حسن البنا هناك مظاهر كثيرة لا يمكن تفسيرها بغير تبني فكرة قدوم الأفكار من (مكان آخر): فهناك مثلا ظاهر التخاطر حيث يمكن لنفس الفكرة التشكل في رأسين أو ثلاثة (ومثال ذلك بروز فكرة التطور في رأس داروين والفريد والاس، وفكرة التلفون في رأس غراهام بيل وأنطونيو ميوشي في نفس الوقت).. أيضا هناك ظاهرة اختراق الأفكار لحاجز الزمان والمكان (كأن نحلم بالمستقبل، أو نرى موقعا لم نزره من قبل) مما يثبت امتداد الأفكار خارج نطاق "جماجمنا" الصغيرة! ثم لا ننسى أن الأفكار ذاتها عبارة عن طاقة "كهروعصبية" يمكنها تشغيل الأجهزة الكهربائية الصغيرة.. ولأن الطاقة لا تولد ولا تستحدث ولكن تتحول من شكل لآخر يصبح الاحتمال كبيرا بتحولها إلى أفكار مجردة أو موجات كهرومغناطيسية تستقبلها العقول البشرية أو تتناقلها فيما بينها! ولكن المشكلة أن أي أدلة نسوقها لتأييد الاحتمال الأول يمكن بسهولة قلبها على الجهة الأخرى (مثل قطعة نقود معدنية) لتأييد الاحتمال الثاني!! والاحتمال الثاني (المتعلق بخلق الأفكار من العدم داخل العقل البشري) يؤيده علماء الأعصاب وأنصار المذهب المادي.. فهم مثلا يفسرون "الإلهام" و"الوحي" ورؤية الحلول أثناء النوم كمحصلة نهائية للتفكير المسبق بالفكرة والانشغال بها.. فحين ينشغل دماغك بمشكلة ما، وحين تفكر فيها بعمق من الطبيعي أن تحلم بها أو يأتيك حلها كوحي مفاجئ حين ينتهي دماغك من تحليلها بالكامل.. أما ما نسميه تخاطر بين عقلين فهو أيضا نتاج طبيعي لاهتمام المجتمع أو المجموعة بذات المشكلة وبالتالي من الطبيعي خروج أكثر من شخص بذات النتيجة والحل (ففكرة التطور مثلا نتيجة متوقعة للصراع الطويل بين الأفكار الدينية والعلمانية في أوروبا، وظهور التلفون كان التطور التالي والمنتظر لوسائل اتصال كثيرة ظهرت في القرن التاسع عشر)!! واستمر نشاطهم السياسي في هذا النهج، وأخذوا يحاسبون الحكومة حسابًا عسيرًا، ويتهمونها بممالأة الأجانب على حساب الوطن، والتساهل بتأليف الشركات التي تلبس أثواباً مصرية مستعارة، وبعجزها عن علاج مشكلة العمال العاطلين، وبترددها في قطع المفاوضات، وإعلان الجهاد، واشتدت حملة جريدتهم على المفاوضات، وعلى حكومة صدقي، وعلى الإنجليز بوجه خاص وشن عليهم صدقي حملة، فاعتقل عدداً منهم، وصادر جريدتهم، ثم قبض على الوكيل العام، وقابله الإخوان بحملة مثلها، ووقعت انفجارت في القاهرة والإسكندرية، اتهمتهم الحكومة بها فحوصرت دورهم وفُتشت، قاد صدقي حملة واسعة النطاق من النقل والتشريد، تناولت أخلص الموظفين من الإخوان في شتى المصالح والوزارات. واستقال صدقي، وتألفت وزارة النقراشي في 10 ديسمبر 1946 وفي يوم تأليفها نشر البنا مقالاً دعا فيه الحكومة الجديدة إلى اختصار الطريق، واحترام إرادة الأمة، وإنهاء المفاوضات، وسلوك سبيل الجهاد، ثم تابع نشر مقالاته في الجريدة مسفهًا منهاج الحكومة، مشيرًا إلى أنها حاربت الإخوان، وأغلقت مدارسهم، وسجنت أحرارهم ولاحقتهم بالتضييق والإرهاق. لم يُحِطْ الغموض قضيةً من قضايا الاغتيال السياسي بمثل ما أحيطت قضية اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأول مرشد لها. لقد اغتيل الإمام حسن البنا في 12من فبراير سنة 1949م الموافق 14من ربيع الثاني 1368 هجريًّا، يوم عيد ميلاد الملك السابق فاروق أحمد فؤاد، فكان اغتياله هديةَ عيد ميلاد ملكٍ جلَب الدماء لشعبه.. لقد حاول المجرمون طمسَ الجريمة وإخفاءها حتى لا تَصِلَ يدُ العدالة إليهم، ويضيعَ الدمُ الزكي، والروح الطاهرة هدرًا. انتهى التحقيق في القضية إلى حفظها ثلاث مرات لعدم معرفة الجناة، وجاء حسين سري باشا، وفتَح التحقيقَ من جديد، والذي انتهى أيضًا إلى الحفظ، وجاءت أيضًا وزارة النحَّاس باشا ووعَدت الإخوان بالقبض على مَن قتل مرشدَهم، ولكنها لم تفِ بوعدها وانتهى أيضًا التحقيق إلى الحفظ، وقامت حركة الجيش في 23 يوليو 1952 وأعيد التحقيقُ للمرة الرابعة لفضح مجازر العهود السابقة وقامت الشرطة بجمع المعلومات عن القضية وأحيل التحقيق إلى أمن الدولة وقُدِّم عددٌ من المتهمين وصدر الحكم بإدانة أربعة في أغسطس 1954. عندما أنزل الله تعالي يوم عرفة " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " اتضحت بصورة نهائية للإنسانية جمعاء أنه لا انتظار بعد ذلك لرسالة أخري أو كما وضحها رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل رجل بني دارا فأتمها إلا لبنة واحدة ، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم " . فكان من الطبيعي لهذه الأمة أن تواجه في مسيرتها الطويلة مواقف عصيبة لا عهد للتاريخ بها ، فابتليت في دينها – الإسلام – بمؤامرات وثورات ومقاومات داخلية وخارجية فكثيرا ما كان هذا الدين عرضة لتحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين ، ودخلت فيه البدع والأفكار الأعجمية وتسرب إليه الشرك والجاهلية عن طريق الأمم التي كانت تسلم ، وعن طريق التقليد والجهل ابتليت هذه الأمة بعصور وأجيال لم تعرفها أمة قبلها وأن تواجه صراعا في ميدان العقول والعلم والحضارة والاجتماع والتشريع لم تواجهها أمة في التاريخ ، ذلك أنها الأمة التي كتب لها أن تقود الإنسانية في شوطها الأخير بهدي الرسالة الخاتمة ، فأصبح من المحتم عليها أن تثبت جدارتها لهذه القيادة في كل زمان ومكان ، وفي أي ميدان ينشط فيه الإنسان . وقد استطاعت الأمة الإسلامية أن تنهض من كبواتها وتواجه العقبات بقوة : الأولي : هي الحيوية الكامنة في طبيعة الرسالة الإسلامية ذاتها ، التي تستطيع أن تواجهه احتياجات الإنسان المتطورة دائما ، بل وتنمي فيه طاقات فاعلة جديدة . الثانية : أن لله عز وجل قد تكفل بمنح الأمة الإسلامية رجالا أكفاء أقوياء ، يرثون الأنبياء ، فينقلون روح الرسالة إلي عصرهم باستنارة ووعي يعيدان شباب الأمة بحيث لا تكتهل ولا تهرم أبدا . وهاتان القوتان من لطف الله عز وجل للبشر جميعا ، فلو فقدت الأمة قدرتها علي استعادة قوتها وشبابها لفقدت الإنسانية قيادتها الرشيدة ولضاعت أمانة السماء وأمانة الإنسانية " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " . ومن تتبع تاريخ المسلمين الطويل حتى الآن نجد أنه في كل فترة ظلام وابتعاد عن روح الإسلام لابد أن يظهر أحد هؤلاء الدعاة إلي الله يتصدي لانحراف عصره بلا وجل ولا تردد من الباطل مهما اشتد بطشه ، ذلك أن طبيعة الرسالة الإسلامية تفرز من أتباعها في كل عصر من هذه العصور الكريمة من ينفخ نيران الحماسة الدينية ليغذي العزائم التي انتابها الخور أمام سلطان الهوى والشهوة الذي لا يضعف أبداً عند العامة والخاصة من البشر " إنا جعلنا ما علي الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا " . المؤسسة التى بناها حسن البنا على عمودين أحدهما سياسى قائم على تحقيق مصالح العباد وتقدم الأوطان ونهضتها، والآخر دعوى قائم على نشر الدعوة وتعاليم الدين الإسلامى الوسطية أصيبا بشروخ فى سنوات البحث عن التمكين والسلطة، والشروخ التى أصابت العمودين التى تقوم عليهما فكرة الإمام البنا وجماعة الإخوان المسلمين يصحبها بالتالى نزيف حاد فى الرصيد الشعبى الذى تمتلكه الجماعة يبدو واضحا فى حالة النفور الجماعى التى تسود الشارع المصرى تجاه قيادات الإخوان الذين اعتبروا أن قتل المعارضين وسحلهم وضربهم هو عقاب لهم على تسجيل هتافات ضد مرسى والإخوان على قصر الاتحادية، تاريخ البنا ودعوته نفسها شوهت على أيدى قيادات الجماعة الحالية وأصبح واضحا للجميع وتحديدا العناصر التى خرجت من الجماعة مؤخرا أن عصر البنا وأفكاره منفصلة تماماً ومنقطعة الصلة بما يفعله مكتب الإرشاد الآن، وأن ما يفعله بديع والشاطر ومرسى وعزت وحسين والعريان هو ناتج تطور تنظيم ساعى نحو السلطة وليس ناتج أفكار حسن البنا أو منهجه الذى لا ينفذه محمد مرسى، بل وربما يكون أبعد الناس عنه، لأن حسن البنا هو صاحب الوصية الأشهر للإخوان، والتى قال فيها: (كونوا كالشجر يرميكم الناس بالحجر فترمونهم بأطيب الثمر)، وهو ما لم ينفذه مرسى الذى يخرج على الشاشات ليهدد معارضيه ويرد إساءاتهم بوابل من التهديد والإساءات، وهو ما لا تفعله قيادات الإخوان الذين يردون على هتافات المعارضة بجيوش مسلحة تضربهم وتسحلهم فى الشوارع.