قال الكاتب والمحلل الإسرائيلي تسفي برئيل، في مقال له في صحيفة هآرتس إن تكتل الدول المعتدلة ما هو إلا شعار تم اختراعه في البيت الأبيض، وانه لن يجدي الولاياتالمتحدة نفعا في سياستها إزاء إيران. وأضاف: إن المناورات العسكرية التي أجرتها إيران في الخليج العربي هذا الأسبوع ليست مجرد مناورات فقط، بل هي جزء من استراتيجية الدفاع الإيراني، فعلى سبيل المثال، قامت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري وهي قوات بحرية منفصلة عن الجيش الإيراني وأكثر منه تطورا بدفن ألغام ضد السفن، وتدربت على تفجير السفن وتصوير أهداف تحت الماء بالإضافة إلى التدريب على الحرب الالكترونية واستخدام طائرات إيرانية الصنع. وأوضح برئيل أن الشيء المثير للاهتمام في هذه المناورة هو وجود وفد عسكري رفيع المستوى من دولة قطر برئاسة عبد الرحيم الجناحي، الذي أعلن أن بلاده تريد الاستفادة من تجربة إيران وانه يخطط لتدريبات مشتركة لكلا الجيشي. وأكد برئيل أن قطر لديها علاقات وثيقة مع إيران في المجال التجاري وان سياستها الخارجية لا تتفق مع الرغبة الأمريكية في فرض عقوبات على إيران. حتى المملكة العربية السعودية تعارض فرض عقوبات على إيران حيث قال الأمير تركي الفيصل، الذي يرأس معهد الملك فيصل للدراسات الاستراتيجية في مقابلة مع قناة العربية التلفزيونية، إن العلاقات بين إيران ودول الخليج علاقات تاريخية تقوم على المصالح المشتركة ووصفها بأنها علاقات دم وجوار، وانه على الرغم من التهديد الإيراني للدول المجاورة، فلا توجد مقارنة بينه وبين التهديد الإسرائيلي. وأعرب الفيصل عن تأييده الكامل للاقتراح الذي قدمه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والذي دعا فيه إلى إقامة حوار مع إيران وسرعة تهيئة الرأي العام لمثل هذا الحوار. وأضاف : بالرغم من أن تصريحات تركي الفيصل لا تمثل سياسة المملكة رسميا، إلا انه وفقا لما يمثله تركي الفيصل باعتباره رئيس المخابرات السعودية السابق، سفيرا لبلاده في لندنوالولاياتالمتحدة ، بالإضافة إلى وضعه العائلي كشقيق وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، فإن تركي الفيصل يمكن أن يكون مطلعا عن كثب على موقف المملكة تجاه إيران. واستطرد برئيل قائلا : إن تصريحات تركي الفيصل ، بالإضافة إلى وجود الوفد العسكري القطري في المناورة الإيرانية والسياسة الخارجية المستقلة الخاصة بسلطنة عمان التي تتمتع بعلاقات طيبة مع إيران وآلاف الشركات الإيرانية في أبو ظبي ودبي المسئولة عن التجارة التي تبلغ قيمتها الإجمالية 12 مليار دولار مع إيران- كل هذه الأمور يجب أن تدفع الولاياتالمتحدة إلى مراجعة تصورها السياسي في المنطقة العربية الذي يستند إلى أن تكتل "الدول العربية المعتدلة، وخصوصا دول الخليج، يمكنه كبح نفوذ إيران في المنطقة وعزل الدول التي تدعمها مثل سوريا أو السودان، وخلق رادع عسكري وقت الحاجة ضد إيران كما تقوم الإستراتيجية الأمريكية أيضا على افتراض أن حل الصراع العربي الإسرائيلي قد يمكنها من وضع الدول العربية "المعتدلة" مثل كحائط صد ضد إيران، ولكن الخريطة الاستراتيجية أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، اعتمدت إستراتيجية قائمة على التنافس مع النظام الإيراني حيث إن البلدين تؤثران بشكل عميق في الحياة السياسية في العراق وأفغانستان وباكستان وسوريا ولبنان وفلسطين، وكل منهم تعرف جيدا نقاط الضعف والقوة لدى الأخرى حيث قررت المملكة العربية السعودية استئناف العلاقات مع سوريا لتقويض الاحتكار الإيراني للساحة السورية كما تعمل أيضا على إعادة العلاقات بين سوريا ومصر إلى سابق عهدها بالإضافة إلى مشاركة المملكة العربية السعودية أيضا في تشكيل الحكومة اللبنانية، ومن خلال تأثيرها أيضا تشكلت علاقات جديدة بين رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والرئيس السوري بشار الأسد الذي يحاول هو الآخر تثبيت نفوذه في لبنان والآن لم يتبق إلا الملك عبد الله ملك الأردن ليتجه هو الآخر صوب إيران. وفي العراق تتعامل المملكة العربية السعودية "بفتور" مع الحكومة القائمة فيه حاليا، فهي لم تفتتح سفارة لها في العراق وتعمل في الوقت ذاته على تقوية الكتلة السنية والكردية بالإضافة إلى دعمها إياد علاوي الذي فاز في الانتخابات، من خلال عمليات تمويل واسعة النطاق، حيث إن الافتراض السعودي بالنسبة للعراق يقوم على مبدأ وهو أن العراق هو محل تأثير كبير للنظام الإيراني الذي سيتنامى عندما تقوم القوات الأمريكية بمغادرة البلاد، لذلك تسعى السعودية لإيجاد أدوات مؤثرة تجعل من الصعب على إيران إدارة شئون العراق إذا لم تتعاون مع المملكة العربية السعودية.
وفي النهاية توصل برئيل إلى نتيجة واحدة وهي إن "كتلة الدول العربية المعتدلة" والتي ينظر إليها على أنها مجموعة من الدول العربية التي تعمل في تناسق يتفق مع سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية تعاني أيضا من الخلافات الداخلية، فقطر والمملكة العربية السعودية لاتتفقان على سياسة الولاياتالمتحدة تجاه إيران، والمملكة العربية السعودية لا يمكنها أن تملي السياسات الإقليمية أو حتى مطالبة دول الخليج بالانصياع والسير في ركب سياستها الخارجية ، أما مصر فهي ليست في عجلة من أمرها لتبني فكرة الحوار مع إيران أو سوريا الذي تؤيده المملكة العربية السعودية، لأنها تعتقد أن المملكة العربية السعودية أخلت بالاتفاق فيما بينها فيما يتعلق بالمصالحة مع سوريا، فقد ساعدت سوريا في لبنان ولم تتعاون مع مصر توقيع اتفاق المصالحة بين حماس وفتح وهو الملف الذي تعاني منه مصر في السنوات الثلاث الماضية، كما استجابت مصر لطلب الولاياتالمتحدة وعينت سفيرا جديدا لها في العراق، مقارنة بالمملكة العربية السعودية التي رفضت الطلب الأمريكي. وأشار برئيل إلى أن إيران تقود سياسات ذكية للغاية من شأنها كسب المزيد من الأصدقاء من الدول العربية عن طريق التركيز على مركزية القضية الفلسطينية ومعارضة الهيمنة الأمريكية في المنطقة وهو ما يجعلها أقرب إلى مواقف البلدان العربية والبلدان الإسلامية السنية. وشدد برئيل على انه لا يوجد أي عنصر شيعي في السياسة الخارجية الإيرانية، وانه حينما يتحدث المعلقين والسياسيين العرب عن الخطر الإيراني فهم يشيرون إلى أن "العراق ولبنان وسوريا وفلسطين، تمت سرقتها من أيدي العرب، ولا يقصدون التهديد النووي الإيراني. وفي نهاية مقاله يؤكد برئيل على أن كتلة الدول المعتدلة هي كلمة السر التي اخترعت في أروقة البيت الأبيض ولكنها لن تكون فعالة في التعامل مع إيران.