كشف تقرير خاص صادر عن المركز الديمقراطي العربي عن الانتخابات السودانية القادمة معطيات الواقع وتحديات المستقبل انه باستثناء قطر ومصر والسعودية الذين كانت لهم مواقف منفردة أقوى من مواقف الجامعة العربية فيما يتعلق بالازمة في درافور فقطر والسعودية ومصر سعوا لاتمام المصالحة بين النظام السياسي والفصائل المعارضة في أكثر من قضية كما شاركت هذه الدول في مؤتمر إعمار دافور وبالتالي فإن النظام العربي لن يكون له موقف موحد من العملية السياسية في السودان ولكنها ستكون مواقف دول منفردة تختلف وتتفق حسب مصالحها وقال التقرير إن النظام العربي بوصفه نظاما إقليميا صار يتراجع في كثير من وظائفه من حيث الدفاع عن وحداته او احتواء الأزمات فيها وأصبحت العملية السياسية داخل بعض وحداته تدار بيد أطراف خارجية لكي تملأ الفراغ الذي خلفه النظام العربي وبالتالي فإن الفصائل السياسية المعارضة في السودان لم تجد دعما عربيا بقدر ما لاقت إغراءات ودعم من أطراف خارجية على المستوى الاقليمي والدولي وبالتالي فإن مواقف الجامعة العربية تجاه ازمات السودان المتعاقبة كانت مواقف لفظية ودبلوماسية علا سقفها في بعض المواقف إلا أن الجامعة ليست منظمة فوق الدول ولكنها تعكس ارادات الدول واشار التقرير إن عودة الانتخابات كأحد الآليات الديمقراطية الى النظام السياسي السوداني هو أمر جد مهم ويستحق الدراسة والتمحيص ذلك أنها الأولى منذ ما يقرب من عقدين من الزمان هما فترة حكم النظام الحالي في السودان بزعامة الرئيس عمر البشير إلا أن الانتخابات السودانية القادمة تحيطها نذر الخطر من جهات مختلفة فالأطراف الداخلية لا تحقق الحد الأدنى من التنسيق بينها حتى توفر البيئة الملائمة لإتمام العملية السياسية والأطراف الخارجية لا تتورع عن التدخل في الشأن السوداني تحت ذرائع عدة بينما يقف النظام العربي كعادته في الآونة الأخيرة مشاهدا أو مساهما بقليل من المواقف اللفظية والدبلوماسية المرتعشة واضاف التقرير نص الدستور الانتقالي لجمهورية السودان في المادة 216 على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات حكام الولايات وانتخابات الولايات التشريعية قبل نهاية السنة الرابعة من المرحلة الانتقالية أي في موعد غايته 2009 إلا أنه تم تأجيل الانتخابات عن موعدها أكثر من مرة بسبب عد الاستقرار في الأوضاع الأمنية وعدم اتمام إجراءات التعداد السكاني. وعن مواقف الأطراف الخارجية من الانتخابات السودانية القادمة قال التقرير انها تختلف باختلاف مصالحها في السودان وبالتالي تأييدها لأحد الفصائل السياسية دون الآخر الأمر الذي يزيد العملية السياسية تعقيدا على تعقيدها ويلقي بظلال خطيرة على مستقبل الانتخابات القادمة ذلك أنها ليست مجرد آلية لتحديد من تكون له اليد الطولى في النظام السياسي وإنما هي متطلب مسبق لإجراء الاستفتاء على انفصال الجنوب ولذلك فإن الثقل السياسي لهذه الانتخابات لا ينبع فقط من ضروريتها لتحديد مستقبل النظام السياسي بقدر ما ينبع مما يستتبعها من أحداث تشكل مستقبل الدولة والمنطقة برمتها
وبالنسة لموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية ذكر التقريران الولاياتالمتحدةالأمريكية تؤكد على ضرورة عقد الانتخابات السودانية في موعدها حيث أن هذه هي المرة الأولى منذ 24 عاما التي يقول الشعب السوداني فيها رأيه وبالتالي فإن الولاياتالمتحدة تؤيد عدم تأجيل الانتخابات تنفيذا لاتفاق السلام المنعقد 2005 في نيفاشا والى جانب هذا فلاشك ان الولاياتالمتحدة لديها طموحات اقتصادية في النفط السوداني عالي الجودة وتأمل في الإطاحة بالشركات غير الأمريكية المستغلة لهذا النفط ولهذا فإن تأييدها لعقد الانتخابات في موعدها لا يفسره فقط أسباب نشر الديمقراطية فهي أسباب ظاهرية ودعائية فلا شك ان الولاياتالمتحدة لديها أجندة خاصة فيما يتعلق بتحديد نتيجة الانتخابات لصالح الأطراف التي تؤيدها في الداخل والتي ستتكفل بتنفيذ هذه الأجندة وإلى جانب ذلك فإن نتيجة الانتخابات ستحدد بعد ذلك شكل الاستفتاء على انفصال الجنوب وهو أمر يهم الولاياتالمتحدة لا شك حيث ستنشأ دولة جديدة حال حدوث الانفصال ولكن للانفصال مخاطره على المصالح الأمريكية أيضا فدولة الجنوب المنفصلة قد تتحول الى دولة فاشلة يستعصي عليها الانفلات الأمني نتيجة الصراعات والانقسامات المنتشرة بين الفصائل السياسية والعسكرية في السودان وعن مواقف دول الجوار قال التقريرتكمن الاشكالية في مواقف دول الجوار أن بعضها تخضع لقيادات غير رشيدة والبعض الآخر يخضع لإملاءات من أطراف خارجية تؤثر عليه نتيجة لضعف هيكلي في بناءه السياسي والاجتماعي والاقتصادي فالنسبة لمصر فلا شك أن ما يحدث في السودان هو أمر يمس القومي المصري بالدرجة الأولى ولذلك فإن الموقف المصري تجاه الانتخابات السوداني يتعلق بعدة قضايا مثل اعتبارات الامتداد الجغرافي والانتماء العربي الى جانب الأمن المائي المصري وقضايا نهر النيل وبالتالي فإن موقف مصر من الانتخابات سيؤيد التيارات السياسية المنادية باستمرار وحدة السودان ذلك أن انفصال السودان الى دولتين يهدد الأمن القومي المصري بالدرجة الأولى لأن دولة اسرائيل تشجع مثل هذا الانفصال وتسعى لاستخدامه كورقة ضغط على مصر نظرا لقرب جنوب السودان من منابع النيل أكثر من شماله وبالتالي فإن مقتضيات النظام القومي والأمن المائي المصري تؤكد على ضرورة تأييد مصر لوحدة السودان إن كان الدور المصري الحالي رغم ما فيه من جهود لا يكفي لأن يكون لمصر يد عليا أو مؤثرة في الداخل السوداني خاصة مع وجود أطراف أخرى تملأ هذا الفراغ اما تشاد فالموقف التشادي من القضايا الهامة في السودان يتأثر بالامتداد الديمغرافي بين البلدين فالقبائل الموجودة في السودان هي نفسها تقريبا القبائل الموجودة في تشاد والى جانب ذلك فإن هناك ميراث تاريخي مؤلم من التوتر في العلاقات بين البلدين نتيجة لانطلاق أعمال المتمردين من أراضي إحدى الدولتين ضد الأخرى ورغم التحسن الأخير في العلاقات بين البلدين والذي يراه البعض مؤشر جيد على إنهاء حالة العداء والتوتر وانهاء حروب الوكالة من خلال الفصائل المتمردة وإحلال السلام والاستقرار إلا أن مبدأ حسن النية قد لا يتوفر هنا في موقف تشاد من الأطراف المشاركة في العملية السياسية في السودان فكل دولة تتصرف بما تمليه عليها المصالح الواقعية والى جانب هذا فإن التدخلات الفرنسية في تشاد –باعتبارها جزء من الحزام الفرانكفوني - قد تؤثر على الموقف التشادي من أطراف العملية السياسية الى جانب التدخل الفرنسي نفسه في أزمة دارفور أيضا في السودان ، كما أن الهوية غير العربية وغير الاسلامية للفصائل الجنوبية في السودان تيسر مثل هذا التدخل بل وتستدعيه وقد تستقوي به على النظام السياسي القائم . اما أريتريا فالعلاقات بينها وبين السودان متوترة جدا بسبب اتهام كل دولة للأخرى بإيواء معارضي الاخرى لديها وبالتالي من المتوقع ان تؤيد أريتريا الفصائل المعارضة للنظام السوداني وخاصة مؤيدي الانفصال حيث أن اريتريا لديها طموحات في الأراضي السودانية اذا ما حدث الانفصال حيث أن توابع انفصال الجنوب قد تنسحب على عدة أقاليم أخرى وتتفسخ أواصر السودان الى دول بعدد أقاليمه وفصائله المتناحرة سياسيا وعسكريا. اما مواقف الأطراف الداخلية فهي تتعدد من العملية السياسية في السودان بتعدد الفصائل السياسية المشاركة فيها إلى جانب تفرع هذه الفصائل وانقسامها الى حركات جديدة ومتعددة فالحركة الشعبية لتحرير السودان هي شريك للنظام الحالي في الحكم " حكم شبه ذاتي في الجنوب " ، وذلك بموجب اتفاق السلام الشامل 2005 ورغم ذلك فإن الحركة متخوفة من الانتخابات القادمة نظرا لتمرير عدد من القوانين المتعلقة بالانتخابات والحريات العامة واستفتاء الانفصال لا ترضى عنها الحركة كما ان الحركة تشكك في صحة التعداد السكاني الذي تم إجرائه مؤخرا كمتطلب مسبق لاجراء الانتخابات والى جانب ذلك هناك قضايا لم يتم حسمها حول العلاقة بين الشمال والجنوب مثل الاستقرار الأمني وترسيم الحدود ، وكيفية تقاسم الثروة فعليا وعلى هذا فإن حزب المؤتمر الوطني الحاكم عليه أن يرضي الحركة ولو مؤقتا حتى تؤيد الرئيس عمر البشير وفوزه من المرحلة الأولى وحركة العدل والمساواة وهي من كبريات الحركات المتمردة في اقليم دارفور ، وهي تسعى لتأجيل الانتخابات وترفض عقدها في ابريل المقبل ، واعتبرت الحركة هذا الارجاء "امرا حاسما في التزام الحركة بعملية السلام" من دون ان تجعل من التأجيل شرطا لتوقيع السلام النهائي مع الخرطوم ، وبالتالي فإن حركة العدل والمساواة قد تقاطع الانتخابات المقبلة نظرا لأنها ترى أن الوضع الحالي في السودان غير مهيأ لإقامة انتخابات تحدد مصير النظام السياسي والدوةل ككل ، ولكن موقف حركة العدل و المساواة يمكن تفسيره من منظور انها غير مخيرة في المشاركة في الانتخابات بصفة الترشيح ذلك ان مدة تسجيل الاحزاب السياسية انتهت- رغم ان اتفاق الدوحة الاطاري يقضي بتحول الحركة الى حزب سياسي - ،وبالتالي لن تتمكن حركة العدل والمساواة من المشاركة فيها بصفة الترشيح ولكنها قد تقاطع الانتخابات بصفة التصويت الأمر الذي يشكك في نزاهة النتائج اذا ما تمت المقاطعة من قبل حركات اخرى وحركة التحرير والعدالة تعتبر الحركة تجميع لعدد من الفصائل المتمردة في دارفور ، وقد وقعت اتفاق إطاري في الدوحة مع الحكومة السودانية ، وذلك لوقف اطلاق النار ، ويبدوأن المصالحة مع الحكومة الحلية جعلت الحركة لا تعترض على اجراء الانتخابات في موعدها رغم انسلاخ بعض الفصائل من الحركة ورفضها التفاوض مع الحكومة المركزية اما الاخوان المسلمين فتخطط للمشاركة في الانتخابات القادمة بعدد من المرشحين في الدوائر التي لا يوجد بها مرشحين للحزب الحاكم حيث انه يمثل الحركة الاسلامية في السودان كما انه منشق أصلا عن حركة الاخوان المسلمين ، وتتمتع الحركة بشعبية جيدة في السودان نظرا لانها في نظر البعض تمثل الرؤية الاسلامية الصحيحة كما انها تقدم كثير من الخدمات الاجتماعية لبعض فئات الشعب السوداني مما يعطيها شرعية على هذا الآداء الاجتماعي الذي قد تتقاعس عنه الدولة ، والى جانب ذلك فإن حركة الاخوان المسلمين تؤيد الرئيس عمر البشير ومرشحي الحزب الحاكم ولكنها ستدخل تجربة الانتخابات على استحياء كخطوة اولية للانخراط في العملية السياسية في السودان بقي ان نذكر رغم ذلك ان الجماعة في السودان ليست بنفس الثقل السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في مصر وقال التقرير ان أخطر التحديات التي تواجه الانتخابات القادمة هو احتمال مقاطعة الانتخابات من أهم القوى السياسية المعارضة في السودان مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان والاحزاب الكبرى المعارضة وحركة العدل والمساواة الأمر الذي يشكك في نزاهة النتائج او قد يسعى النظام الحاكم لعقدها وحده وهو أمر غير مأمون العواقب فالشمال لا يجرؤ على عقد الانتخابات وحده لأنه سوف يتهم بتهميش الجنوب والفصائل الأخرى الأمر الذي يستوجب ضرورة التوفيق بين وجهات النظر المختلفة اذا أريد لهذه الانتخابات أن تتم