كانت الساعة تقترب من الرابعة فجرا.. طاقم العمل منكب على مراجعة اخر التجهيزات.... السائق يفحص السيارة ...فالرحلة الى الواحات الداخلة شاقة وطويلة ...والامر لا يحتمل أية اخطاء فالمسافة تزيد على التسعمائة كيلومتر... صعدنا الى السيارة ... وانطلقنا ..الكل يتمتم بدعاء السفر وببعض آيات القرآن... داعين الله أن يهون علينا مشاق السفر .. ثم يسود الصمت... وتمضى السيارة تشق طريقها فى شوارع العاصمة وقد خلت من المارة فى هذا الوقت المبكر من الصباح....دقائق قليلة وأشرفت بعدها السيارة على بداية طريق اسيوط الغربى وبدأت تنهب الطريق نهبا... كانت البداية فضول عجيب وملح لكشف النقاب عن بعض ملامح ذلك المجتمع البعيد... الغريب عن القاهريين بعادته وتقاليده.. مجتمع ضارب بجذوره فى عمق التاريخ... وها نحن على اعتاب المجهول... طاقم العمل استسلم للنوم... فالطريق طويل والكل يحاول ان يحافظ على طاقته قدر الامكان فالرحلة تستغرق اثنتا عشرة ساعة من السفر المتواصل ... اما انا فمكثت احدق فى السماء من خلف زجاج السيارة... لا تزال النجوم متناثرة على صفحة السماء الصافية وان بدا فى الافق بعض خيوط الضوء... ساعات وتوقفنا للراحة على احدى المقاهى على الطريق شأنها كشأن معظم المقاهى على الطرق المصرية.... الجو صحو ومشمس..... ومساحات شاسعة لانهائية من الصحارى تحيط بنا من كل جانب ... ثم أستأنفنا السير... و ما ان انتهينا من طريق اسيوط حتى بدات تشكيلات الصخور والرمال تختلف... لكن مازال الطريق امامنا طويلا فما زلنا فى اول النهار ولم نقطع سوى قدر بسيط من الرحلة الطويلة ...... ساعات مرت وكأنها الدهر .... زاد من وحشتها ندرة المارة على الطريق .... وانقطاع شبكات الهاتف فى معظم الاحيان ... الصمت يسود المكان وكأن على روؤسنا الطير ......وان كنت تلمح فى العيون المتناثرة فى ارجاء السيارة بعض القلق والترقب... كانت عقارب الساعة قد تخطت الواحدة ظهرا عندما بدأت اللافتات فى الافق تعلن عن قرب مقدم مدينة الخارجة ... وما هى الا دقائق .....وكنا نلتف حول اكواب الشاى الساخن على احدى مقاهى مدينة الخارجة نتبادل اطراف الحديث ونتناول بعض الاطعمة الخفيفة وننتظر ملء خزان السيارة بالوقود..... ومع دخول مدينة الخارجة تبخرت من رأسى كل احلام الطفولة التى كانت تداعب خيالى حول تلك المدينة فكانت ابعد ما يكون عن ذلك المجتمع البدائى القبلى الملتف حول عيون الماء فى قلب الصحراء يرعى قطعان الغنم والماشية... فالمدينة كانت تعج بأحدث انواع السيارات .... أما الطرز المعمارية فكانت كتلك الموجودة فى معظم محافظات مصر .... كافة الخدمات متاحة من عيادات الاطباء ومكاتب المحامين .... المطاعم .... الصيدليات .....لاشىء مختلف .... وللحديث بقيه ..............................