التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم ويتعين تقديم مرتكبيها للمحاكمة، طال الزمن أو قصر، وقد أحسنت صحيفة «الشروق» صنعاً حين قامت يوم الجمعة الماضى بإعادة نشر بيان، فى صورة بلاغ، كان الشاعر الثائر «محمد عفيفى مطر» قد كتبه عام 1991، ووصف فيه بدقة وقائع تعذيب بشع تعرض له أثناء اعتقاله فى العام نفسه دون سبب معلوم. ومن المفارقات أننى طالعت البيان المعاد نشره فى «الشروق» وأنا فى الطريق إلى الإسكندرية للمشاركة فى وقفة تنظمها جمعية التغيير بمناسبة ذكرى الأربعين لشهيد التعذيب خالد سعيد. وإليكم فقرات موجعة من البلاغ: «فى الثانية والنصف بعد منتصف الليل، فجر الثانى من شهر مارس 1991، اقتحمت بيتى وغرفة نومى قوة مسلحة بالرشاشات والعصى والدروع.. وقامت بتفتيش مسكنى وكتبى وأوراقى دون إذن من النيابة.. ثم اقتادتنى إلى قسم بوليس شبين الكوم ومكثت فيه حتى منتصف نهار يوم 2/3/1991، وبعد ذلك وضعت فى عربة ترحيلات، دون أن أعرف وجهتى، وتم تسليمى إلى المسؤولين فى مباحث أمن الدولة بميدان لاظوغلى، حيث بدأت على الفور إجراءات وممارسات التعذيب ضدى.. بأساليب شملت: 1- وضع قيود معدنية حديثة تضيق حول الرسغين كلما تحركت اليد، مما يحيل اليدين والذراعين والكتفين إلى كتلة متداخلة من ألم التنميل وخدر الأعصاب. 2- ربط عينى وأذنى برباط ضاغط كثيف لا يرفع أبدا ولا يعدل وضعه، مما أدى إلى تجمع الصديد وتحجره تحت الجفنين حتى امتلآ بما يشبه أسنان الزجاج المهشمة. 3- إرغامى على تناول عقار لا أعرفه.. كان يحدث لى بسببه اضطراب شديد وهلوسة بصرية وسمعية، أفقد فيها الوعى بمعايير وقيم الزمان والمكان. 4- تعليقى كالذبيحة لمدد طويلة من يدى المقيدتين بالقيود الحديدية ووضع رباط يعصر قدمى معا فلا أستطيع الاعتماد عليهما فى الوقوف أو الحركة، مما يجعل ثقل جسمى كله مرتكزا على الرسغين المشبوكين فى شىء مرتفع لا أعرفه، مع ضربى بالعصى وغيرها من أدوات الضرب.. وتهديد بمحاولة إدخال العصى بين فخذى. 5- إدخال يدى الاثنتين فى جهاز للصعق بالتيار الكهربائى، مما جعلنى أعوى كالذئب الجريح ساعات طويلة وأتخبط محترقا بالألم والظمأ وانتفاضات التيار الكهربائى. 6- خلع ملابسى والوقوف عاريا أمام تيارات هواء باردة، قارصة الوخز حتى الإغماء. 7- التعرض لعدد كبير من وجبات الضرب الشامل.. مما ترك جسدى كله ملوثا بالدماء. 8- التعرض لفترات طويلة من التجويع والحرمان من مقومات الحياة. لقد استمرت هذه الباقة الغنية من ألوان التعذيب لمدة عشرة أيام متواصلة انتهت فى 12/3، تم بعدها ترحيل شاعرنا العظيم إلى «استقبال معتقل طرة» إلى أن أفرج عنه فى 12/5. وخلال هذه المدة لم يقف الرجل لحظة واحدة أمام النيابة أو سلطات اتهام وتحقيق، أو توجه له تهمة، أو يسمع له دفاع. فمن يحاسب نظام مبارك على هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.. وهل تم التحقيق فى البلاغ المقدم من شاعرنا الشجاع منذ حوالى عشرين عاما.. وإذا لم يكن التحقيق قد تم، أو لفق كالعادة، فهل يمكن للنائب العام أن يعيد تحريك الدعوى؟