إدارة ترامب قد تستخدم البلوتونيوم العسكري كوقود لمحطات الطاقة النووية الجديدة    أسعار الخضروات والأسماك واللحوم والدواجن اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر    نتنياهو: عزلنا حماس وفكرة قيام دولة فلسطينية "ليست مكتوبة باللإتفاق"    مصرع شاب في تصادم بين تروسيكل وميكروباص بالوادي الجديد    هالة صدقي تثير الجدل برسالة ساخرة عبر إنستجرام: "وجودنا في الدنيا كله أفجر حاجة"    شريف فتحي: الرمال البيضاء والسوداء بالوادي الجديد.. منجم ذهب سياحي واستثماري    خدوا استعداداتكم، الأرصاد تحذر من 4 ظواهر جوية تضرب مصر اليوم    التفاصيل الكاملة لواقعة مقتل صانع المحتوى"أمير أسمع" في القاهرة    لديه الحلول، ما شروط زيدان لتدريب مانشستر يونايتد؟    ما اكتفتش بالحضور متأخرة، شاهد ماذا فعلت ملك زاهر في العرض الخاص لمسلسل شقيقتها "ولد وبنت وشايب"    بعد هبوط الأخضر في البنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الثلاثاء 30-9-2025    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 30-9-2025 يصل لأعلى مستوى وعيار 21 الآن بالمصنعية    كوريا الشمالية والصين تتوصلان إلي توافق حول القضايا الإقليمية    بعد خفض الفائدة 2%.. ما هي أعلى شهادات البنك الأهلي الآن؟    «مفيش أهلاوي توقع الوحاشة دي».. ميدو: أسوأ مباراة للزمالك أمام الأهلي    عمرو أديب بعد خسارة الزمالك: عندي 60 سنة.. 55 منهم بشوف الزمالك بيتغلب    «مينفعش تعمل كدة».. الحضري ينتقد محمد صبحي ويصفه ب«قليل الخبرة»    5 توابل وأعشاب سحرية لحماية صحة القلب والوقاية من الأمراض    توتال إنيرجيز توافق على بيع نصف مشروعاتها للطاقة الشمسية في أمريكا الشمالية    الأمم المتحدة تؤكد استعدادها لدعم خطة ترامب للسلام    في ظهور نونو سانتو الأول.. وست هام يتعادل مع إيفرتون    الشحات: تعاهدنا خلال عزومة ياسر إبراهيم على الفوز بالقمة    فيضان النيل الأزرق .. المياه تدفقت أعلى سد النهضة والخطر يحدق بالسودان و يقترب من مصر    "شنكار الشحات" اللقطة الذهبية في القمة 131    مصادر ل«أهل مصر»: 8 مقاعد لحزب العدل بالقائمة الوطنية لانتخابات «النواب»    الرئيس الفرنسي يرحب بخطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم دراجتين ناريتين بالدقهلية    النوم بعد الأربعين.. السر المنسي لصحة الدماغ والقلب    البيزنس الأسود لجماعة الأخوان «الإرهابية» تستخدم التبرعات وحصيلة الاستثمارات لتمويل المنصات الإعلامية الموجهة ضد مصر    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 في مرسى مطروح    وزير البترول يكشف ل أحمد موسى موقف زيادة أسعار الوقود    وزير الطيران يبحث مع نظيره البولندي تعزيز التعاون في مجالات النقل الجوي    عاجل - ترامب: خطتي للسلام في الشرق الأوسط قد تشمل إيران    السفير محمد كامل عمرو: خطة ترامب قد تكون بذرة صالحة للتسوية في غزة إذا ما نُفذت بنزاهة    أحمد داش يشاهد فيلم لا مؤاخذة بعد 11 عامًا من عرضه الأول    جيريمي سترونج يجسد مارك زوكربيرج في الجزء الثاني من The Social Network    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة الأقصر    مصادر عسكرية إسرائيلية: نزوح 800 ألف شخص من مدينة غزة    بعد هزيمة الزمالك.. لميس الحديدي ساخرة: قلبي يقطر دما    سر بسيط من الطبيعة هيساعدك في تنظيم سكر الدم وتعزيز الطاقة    العزلة تتزايد.. إسبانيا تمنع عبور طائرات وسفن أمريكية محملة بالأسلحة إلى إسرائيل    اليوم، الحكم في دعوى التعويض ضد الفنان أحمد صلاح حسني    في مواجهة مع أفكار الأسرة التقليدية.. حظك اليوم برج الدلو 30 سبتمبر    الداخلية الكويتية: ضبط مقيم عربي خطط لعملية إرهابية تستهدف دور العبادة    فيضان النيل يحاصر «جزيرة داوود» بالمنوفية.. والأهالى: «نستخدم القوارب»    3 أيام عطلة رسمية.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 في مصر للقطاع العام والخاص بعد ترحيلها    وزير الري الأسبق: إثيوبيا مررت 5 مليارات متر مكعب من سد النهضة خلال الأسبوع الماضي    راحة فورية وطويلة المدى.. 7 أطعمة تخلص من الإمساك    غير الحمل.. 7 أسباب لانقطاع الدورة الشهرية    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الثلاثاء 3092025    تعرف على مواقيت الصلاة غدا الثلاثاء 30سبتمبر2025 في المنيا    قرار جديد بشأن بلوغ المعلمين سن المعاش 2025.. (تعليمات عاجلة للمديريات والتأمينات الاجتماعية)    37 عامًا على رحيل فتحي رضوان «المثقف الشامل»    موظف بسيط دخل التاريخ صدفة.. حكاية أول وجه ظهر على شاشة التلفزيون    "التعليم في مصر الفرعونية" ضمن أنشطة ثقافة الغربية للتوعية بمخاطر الأمية    إلغاء «طموح جارية» من مناهج الإعدادية 2026.. توزيع منهج اللغة العربية والدرجات وخطة التدريس كاملة    عضو مركز الأزهر: الزكاة طهارة للنفس والمال وعقوبة مانعها شديدة    خالد الجندي: آيات القتال مقصورة على الكافر المقاتل وليس الدعوة للعنف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توريث الحكم.. فانتازيا مصرية .. القدس العربى
نشر في مصر الجديدة يوم 09 - 09 - 2009

قد لا اخطىء عندما ابشر بأن الرئيس القادم لمصر هو السيد جمال مبارك الابن الأكبر لرئيس الجمهورية شاء من شاء وأبى من أبى، وليسعد أصحاب المشروع، ولتسكت الأصوات وترفع أقلام كل من عارض هذا المشروع، فلا نستطيع أن نتغاضى عن حقيقة أن القوى السياسية المعارضة وأن النخب السياسية والإجتماعية المعارضة لم تكتسب بعد عناصر القوة التى تقنع النظام بتغيير قناعاته، وأن النظام قادر بقوته القمعية على تنفيذ إرادته دون أدنى إعتبار لإرادة الشعب.
وقد سمعنا وعلى مدى عدة سنوات وقرأنا الكثير عن مشروع توريث كرسى الرئاسة، وقد تناولت الأقلام والبرامج والصحافة كل دقائق وتفاصيل الموضوع، ولم أتخلف عن الإسهام برأيى فى هذا المجال قبل وبعد تعديل المادة 76 الشهيرة معارضا للمشروع ومحذرا من تداعياته، وقد تراوحت الآراء فيه بين مؤيد ومحبذ، وبين رافض ومحذر، ولاأزعم أننى أقدم جديدا فى هده السطور، غير أننى أتحدث هده المرة عن السلطة القمعية المطلقة وكيف تقتحم خيال الحاكم الشمولى لتقلب له الخيال حقيقة وتحجب عنه الواقع الاجتماعى والسياسي، فتخرج قراراته ورغباته عن أصول العمل السياسى لتنقلب إلى نوع من الفانتازيا التى تفرض نفسها على السلطة فتغيب عنها حقائق الأمور على أرض الواقع فتعمى بصيرتها، وتدفعها إلى قرارات كارثية.
هذا النهج الشمولى القمعى لا يقتصر على توريث الحكم، بل نتابعه ويطل علينا بشكل يومى عندما ينتهك النظام الدستور والقانون نهارا جهارا دون أدنى إعتبار لردود الفعل ودون احترام لأحكام المحاكم، بل انه وقبل كل شيء ترخص فى إغتيال حق المواطن فى اختيار حكامه ونوابه فتأتى له صناديق الإقتراع بما يريده هو وليس بما يحكم به الشعب، وهو فى هذا كله مأخوذ بوهم كبير مؤداه أن الشعب غير ناضج وغير قادر على حكم نفسه وأنه جاء وصيا عليه بحكمته وقدرته على تحقيق مصالح المواطنين .
يقابل ذلك أن القوى والنخب السياسية تعانى من سلبيات كثيرة نتيجة تجميد نشاطها ومحاصرة حركتها لعدة عقود ففقدت اتصالها بالقواعد الشعبية واصبحت عاجزة عن تحريك الشارع، وترتب على هذا الخمول السياسى أن لحقت عدواه إلى منظمات المجتمع المدنى فغرقت هى الأخرى فى خضم صراعات شخصية فى غياب الهدف الأسمى الذى تعهدت بالعمل على تحقيقه.
فى هذا المناخ غابت ثقافة الاختلاف فى الرأى وإدارة الصراع السياسى وفق الآليات والنسق الديمقراطية وغرقت الجماهير فى همومها وفى السعى للقمة العيش فى ظل الفقر والحرمان الذى فرضه عليها الحكم. ولم يعد المواطن يسعى الى التعرف على العمل السياسى وممارسته ليس فقط خوفا من القمع البوليسى ولكن أيضا لأن وعيه قد تراجع على مدى عدة عقود من الخضوع وأصبح لا يهتم بالقضايا السياسية ولا يفهمها خاصة وان اللاعب الوحيد فى الساحة هو الاعلام الحكومى الذى يقدم له صورة وردية ومصداقية تفتقر إلى أى أساس مقبول .
وهكذا تبدو الصورة مثبطة الى حد بعيد، رغم المجهود الشاق الذى تقوم به القوى والنخب السياسية والاجتماعية والمخاطر الجسيمة التى تتعرض لها من القمع البوليسى الشديد الذى لا يلقى أى اهتمام أو اعتبار لحقوق الانسان وكرامة المواطن.
ونعود لمناقشة موضوع التوريث بصورة عامة، فلا يختلف اثنان على أن التوريث قائم ومتجذر فى المجتمع المصرى والعربى من قديم الأزل، وبعد أن كان مفيدا ومطلوبا للحفاظ على استمرار الحرف والمهن التى تتصف بذاتية خاصة وتستلمذ الصبينة وسيلة لاستمرارها وتقدمها، ظهر لنا فى مجتمعنا المعاصر فى صور متخلفة وظالمة، فقد أصبح من المقنن فى بعض المهن والوظائف الحكومية والسلطوية أن من حق الأولاد أن يلحقوا بوظائف الاباء، وسرى ذلك فى الطب وفى السلك القضائى وبين ضباط الشرطة والجيش وغيرها وأصبح التوريث قاعدة مستقرة بصرف النظر عن آثارها السلبية وتعويقها لتقدم المجتمع . بل ان التوريث تخطى ذلك الى مجال الفن الذى يحتاج الى الموهبة قبل كل شيء، ونشهد الآن عشرات بل مئات من الأولاد والبنات الذين يقحمهم الفنان أو الفنانة فى مجال الإبداع وهم يفتقدون كل مقومات ومواهب وقدرات الابداع. وعليه يستند انصار التوريث الى حق الآباء فى استخلاف أولادهم وبناتهم لأنهم شربوا من موهبة آبائهم وأصبحوا أكثر قدرة على الإبداع من أى وافد جديد لا حظ له فى أب أو أم من الوسط الفني.
يبقى ان نتحدث عن التوريث السياسى وهو حق مشروع فى النظم الملكية حيث تنتقل السلطة من الملك لولى العهد بآليات معروفة ومعترف بها، أما عن التوريث فى نظم الحكم غير الملكية فنجده فى بعض الديمقراطيات الغربية، بل شهدناه فى دول العالم الثالث الديمقراطية وعلى وجه الخصوص فى الهند وباكستان ولبنان، كذلك نرصده وقد قام فى سورية، ويجرى العمل لإرسائه فى ليبيا واليمن والبقية تأتى ، التوريث فى الديمقراطيات يتم عبر صندوق الإقتراع الذى لا تزيف أوراقه ولا يتم الضغط على الناخبين، أما النظم الشمولية العربية فتكرس توريث الأبناء بتطويع صندوق الانتخابات لكى يشرع التوريث ويلبسه ثوبا ديموقراطيا مزيفا. ولذلك فلا معنى لمعارضة ترشيح ابن رئيس الجمهورية طالما تتمتع الانتخابات بالحيدة والنزاهة والشفافية. وفى غيبة ذلك يثور الشك والقلق بين المعارضين للمشروع حبا فى مصر وليس كرها فى الوريث.
ومن هنا أقول لكل من يتطرق إلى التوريث فى مصر، دعك من جمال مبارك وانظر إلى مدى مصداقية عملية التصويت فى الاستفتاء أو الانتخابات، حيث تصدمنا السوابق المتلاحقة فى العقود السابقة، فالتصويت يتم تحجيمه وتجميله من المنبع بعدم اتاحة حرية الترشيح ثم بمحاصرة لجان الانتخابات من الخارج والسماح فقط بدخول مؤيدى النظام وأخيرا بالغاء الإشراف القضائى على مراحل العملية الانتخابية، وبهذا تتضح الرؤية بكل وضوح ونقول لكل المعارضين جمال مبارك قادم قادم وهو رئيس مصر بعد والده وشكرا لجهودكم ولا أراكم الله مكروها فى عزيز لديكم.
غير أننى أنضم للكثيرين من المحللين الذين يشفقون على التوريث وعلى مصر من مشروع التوريث الذى لا أرى فيه أكثر من فانتازيا سياسية يعيش فيها النظام مطمئنا إلى قدراته القمعية الرهيبة تلك القدرات التى يعلمنا التاريخ والتحليل السياسى المنهجى انها لن تستطيع الصمود أمام عظم الكارثة وأنها لن تلبث بأن تتفكك وتتلاشى وتسقط هى ونظامها، فالوريث سيرث تركة مثقلة بالمشاكل محفوفة بالمخاطر لن تلبث إلا أن تنفجر فى وجهه وتلحق ببلادنا دمارا شديدا تدفع ثمنه الباهظ أجيالنا القادمة ويروج لمشروعات التوريث فى الدول العربية ويجهز على البقية الباقية من الأمل فى التصدى للهجمة الشرسة التى تعمل على تغيير هويتنا بل وأدياننا وعقائدنا فضلا عن نهب ثرواتنا.
والسؤال هنا هل تعيش مصر حياة سياسية حقيقية تفسح المجال لتقارع الافكار والعقائد أم تتمسك بخيال قمعى سلطوى جامح وفانتازيا واعدة يبثها ويلعب على أوتارها أولئك الذين يحيطون بالنظام ويستفيدون منه وعلى الأخص رجال الأعمال وقيادات القمع ورئاسات المجالس النيابية المحلية التى عاثت فى الوطن فسادا غير مسبوق بل يفوق ما صادفته البلاد فى عهد المماليك. أم على العكس من ذلك مراجعا فكرة التورييث مقرا بالواقع السياسى الذى بات محتاجا بشدة للعودة الى الشعب والى الديموقراطية والحرية.
ان التصدى للتوريث هو جزء من كل، فهو يرتبط كليا وجزئيا بالاصلاح السياسى الطوعى أو القسري.
وفى ظل الواقع السياسى الراهن يكون من ضرب الأوهام أن نتوقع إصلاحا من خلال الانتخابات، وقد غرقت نخبنا فى رومانسيتها فراحت تدعو منذ أيام فقط الى خوض الاستحقاقات الانتخابية القادمة مع اخضاع التصويت لرقابة دولية، وهذا تناول يتسم بالسذاجة وافتراض حسن النوايا، الحقائق على الأرض تؤكد لنا أنه لا أصلاح سياسيا فى ظل قناعات وتوجهات النظام الحالي، وأنه لا مخرج لهذه الأزمة إلا عصيان مدنى شامل وقوى يستطيع الضغط الفاعل من أجل تحقيق سلامة الاقتراع وعدم تزويره، وبغير ذلك يصبح التحدث عن الديمقراطية والحرية أضغاث أحلام.
حفظك الله يا مصر فانت عزيزة بأبنائك وتراثك ولن تلبثى طويلا فى مخالب قوى الفساد والشمولية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.