قبل أسابيع قامت الدنيا ضد ميشيل أوباما، السيدة الأولى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وواجهت أزمة كبيرة مع الرأى العام بسبب رحلة قامت بها إلى إسبانيا لقضاء إجازة استخدمت فيها طائرة الرئاسة. وكان السبب أنها قامت برحلة مع إحدى ابنتيها إلى إسبانيا على طائرة الرئيس، التى تسمى air force one، وهى طائرة يتحمل دافع الضرائب الأمريكى تكلفتها لنقل الرئيس فقط، أو الرئيس وأسرته فى المهام والزيارات الرسمية التى تتطلب بوضوح اصطحاب الرئيس لقرينته. ثار جدل كبير وقتها حول تكلفة الرحلة، ومَنْ مِن المفترض أن يتحملها، خاصة أن ساعة الطيران الواحدة، بهذه الطائرة، تتكلف 11 ألف دولار، ورغم ما قيل وقتها بأن ميشيل أوباما دفعت ثمن تذكرتها وتذكرة ابنتها بسعر السفر على الدرجة الأولى، فإن الحديث تواصل حول تكلفة تأمين الزيارة، وتكلفة الحراسة المكثفة من معيشة وانتقالات، ووقتها كان السؤال الموجه لأوباما بوضوح: لماذا سافرت ميشيل؟ وما مبرر قضاء إجازتها فى إسبانيا بالتحديد، وليس أى ولاية أمريكية، ولماذا تتحمل الخزانة العامة ودافعو الضرائب فاتورة إجازة زوجة أوباما وابنته. يوجد هناك احترام ل«دافع الضرائب» ومحاسبة قاسية لأى مسؤول، مهما علا شأنه، إذا ما أضر بأموال دافع الضرائب أو استخدمها فى غير ما هو مخصص لها، وشفافية واضحة فى إعلان أسباب الزيارات وتكلفتها، وكونجرس قوى يراقب كل ذلك، ورأى عام يراقب الجميع، وتلك ثقافة ليست بعيدة عنا على الإطلاق، والالتزام بها ليس خيالاً ولا رفاهية، فهى جزء أصيل من تكويننا الدينى والثقافى، ومسألة ليست بعيدة عن تاريخنا، يكفى أن تعرف أن فى وقت من الأوقات كانت لدينا حكومات تعترض على تصرفات الملك، وتعترض على تكاليف إصلاح يخته، وتحاسبه على ما ينفق، وتجبره على اللجوء للبرلمان للحصول على مخصصات جديدة، لم تكن تلك تجربة نموذجية قطعاً، لكنها كانت «لبنة» يمكن البناء عليها لآفاق جديدة بدلاً من العودة عنها لعصور سحيقة. هناك تحاسب ميشيل أوباما على إجازة - ويسألون لماذا ومن سيدفع، وهنا لا أحد يجد إجابة لسؤال مماثل لماذا ذهب جمال مبارك إلى واشنطن؟ ومن دفع تكاليف سفره وإقامته وإعاشته، وتكاليف تأمينه وحراسته؟ وعندما تلح فى السؤال يخرج عليك المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، سليمان عواد، بتفسير لا يخاطب عقلك ولا يحترمه، ليقول: «جمال مبارك يرافق والده فقط فى هذه الرحلة، ولم يقم بأى مباحثات، ولم يذهب إلى البيت الأبيض وهو ابن بار بوالده».. إذن فالرجل ذهب إلى واشنطن فقط لأنه ابن «بار»، وكأن سليمان عواد يقول ضمناً إن «علاء مبارك» ليس باراً بوالده لأنه لم يرافقه فى الزيارة. لا أحد يحترم عقلك ولا حقك فى الحصول على المعلومات، والاطمئنان على نزاهة واستقامة استغلال أموالك باعتبارك دافعاً للضرائب، والمسافة بين زيارة ميشيل لإسبانيا، وزيارة جمال لواشنطن تمثل الفجوة الحقيقية بين مجتمعين، وهى فجوة باتساع المسافة بين واشنطن ومدريد، وكان جمال مبارك، ومازال هو وأنصاره فى الفكر الجديد، يطرحون أنفسهم باعتبارهم سيردمون هذه الفجوة، والحقيقة أنهم أحد أسباب تفاقمها واتساعها..!