محمود مراد, نشرته الزميلة نصف الدنيا, وقد عبر الكاتب في مقالته عن دهشته واستغرابه لما بدا من إهمال لطلبين تقدمت بهما حكومتا كوبا وفنزويلا, أملا في تصميم وإرسال تمثالين مناسبين لجمال عبدالناصر بغية وضعهما في أكبر ميدان وحديقة بالعاصمتين كاراكاس وهافانا!! لم يقم المزار اللائق, ولم يصمم التمثال, ويبقي جمال عبدالناصر في قلوب الملايين.