تضيع الأمم وتذهب ريحها مع ضياع القيم والخلق الرشيد. صدق المشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. مواقف مرت هذه الأيام على صاحبى، كانت قاسية محطبة ومؤذية.. أحدها كان عائدا مع زوجته بقطار (التوربينى) من رحلة مراجعة طبية فى الإسكندرية لم تكن الرحلة شاقة بالدرجة الأولى، إلا أن موطأة المرض والملل والمساء كان حافزا للنوم جلوسا على مشارف القاهرة، لم يستيقظا عند وصول القطار، أخذهما النوم، نزل جميع الركاب لم يلفت نظرهما أحد من النازلين ولا فراش العربة، وبدأ التحرك من جديد ليرجع القطار إلى حوش (غمرة). ما هذا التجاهل المقيت بشخصين مريضين أخذهما النوم.. إن حوش (غمرة) مكان مبيت القطارات وصيانتها، غير مهئ للصعود أو النزول.. والمسافة بينه وبين التاكسيات غير مهددة، خاصة لكبار السن. هذا موقف سىء من الناس ومن العامل، لا مبالاة بالإنسانية وإن دل ذلك على شىء فإنه يدل على انتزاع الرحمة من القلوب. المشهد الثانى دل على ضياع القيم المجتمعية التى كانت تسود مجتمعنا المصرى وهو ما قيل عنه (التحرش الجنسى) يوم العيد، حين هاجم الشباب الفتيات بأسلوب وحشى جارح وقاتل لمعانى النخوة والرجولة ومعانى الخير والحق والجمال، مناف لكل عرف وكل دين وكل عقيدة أو مذهب، لقد ضاعت التربية والضمائر الحية لا من المعتدين فحسب.. بل من السائرين المشاهدين لما حدث، وقعودهم عن إحقاق الحق، والذب عن الفتيات يعتبر من النقائض التى تجلب غضب الرب. وثالث المشاهد المتكررة المؤسفة، والتى تدل على الأنانية والتسيب وعدم احترام الآخر، وهى مشهد الأخوة مزارعى الأرز الذين انتفخت جيوبهم من فروق سعر بين الأرز، وبدلا من حمد الله وشكره على النعمة، أبدلها كفرا وانتهزوا فرصة إجازة المراقبين وأشعلوا حرائق القش، وعادت السحابة السوداء على رئات الملايين حساسية وربوا وضيق تنفس وتلوث دون حياء من الله، ودون خوف من نقمته، إن كل صدر يتأذى، يضرع إلى الله المنتقم الجبار بأن يجعل نقمته على من ظلمه. وتذكرت قول الحق تبارك وتعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). وتذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). أين الناس؟ أين الشبا؟ أين المؤسسات والمنظمات والمجالس؟ أين الدين؟ أين العرف؟ هل ضاعت الإخوة؟. لنضرع إلى الله أن يصرف عنا سوء السهوة، وقلة النخوة، ونقيصه اللامبالاة .. إنه سميع الدعاء.