د: يحيى القزاز كانت كتاباتي عن د.محمد البرادعي عبارة عن تعليقات على ما يكتب مرفقا بها النص الأصلي المعلق عليه. وما عنّ لي من ملاحظات عما كتب عن البرادعي هو في حقيقة الأمر تعرية لمختفي وفضحًا لمستور يخشى البعض من البوح به، ومكاشفة حتى وإن كانت مؤلمة، إلا أن هدفها الوصول إلى الهدف، والحرص على بداية توهج حالة يمكن أن تصير حالة شعبية عامة، إذا انتقدناها وقلنا ما نراه بصراحة وصدق- من غير لف ولا دوران، ولا تجميل ولا تقبيح- صارت إلى منتهاها النبيل وأدت دورها المنشود في التغيير، فليس لنا مطامع، ولا نحن فارين من جماعة خفت عنها الضوء إلى جماعة ضوءها يتوهج ويجذب الفراشات. وكان رأينا بكل تواضع ومازال بأن البرادعي خلق حالة جديدة على الوجدان المصري، يمكن أن تسميها بتعبير الصوفية "محبة لله في الله " فالرجل لم يأتِ منتصرا في غزوة، ولا مفاوضًا عن حق المصريين في الاستقلال ولا مقاومًا اكتنفه السجن، ويعود الآن للمصريين بعد استنفاذ مدة العقوبة.. فخرج الناس يستقبلون بطلا ملحميًا عانى الظلم والقهر، لكنهم استشعروا صدقًا باديًا في حديثه، فوثقوا به وخرج لملاقاته تقديرًا لنواياه الطيبة تجاه الشعب المصري. ولأول مرة يخرج بسطاء الناس ومن مختلف المحافظات لا يعيبهم قلتهم، فهم تجاوزوا الألف في استقبال المطار، يدافعون عنه بحماس، وهو رجل لا حول له ولا قوة إلا قوة الإصرار والعزيمة على التغيير التي مازالت في مبتداها، لا يستمد قوته من سلطة هو فوق رأسها، ولا يحمل في إحدى يديه "ذهب المعز ولا في الأخرى سيفه"، رجل خرج الناس للقائه طواعية، وكونوا حالة نضالية تحمل اسمه في غيابه. وكان مطلبنا الذي استنكره علينا كهنة معبد البرادعي هو الاستقرار في مصر والالتحام بالجماهير، وهو مطلب تكرر كثيرًا بعدنا من غيرنا، وكتبت منتقدًا كيف يترك البرادعي شابان متحمسان له يعتقلهما أمن الدولة، ولا يصدر بيانًا بشأنهما يستنكر الذي حدث لهما، ثم حدثت واقعة الفيوم واعتدى أمن الدولة على طبيب شارك في حملة البرادعي، وأخذت عليه أنه لم يصدر بيانًا، وتحدثت مع أستاذنا الجليل د. عبد الجليل مصطفى عن عودة البرادعي، والرجل من أنصاره ومقدرًا ظروفه ومدافعًا عنها، وأبديت خشيتي من خفوت الحالة وضعفها إذا غاب كثيرًا، فلكل درجة حرارة مجال للانتشار وقوة للتأثير. فنجاح مشروع البرادعي مرهون بالهبة الشعبية، والهبة الشعبية بحاجة إلى من تلتف إليه لا من تراسله، وأخبرني د. عبد الجليل مصطفى أن البرادعي سيعود قريبًا ويستقر في مصر. وبعدها بيومين فوجئت بخبر بثته قناة الجزيرة بأن د.البرادعي أدان الاعتداءات على طبيب الفيوم التي قامت بها أمن الدولة بتعذيبه. سعدت كثيرًا، وقلت بداية الغيث قطرة، وفي انتظار العودة، فالتربة خصبة والمناخ ملائم لنمو بذور التغيير، وأخشى من ضياع عوامل النجاح بحجة الوفاء بالتزامات مسبقة. أرى أن شعب مصر يستحق التضحية بكل نفيس من أجل استرداد حريته وكرامته، وها قد خرج متجاوبًا مع دعوة البرادعي.. فماذا ننتظر؟ وقلت إن الشعب أدى ويؤدى دوره، ويكفيه أنه أنجبنا نحن المدعوون بالنخبة، والنخبة الوطنية هي العين والعقل، واللعب هو الجسد، وحركة الجسد بلا رؤية واضحة ولا عقل مدبر قد تكون محل خلاف أو هي للفوضى أقرب، لكن بالعين الواعية والعقل المدبر تكون الحركة في الاتجاه الصحيح. وتبقى الإشارة لرجل ذي مصداقية من خارج رحم السياسة وألاعيبها، رجل يعرفه الجميع تحمل عبء قيادة مشروع البرادعي في الشارع في غيابه، لا مصلحة له سوى تغيير وجه الحياة المصرية للأفضل ألا وهو د. عبد الجليل مصطفي أستاذ الطب الشهير، الذي دائما ما تراه خارج أسوار المكاتب، وفي قلب الشارع مع الحركات المقاومة، أول من يحضر الشارع وآخر من ينصرف، لا يسعى إلى الفضائيات، ولا إلى الصحافة، تتتبع سيرته فلا تجد فيها رأيًا يناقض رأيًا أو يبرره إرضاء لتيار أو طمعًا في منصب أو مغنم، يكره المناصب، وعندما تلح عليه وتسأله القبول يجيبك "لأنني لست محايدا"، وهو يعنى انحيازه لما يقتنع به، ويرى أن الرجل موقف وليس علامة ترقيم فاصلة، وعندما يقتنع بشيء من الصعب أن تزحزحه قيد أنملة. رجل قد يتفق معه البعض ويختلف، لكن لا يملك الجميع إلا أن يحبوه ويحترموه بصدق، ويضعونه أيقونة في القلب، وتاجًا فوق الرأس، ليتنا نتعلم منه، رجل جواد كريم مقدام، فارس يجيد الكر ولا يعرف الفر، تختلف معه ويبقى الود –حقيقة- كما هو والابتسامة نقية كما هي. مشكلته أنه لا يعرف المناورة ولا الكذب، وهذان من أهم سمات النقاء البشري. يعرف الخبثاء ما له من حب وتقدير- حتى مع المختلفين معه جزئيا في رأي- فيصدرون ما يريدون تمريره ويخشون من رفضه لفقدانهم المصداقية، يصدرونه باسمه لما له من تأثير وتقدير، انتهازية واستغلال لوضع رجل محترم من قبل انتهازيين. وفي اليومين الأخيرين مرض وبح صوته لدرجة يصعب عليه الحديث، حاولت الاطمئنان عليه مبكرا في صباح الجمعة 12/3/2010 فعرفت أنه في الفيوم في زيارة مع البعض لتهنئة طبيب الفيوم بخروجه من سجن أمن الدولة والتضامن معه. من أهم استمرار ونجاح مشروع البرادعي وجود الشباب بكافة أطيافهم، وهم القوة الدافعة الحقيقية للمشروع، وكذلك رجال بحجم ونقاء وتضحية د. عبد الجليل مصطفي- وقليل ما هم- يؤمنون بالتضحية ودفع الثمن مسبقًا قبل المطالبة بنصيب في نظام قادم يقوده البرادعي. ليس من المستصعب على البرادعي التمييز بين وجوه مشرقة تضيف إلى مشروعه، وأخرى معكوسة تسيء له وتخصم من رصيده، تجرى خلف الأضواء وتعمل من أجل المصالح، لأن ما يعنيها هو وجودها وحفظ نصيبها. وأرجو أن لا تكون المعارف والمجاملات والخواطر هي المعيار في الترتيبات من أجل التغيير، والاختبار سهل، عندما يقدم المرء نفسه وتاريخه عليه بالإجابة عن سؤال : ما هو مشروعه الذي ينتمي وانتمى إليه، وما دوره فيه، وأين رفاقه؟ والإجابة تخبرنا بالحقيقة إن كان مضحيا أم طامعا. نحن أمام مشروع جديد تقدم إليه الناس طواعية، من باب الشراكة قبل أن يكون من باب الخلاص، ففكرة المنقذ المخلص لا تدوم كثيرا، وعلينا أن نحافظ على فكرة الشراكة، وأن نشرك جددا، وعلى رأسهم الشباب المبادر. والشيوخ الذين يذوبون عشقًا في الوطن، وكل أمانيهم رؤية فرحة حقيقية في قلوب المصريين. وتبقى الفكرة الأساسية للحركات المقاومة، فالكل فيها جنود ويكفيها رمز وقائد واحد يحمل لواءها، أتمنى أن تكون إدارتها مختلفة بعيدة عن تشكيلات ولجان فوقها رؤساء، أشياء ثبت عدم جدواها، وجاءت بصراعات كادت أن تدمر حركات سابقة، حيث يتم اشتراط المنصب قبل بدء العمل أو الخيار المر والابتعاد عن العمل مع الحركة. في كل تاريخ العالم، يعرف الناس في الحركات المقاومة الرمز القائد، وعندما ينتهي دورها يعلن عن أدوار جنودها العظام، وكلنا نعرف حزب الله وقائده السيد حسن نصر الله، ولم نعرف عن دور الشهيد عماد مغنية إلا لحظة استشهاده، وفي آخر خطاب للسيد حسن نصر الله، قال : "قائدنا عماد مغنية". ما أعظمه قول.. سيد وقائد يتحدث عن قائد له عندما يقول "قائدنا".. نعم التضحية .. ونعم الإنصاف، وما أجملها تضحية في حب الله والوطن، وليتنا نتعلم. وعندما أسمع كلاما عن تشكيل لجان ورؤساء وكذا.. وكذا.... أضع يدي فوق رأسي، وأطلب الستر والنجدة من الله. أكررها إن لم نكن كلنا جنود فلن تنجح أي حركة مقاومة، وتصبح حركة مساومة للضغط على النظام لتحقيق مصالح شخصية وليست مصلحة الوطن. دعونا من الأسماء.. وكلنا جنود من أجل التغيير، ولسنا بحاجة لنداء من هذا أو ذاك، فهذا شرف لا يطلبه إلا أصحاب المصالح، أما المقاومون الحقيقيون يؤدون دورهم تحت راية المقاومة بغض النظر عن الأسماء، والمقاومة ملك للشارع المصري، والمناصب ملك لمن يسعون لواجهة اجتماعية. ليتنا نتعلم من د.عبد الجليل مصطفى.. قد نختلف معه، لكننا نحبه ونقدره ونثق في دوره وأخلاقياته.