■ التشاؤم واليأس والحاضر المظلم والمستقبل غير واضح المعالم شعارات يرفعها المجتمع المصرى بطوائفه المختلفة ، حتى الأحسن حالاً منها والتى تعيش الحياة المستقرة ، كما يترآى البعض منا وتلك النظرة المحيطة ليست وليدة اللحظة ، ولكنها نتاج طبيعى لتراكمات ومعطيات بعضها حقيقى والأخر مفتعل ، والمقصود منه تعتيم الرؤية على المجتمع المصرى لتحقيق أغراض أخرى وإذا كان المصريون يعيشون الآن كل هذا الكم من الهم والتعتيم المدبر فعلينا جميعا أن نخلع النظارة السوداء من على أعيننا حتى نرى ما حولنا بوضوح ، وحتى نفهم مخططات من حولنا والتى تعمل جاهدة لإستسلامنا للإحباط وعدم القدرة على تخطى العقبات ، وبالتالى الوقوع فريسة سهلة أمام أى إغراءات أو تفتيت الإنتماء داخل نفوس الجميع ومحاولة نزع الولاء للوطن . ولو تتبعنا معدن المصرى من أيام الإحتلال حتى الزمن المعاصر نجده مر بمراحل مختلفة من قمة الإنتماء والتفانى من أجل تحرير الوطن والقضاء على الإستعمار وما تحمله تلك الفترة فى حياة مصر فى تضحيات وقصص كفاح للمصرين وكأن الهدف الوحيد من وراء هذا الكفاح هو الوطن وذاب أمام هذا الشعار والإنتماء كل أنواع المغريات مهما كانت ، ولم يكن هناك أى أغراض مادية أو حزبية أو حتى من أجل إعتلاء كرسى السلطة أو الوصول إلى الثراء أو مقعد الوزراء وإلتف الجميع حول الوطن بعد تحديد الهدف ، وتحقق الهدف الأول وزال الإحتلال وقامت الثورة على أهداف معلنة ولكن حالنا حال الجميع ، أى تحرك جماعى لابد وأن يشوبه بعض التجاوزات ويحوى بداخله بعض الدخلاء الساعين وراء السلطة ، ومر الزمن بحلوه ومره وتحدد الهدف فى حروب على إسرائيل انتهت بحرب أكتوبر 73 والتى إعتبرناها جميعا قمة الإنتماء للوطن وإسطورة القرن فكان الهدف نبيل والولاء منقطع النظير ، وظهر فيها المعدن الأصيل للشعب المصرى ليس فقط فى جنود المعركة ، ولكن كان للشعب فى المنازل والشوارع اليد المساعدة للوصول إلى النصر ، وقدمت معظم البيوت المصرية شهداء ومصابين وأبطال ووجدنا أنفسنا أمام منظومة محكمة فى مواجهة من أجل استرداد الكرامة وانتهت الحرب ودخلنا مرحلة ما بعد الحرب ، وللأسف استسلمنا إلى حالة من الإسترخاء وتحولنا بقدرة قادر إلى شعب بلا هدف وبعد أن كنا نمتاز بالزراعة تبدل الحال واعلنا الثورة عليها والإتجاه إلى الصناعة وعشوائية القرار ، فقدنا عرشنا الزراعى ولم نصل إلى نفس الدرجة فى الصناعة وتوالت الاحداث ومن يريد منا أن يعلم أن الأهداف لم تكن محددة والسياسات لم تكن مدروسة فليربط بين ما نسميه الآن بالعشوائيات وبين تلك الفترة من بداية الثمانينات ، وحتى وقتنا الحاضر ويحصر كم منطقة عشوائية تم إنشاؤها خلال تلك الفترة فلم تكن مصر تعرف العشوائيات كما هى عليه الآن قبل تلك الفترة ومن يربط بين الزيادة السكانية والعشوائيات هو يحاول الهروب من الحقيقة المؤلمة وهى غياب دور الدولة فى التخطيط والتنظيم وترك الأمور للعشوائية فى كل شئ وكأنها عدوى انتقلت من عشوائية المناطق إلى عشوائية القرارات وتفاقمت المشكلة إلى أن وصلت بنا إلى عشوائية الجيل بالكامل وتشتت مشاعر الإنتماء داخل أفراد الشعب وهذا أمر طبيعى ، فمن يعيش كل هذا الكم من التخطيط واللانظام أضف على ذلك المخططات الخارجية وما أكثرها لتشويه صورة المجتمع المصرى وبث روح اليأس والإحباط داخل الأفراد فى المراحل العمرية المختلفة ولعلها نجحت فى معظم محاولاتها حتى وصلنا إلى أجيال تعرف عن الخارج أكثر ما تعرف عن بلدها وتسعر للخروج من الوطن وكأن الخارج جنة كما تصوره لهم وسائل الإعلام المختلفة وأصبح معظم الشعب المصرى يرتدى نظارة سوداء معتمة فى كل صباح ليرى بها من حوله ومعتمين ونحجب بينه وبين انتمائه لبلده وتمتعه فى رؤيه المستقبل وسيطر الإستسلام على الشباب حتى وصل بهم إلى اللامبالاة والهروب من الواقع ، والعيش فى أوهام أبعد ما تكون عن الحقيقة ، ولكن كما لا نستطيع أن ننتزع مشاعر الأمومة فى داخل الابن تجاه أمه مهما قست عليه تظهر علامات الإنتماء والحنين للوطن وقت الشدة أو عند الإلتفاف حول هدف عامله المشترك هو الوطن ولو كنا لا تزال لدينا الرغبة فى النهوض هذا الوطن علينا أن نضع الهدف ونلتف حوله حتى لو كان هذا الهدف بعيداً عن الكيان النظامى للدولة ، فالهدف هو النهوض والسعى وراء مستقبل أفضل من أجل أجيال جديدة علها تكون أوفر حظاً وعلينا أن نخلع النظارة السوداء وننظر للواقع مهما كان مؤلما ونضع الحلول حتى نخرج ما لدينا من انتماء للوطن الأم وبدون مصالح شخصية .