إذا كانت آمال فاروق حسنى فى تطلعه لمقعد اليونسكو قد انتعشت بعد انتصاره فى الجولة الانتخابية الأولى الخميس الماضى محققا 22 صوتا ، وبغض النظر عن نتائج الجولات المتبقية لحسم المعركة التى تسانده فبها المجموعة العربية بينما يناوئه ويبتزه أو بمعنى أدق يناوىء ويبتز مصر اليهود والولايات المتحدة فيجب أن نطرح رفضنا وملاحاظاتنا العديدة على فاروق حسنى الآن وننظر إلى المستقبل بعين العقل لنستطلع القادم كما يفعل العقلاء فى أى مكان نت العالم . وإذا كان من حق فاروق حسنى، بشخصه وصفته ، أن يحلم بإدارة اليونسكو، وأن يبذل كل الجهود المشروعة للوصول إليها، ومن حق الدولة المصرية، وواجبها، أن تساند الرجل، وأن تنفق من الخزينة العامة للدولة، وتسخر الدبلوماسية المصرية لتحقيق هذا الهدف ، فذلك مشروع ولاغبار عليه، بشرط واحد : أن يكون لذلك عائد ومردود عام على مصر وشعبها ومصالحها، مردود حقيقى يستحق الثمن المدفوع فيه ! وإذا كنا نطلب المؤازرة العربية، فينبغى أن يستفيد إخواننا العرب كذلك من وصول حسنى للمنصب، باعتباره مواطنا مصريا عربيا يمكنه خدمة أمته ووطنه من ذلك المنبر الدولى. كذلك ينبغى أن يكون الثمن الذى يدفعه حسنى، وندفعه معه، عادلا، ومشروعا، ولا يمس حقوق الفلسطينيين ولا قضيتهم، ولا يمس الثوابت الشعبية المصرية فى تحريم التطبيع مع العدو الصهيونى، فقضية كبرى كتلك لا تصلح ثمنا لأى مجد شخصى يسعى إليه حسنى أو غيره، ولا يساويها أن يجلس حسنى أو غيره فى كرسى إدارة اليونسكو، ولا يصح أن يزج بها فى معارك من هذا النوع! فى هذا الإطار العملى والمبدئى ينبغى التعامل مع قضية فاروق حسنى واليونيسكو الآن ، بعيدا عن الشعارات المعتادة، والمواقف الشخصية من الرجل، وفى هذا الإطار نطرح السؤال المشروع : إذا كان فاروق حسنى قد "اضطر" للتطبيع ليصل لليونسكو، كما يقول مؤيدوه، فهل سوف يستطيع حين يصل للمنصب أن يحمى الآثار والمقدسات الإسلامية والمسيحية فى فلسطين من العدوان الإسرائيلى المستمر، وأن يوقف مخططات التهويد ومسخ الهوية العربية الإسلامية للقدس؟ توجهنا بهذ السؤال لخبراء القانون الدولى، باعتبارهم الأقدر على فهم طبيعة اليونسكو وآليات العمل بها، وتأثرها بالسياسات الدولية والوضع الدولى الراهن. والبداية كانت مع د. عبد الله الأشعل (المساعد السابق لوزير الخارجية)، الذى أكد أن عمل مدير عام اليونسكو هو عمل ثقافى فنى بالأساس، ولكنه محكوم باعتبارات سياسية، وتاريخيا لم يعين عربى أو مسلم فى منصب دولى مهم إلا بموافقة إسرائيل، فهل يخاطر فاروق حسنى بالكلام فى موضوع القدس قبل تعيينه أو بعده ؟ .. وبالنسبة لحسنى فسوف تكون "العين عليه" لأنه مصرى، ولموافقه السابقة الرافضة للتطبيع، وسوف تعمل إسرائيل على تطويعه داخل المنظمة، وفى النهاية لن يستطيع أن يحقق شيئا لقضية القدس، وإن كان المنصب يسمح بذلك، فالولايات المتحدة وإسرائيل لن تسمحا بذلك مطلقا! وفى النهاية يؤكد الأشعل أن مصر لن تستفيد شيئا من ترشيح حسنى أو غيره للمنصب، فهو منصب شرفى شكلى ولا يستحق الثمن الذى يدفعه فاروق حسنى فيه! ويتفق الدكتور على الغتيت (نائب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي) مع الرؤية السابقة، ويؤكد أن القانون يعطى لأصحاب المقدسات فى فلسطين الحق فى دفع الاعتداء عنها، وأن الأمر بيد العرب، لا بيد فاروق حسنى الذى لا يعطيه القانون الدولى الحق فى دفع العدوان عن القدس، وإذا كان أصحاب الآثار والمقدسات يقفون عاجزين عن حمايتها، فماذا يمكن لحسنى أو غيره أن يفعل؟! ويضيف الغتيت: حبنا للزهو وتضخيم الذات هو ما يدفعنا لخوض تلك المعركة التى لا تستحق، وسواء وصل حسنى أم لم يصل، فالأمر فى النهاية خاضع للمواءمات السياسية التى تدور فى كواليس المنظمة، وهى غالبا ليست فى صالحنا.. صلاح عبد المقصود (عضو مجلس إدارة مؤسسة القدس الدولية)، اتفق مع الخبيرين القانونيين، وأعرب عن شكه فى قدرة حسنى على خدمة قضية القدس، لأنها لا يخدمها الآن، ولأن المهيمنين على المنظمة الدولية لن يسمحوا له بذلك إن أراد، ولدينا مثل واضح فى الدكتور البرادعى، والذى احتل منصبا أهم من منصب مدير اليونسكو، ولم يستطع أن يفعل شيئا للعراق، بل ساهم بشكل غير مباشر فى تدميرها! المنصب لا يستحق كل هذا، وكان الأولى فى دولة فقيرة كمصر كما يرى عبد المقصود أن توفر الأموال التى صرفت من أجل المنصب، وأن توجه لمن يستحقها من المصريين الفقراء. على المستوى الفلسطينى، دعا المناضل الفسطينى عبد القادر ياسين إلى رد القضية إلى إطارها الأكبر والأشمل، وهو غياب الإرادة السياسية العربية، مع هذا الغياب لن يستطيع حسنى أن يفعل شيئا إن أراد! بالطبع كانت هناك وجهة نظر مختلفة، فمع تسليمه بأن الأوضاع الدولية لا تسمح لفاروق حسنى بأى إنجاز على صعيد قضية القدس، يرى الدكتور عادل خير (أستاذ القانون الدولي) أن وصول فاروق حسنى لليونسكو سيجعل لمصر صوتا فى المنظمة، وقناة نستطيع من خلالها الإدلاء بآرائنا ومقترحاتنا، وإن لم تنفذ، أما عن تصريحات حسنى عن التطبيع فهى كما يقول خير حالة وقتية ليصل للمنصب! وجهة النظر هذه هى وجهة النظر الرسمية، للأسف، وهى التى تحكم المسألة حاليا، وهناك وجهة نظر ثالثة، يساند أصحابها ترشيح فاروق حسنى بقوة، فهم ببساطة يرون أن الأمر يستحق ما أنفق فيه، فإن كان فاروق حسنى يستحق اليونسكو فمصر تستحق وزيرا للثقافة يصلح ما أفسده حسنى طوال عقدين من الزمان!