بعد الاعتصامات والاحتجاجات التى شهدها المجتمع المصرى على مدار الفترة السابقة وبعد النشاط غير المسبوق لجمعيات حقوق الإنسان يشهد المجتمع المصرى منذ فترة زيادة فى معدلات أحكام المحاكم الإدارية ونوعيتها وتأتى هذه الزيادة نتيجة لزيادة الدعاوى المرفوعة أمام القضاء الإدارى وهو الأداة التى كانت غائبة عن أذهان السواد الأعظم من المواطنين للحصول على حقوقهم مع لفت الانتباه إلى ان أحكام القضاء الإدارى لاتنفذ رغم أهميتها القانونية ودورها فى الحفاظ على حقوق المواطنين ماهى أسباب الظاهرة؟ وماهى المرجعية القانونية والدستورية لهذه الأحكام ؟ ومامدى دستورية تنفيذها والإجراءات القانونية التى يجب إتباعها فى حالة عدم الالتزام بتنفيذ هذه الأحكام ؟ وقبل أن نمضى فى الأجابة على الأسئلة السابقة نذّكر فقط ببعض اهم الاحكام التى اصدرتها المحكمة الادارية فى الفترة الاخيرة ومنها الحكم بوقف تصدير الغازلاسرائيل، والحكم بحجب المواقع الاباحية والموجه ضد وزير الاتصالات وكذلك الحكم بالغاء الحرس الجامعى وأيضا الحكم بوقف قرار وزير الداخلية القاضى بمنع استخدام المحمول فى أقسام الشرطة. الظلم البطي "العدالة البطيئة ظلم اكيد" قاعدة اصولية تؤكدها المستشاره نجوى الصادق المهدى نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية - وتطالب بضرورة نشر الوعى القانونى بين المواطنين بان الامتناع عن تنفيذ الاحكام القضائية جنحة يعاقب عليها القانون ولتفعيل تنفيذ احكام القضاء الادارى تؤكد ضرورة ان ينص القانون على تحديد مدة معينة تصدر خلالها الأحكام وقصر حالات تأخير صدورالأحكام على حالات الإحالة للخبراء أو الفصل فى مسألة جنائية متعلقة بالموضوع وذلك قياسا على وجود مدة محددة لسقوط الحكم وهى ثلاث سنوات . وأكد المستشار ابراهيم النحاس - نائب رئيس مجلس الدولة السابق وعضو المجالس المتخصصة - ان الإستشكال امام المحاكم المدنية يعد أهم أساليب التهرب من تنفيذ الأحكام الإدارية ولمواجهة هذا التهرب يجب تفعيل المادة ( 123) من نص قانون العقوبات والتى تفرض عقوبة الحبس والعزل من الوظيفة للمتهربين من تنفيذ الأحكام، وهنا تنبع ضرورة نشر الوعى العام بضرورة احترام سيادة القانون مشيرا إلى ضرورة الزام من صدرت ضده هذه الاحكام بالتنفيذ بمجرد صدور الحكم واخباره بعدم جواز وقف التنفيذ حتى وإن تم الطعن عليه امام المحكمة الإدارية العليا. ويشير الدكتور عاطف البنا - أستاذ القانون العام جامعة القاهرة - إلى أن التهرب من تنفيذ الأحكام الإدارية أصبح ظاهرة عامة تثير القلق وتضر ضررا بالغا بمصالح المواطنين خاصة فى ظل صعوبة تطبيق إجراءات القوة الجبرية لتنفيذ الأحكام الادارية كما يحدث فى استخدام هذه القوة لتنفيذ الأحكام القضائية وذلك لأن الأحكام الإدارية تصدر ضد جهات حكومية وأضاف : أن ما يزيد من خطورة الظاهرة ويساعد على زيادة معدلاتها هو وقف تنفيذ الأحكام بمجرد اعلان الجهة او الشخص الصادر ضده الحكم بأنه مستشكل، أما السبب الآخر الأكثر تأثيرا من وجهة نظر الدكتور عاطف ألبنا - فى زيادة معدلات الظاهرة هو استغلال المتهربين من تنفيذ الأحكام طول الإجراءات القانونية التى تعقب التقدم بالإستشكال الذى غالبا ما يكون أمام محاكم مدنية أوجهات أخرى غير مختصة. ويناشد الدكتور عاطف البنا هذه الجهات سرعة مواجهة هذا التحايل من قبل المتهربين حتى لا يعد ذلك تواطؤا منهم للإخلال بالقانون مؤكدا على ضرورة استقلال القضاء. وحول وجهة نظر الدكتور خالد زكى - أستاذ القانون الإدارى بجامعة عين شمس - فإنه يرى :أن مبدأ خضوع الدولة للقانون يعنى أيضا خضوعها للقضاء، ويعد من ابرز صور الخضوع ا لنزول على احكامه فلا قيام للدولة القانونية إلا بإحترام الأحكام القضائية وتنفيذها فشرعية الدولة تتأكد بإحترام أحكام القضاء والحرص على تنفيذها وتبدأ عملية تنفيذ الأحكام بصدور الحكم الحائز للقوة الجبرية، وهنا فان الحكم الإدارى يمتاز عن غيره من الاحكام بأنه قابل للتنفيذ بمجرد صدوره حيث أن الطعن عليه لايوقف تنفيذه إلا إذا أمرت المحكمة المطعون أمامها بوقف التنفيذ ويضيف: أن تنفيذ الاحكام الإدارية يختلف عن تنفيذ الاحكام العادية حيث أن الإدارة تنفذ الأحكام بنفسها حيث يحظر استعمال طرق التنفيذ العادية ضدها وهو ما يعرض صاحب الحكم لمماطلة الإدارة فى التنفيذ وفى ذلك تعارض مع الدستور الذى نص على سيادة القانون لذلك اعتبرفقهاء القانون الإدارى الفرنسى أن احدى معجزات احكام القضاء الإدارى هى التزام الإدارة بالتنفيذ الإجبارى للأحكام الإدارية وبالنسبة للأوضاع فى مصر يقول: إن مصر من الدول التى اهتمت بصورة كببيرة بتنفيذ الأحكام القضائية ولذلك عاقب القانون المصرى الموظف الذى يمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية بالعزل من الوظيفة وهو أمر تؤكد عليه الدولة فى اطار سعيها لتأكيد احترام وسيادة القانون.