تكاد العقول تصاب بالدوار وهي تري أعداء الأمس والأول من أمس والتاريخ كله، يتحولون إلى حلفاء، هذا هو المشهد الذي يشد أنظار العالم هو يري الداعية الإسلامي "يوسف القرضاوي" - رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - وهو يحث الأمريكان علي التقدم بقوة إلى الشام واحتلال سوريا لكي ينقذونها من النظام الديكتاتوري الحاكم، قائلا في خطبة جمعة عصماء: "علي أمريكا أن تقف وقفة رجولية لمرة واحدة للدفاع عن الشعب السوري الذي يقتل بدبابات وصواريخ بشار الأسد".....! وفي الخطبة ذاتها، وجه "القرضاوي" – أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين العالمية - الشكر للولايات المتحدة الأميركية، علي مساندتها للجيش السوري الحر، عسكريا وماديا، وذلك علي الرغم من أنه وفي استطلاع رسمي للراي في الولاياتالمتحدة فقد أعلن أغلبية الأمريكيين رفضهم لأي تدخل عسكري من جانب بلادهم في سورية، بعد أن عاني الشعب الأميريكي الأمرين في أعقاب حروب فاشلة في أفغانستان والعراق، ومن قبلها بثلاثة عقود في فييتنام. يزداد المشهد تناقضا، والأوراق اختلاطا، حينما تتناقل وكالات الإعلام تصريحات من المعسكر الجهادي السلفي في سورية، كتلك التى صدرت عن أحد قادة ميليشيا جبهة النصرة، وهو "أبو حفص الأدلبي" لوكالة آسيا في تركيا، مؤكدا فيها انه ليس هنالك أدني مشكلة في الاتفاق علي تحقيق السلام مع إسرائيل، قائلا بالحرف: "هم يريدون لنا حقوقنا، وكل واحد يرغب بتحقيق أهدافه". وواصل تصريحاته المثيرة للجدل، مهاجما الغرب علي تراخيه عن التدخل العسكري المباشر في سوريا، واكتفائه بإرسال الأسلحة إلى الجيش السوري مجانا، حيث قال ايضا بالنص: "نحن نريد دولة إسلامية تطبق شريعة الله. فالمجتمع الدّولي يراقب الجرائم التي يرتكبها جيش بشار، فلماذا لا يتم تسليح الجيش السوري الحر بالكامل إذا كان الغرب يؤمن بالدّيموقراطية في بلادنا؟".....! تتزايد مشاعر الذهول، حينما تتعرض سوريا لعدوان صهيوني غاشم علي أراضيها "العربية"، فإذا بالاحتفالات تنعقد في الجانب الآخر من الأراض السورية التى خرجت عن سيطرة النظام، وأصبحت تحت ايدي الثوار والجيش الحر والجماعات المسلحة المختلفة، وترتفع أعلام "سورية الحرة" جنبا إلى جنب وعلم "مصر الإخوانية"، وفي القلب منها علم إسرائيل........!!! علي الفور، يتقبل العدو الصهيوني – المفترض أنه لازال هكذا بالنسبة للبعض – الهدية، ويلقي "عاموس جلعاد" - رئيس مكتب الأمن السياسي في الحكومة الإسرائيلية – بقنبلة من العيار الثقيل بقوله: إن تنظيم القاعدة أفضل بكثير بالنسبة لإسرائيل من الرئيس السوري بشار الأسد ومحور المقاومة من إيران وسوريا وحزب الله"........!!! وعلي الإيقاع ذاته، تتعالي التصريحات المدوية من واشنطن ومن ورائها أتباعها في العواصم الأوروبية، كلها تجلجل رافعة شعار التدخل العسكري كحل وحيد وأخير بدعوي إنقاذ المواطنين السوريين من الطاغية بشار وأسلحته الكيماوية. وذلك علي أساس أن الاسلحة الكيماوية والقنابل شبه النووية وأسلحة الدمار الشامل التى أبادت أمريكا بها بغداد – عاصمة الخلافة الإسلامية سابقا - وقتلت الملايين من سكان العراق لا وجه للشبه بينها وبين أسلحة الأسد.........!!! إن بشار هو بالفعل طاغية دموي وسفاح تبوأ مكانه وسط قاتلي شعوبهم علي مر التاريخ، ولكن، من قال أن الدايناصورات، إذا افترضنا جدلا أنها عادت إلى قيد الحياه، يمكن أن تكون ملجأً للهروب من أنياب الأسد؟ أهي الحرب العالمية الثالثة؟ إن تقارير عديدة باتت تؤكد أن الحرب الصهيو أميركية قادمة والهدف العلني منها "حماية حرية النقل البحري في مضيق هرمز"، أما الفعلي فهو منع قيام المحور "طهران - بغداد - دمشق – بيروت"، عسكريا واقتصاديا وسياسيا. فالمؤكد أن هذا المحور المشمول بخطوط الغاز والبترول، مابين الخليج "الفارسي" والبحر الأبيض المتوسط، إذا اكتمل يعد ضربة قاصمة لإمبراطورية الكيان الصهيو أميركي في الخليج وفيم تفيد التقارير أن مصر ستبقي مؤقتا على الحياد في هذه المعركة المقبلة، إلا أن قيادتها المتأسلمة، قد تنضم لاحقا لمحور المنتصرين للحفاظ على بقية ما بقي لهم من حصة في اللعبة الجهنمية الكبرى التى يجري الإعداد لها علي مائدة شطرنج المنطقة، وصولا إلى حلم جماعة الإخوان في إعلان "دولة الخلافة" في المنطقة الممتدة ما بين الشام ومصر وربما تركيا، وهو الحلم الذي تحالفت من أجله مع الشيطان ذاته، وهو ما ينطبق علي إسرائيل وأمريكا وحتى نظام مبارك الفاسد، وذلك بالطبع وكما هو مفترض، بعد انتهاء الحرب بالانتصار – جنبا إلى جنب والكيان الصهيو أميركي على سورية وايران وروسيا والصين........!!! هل اقتربت الساعة؟ أهي الحروب الكبري إذن، التى تحدثت عنها الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها التى تتحدث عن تحالف بين المسلمين والروم - "الغرب" حاليا – ضد عدو من ورائهم، قد يكون هذا العدو هو النظام السوري وحلفائه إيران وحزب الله ومن ورائهم روسيا وكوريا الشمالية والصين؟ أهي الفتن، التى جاء ذكرها منها أحاديث أخري، محذرة من الانخراط في تلك الحروب التى تفتقد للهوية وتضيع فيها الرؤية الصحيحة للأمور، ويصبح فيها العدو حليفا، والأخ عدوا؟ عزيزي القارئ أتركك لترجع إلى كتب السنة والحديث، في محاولة للوصول إلى نقطة اتزان وسط هذه الدوامة العنيفة من الأحداث... ولنفكر سويا فيها حتى مقال قادم، إن شاء الله.