انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة هروب الطلبة والطالبات من المدارس وعلى الرغم من اختلاف مراحل العمر وتدرج المستويات الاجتماعية من ناحية والتفاوت المادي من ناحية أخرى إلا أن تلك الاختلافات اتفقت في شيء واحد وتحول إلى قضية تتحكم في مستقبل جيل بأكمله وأثار الجدل حول أسبابها واشتراك إطرافها . يرى عبد الناصر علي-المنسق العام للجان النقابية بنقابة المعلمين بالإسكندرية- أن المدرسة أصبحت مصدر منفر للطلبة فلا يوجد بداخلها ما يثير اهتمام الطالب ،ويجذبهم إلى الانتظام في الحضور بالإضافة إلى تدهور الأنشطة الرياضية في حصص الألعاب ، والمجالات الابتكارية كالمجال الزراعي ،والصناعي في المعامل المخصصة لهم ،فاختفاء الأنشطة الجاذبة للطلبة من الجنسين نتجت عنها سلبيات كثيرة مستنكرا هروب الطلبة من مدارسهم وتوجههم إلى محلات الكمبيوتر، على الرغم من توفر كم لاباس به من أجهزة الكمبيوتر داخل كل مدرسة وفرته لهم وزارة التربية والتعليم ،ولكن لا يقترب إلية أي طالب بناء على رغبة المدرسين ،ودائما يكون مغلق ولا يستخدم أي طالب بالأمر المباشر من المدرسين للطلبة ، أما معامل التدبير التي ساءت أحوالها للغاية من قبل المدرسات فهي لا تعلم الطالبات طرق طهي الطعام لعدم وجود ميزانية لإحضار أدوات الطهي ولا كيفية إدارة منزل . أضاف "علي" أن هروب الطلبة من المدارس نتيجة متوقعة ؛لسوء العامل النفسي من ناحية ،و تدهور العامل المادي من ناحية أخرى ، فنتج عن سوء الحالة النفسية للمدرسين أنهم أصبحوا غير قادرين على جذب الطلبة للمدارس وتعرقلت القدرة الفنية في توصيل المعلومة، اما عن تدني الحالة المادية للمدرسين انعكست بالسلب على فكر واهتمام كل من المدرس والطالب ،فأصبح المدرس كل ما يشغل فكره هو كم طالب ينضم إلى مجموعة الدرس الخصوصي التي يعد لها المدرس ،والمبلغ الذي سيحصل آخر الشهر ،فضلا عن الحالة المعنوية السيئة للمعلم التي تعمد الإعلام المصري أن يترك رسالة تهدف إلى ،الاهانة المتعمدة للمدرسين بداية من مسرحية مدرسة المشاغبين وحتى الآن ،فصور الإعلام المصري ،المدرس على انه شيء تافه لا جدوى منه ،ولا فائدة من وجوده فهي رسالة مقصودة من قبل النظام البائد التي كانت لتلك الرسالة اثر هدام في نشأة جيل لاقدرة له على تحمل المسئولية ؛ ونتج عنه تحول المدرس لعامل منفر للطلبة من المدارس ،والذي نتج عنه هروب الطلبة من المدارس وانحدار المؤسسة التعليمية في مصر . وذكر"علي" أن منذ فترة اندلعت مظاهرات في ألمانيا من قبل المستشارين ،والقضاة مطالبين المستشارة الألمانية بالمساواة في الراتب الشهري لهم ،مقارنة بما يتقاضاه المدرسين ،وأعضاء هيئة التدريس فردت عليهم المستشارة الألمانية قائلة :لا استطيع أن أساوي بينكم وبين من علمني ،وعلمكم . وتابع "علي" أن الأسرة المصرية من أكثر الأسر في العالم التي وقع عليها ظلم غير مسبوق النظير فهي ضحية لنظام بائد ،وظالم حيث تحكم النظام البائد في دور الأسرة ،وأسلوب التربية للأطفال فأصبحت الأسرة ينحصر دورها في جلب الأموال لتوفير حاجة أطفالهم من طعام ،وشراب ،وملابس بالإضافة إلى مصاريف المدارس ،والأموال المتعلقة بالدروس الخصوصية ،فأصبح الأب والأم لا وقت لديهم للتنسيق بين جلب الأموال من ناحية ،والاهتمام بالأولاد من ناحية أخرى ،وهذا ما كان يسعى إليه النظام البائد من تفكك اسري ،والحرص على هدم شخصية الطالب ،والانهيار الكامل لكرامة المدرس. وطالب "علي" الإعلام المصري الذي أساء للمعلمين على مدار 30عاما وأكثر ،أن يبرز الدور التربوي ،والعلمي للمدرسين لان نهضة مصر في مستقبل أولادها ،مطالبا بإعادة تأسيس العملية التعليمية من جديد مشيرا إلى دور وسائل الإعلام ،وقصور الثقافة ،والمساجد ،والنوادي ،والمشاركات الاجتماعية بمختلف أنواعها ،وأشكالها سواء في الشارع ؛أو في المواصلات ،ونبذ الإعلام للقيم السيئة التي نماها عند الطلبة سابقا ،وتبديلها بسلوكيات أخلاقية ،ودينية مشيرا إلى إعادة الهيكلة التربوية التي يقوم أساسها على الإعلام الهادف . وصرحت شامية عبد الوهاب –مدرسة أولى بالتربية والتعليم- أن العامل النفسي لدى الطلبة ،والمدرسين له الأولوية العظمى في سير العملية التعليمية بشكل جيد ومنتظم ،ولكن العامل النفسي لدى الطرفين سيء للغاية فلا يستطيع المدرس أن يقوم بواجبه في نشر العلم ،وعلى الجانب الآخر لا يستطيع الطالب تلقيها. وزادت "عبد الوهاب" أن تدني الأجور ،وإساءة الإعلام للدور البناء المعلمين ؛نتج عنة انحراف الطلبة عن المدارس ،وهدم الكيان الأسري ،والتربوي داخل المدرسة ،وزعزعة الاستقرار بين الطلبة ،والمدرسين . اختلف الرؤيا كثيرا عند سميحة غريب – الخبير التربوي – والتي ألقت المسئولية على عاتق كل من الأسرة ،والمدرسة ،والطالب نفسه قائلة : الخطأ مشترك بين الثلاثة فالمدرسة مقصرة ،والأسرة وكذلك الطالب نفسه ،فالجميع أخطا في حق الطلبة وما يحدث الآن هو حصاد لما زرعه النظام البائد على مدار 30 عاما . وشددت "غريب" على ضرورة المتابعة المستمرة من قبل المدرسة ،والأسرة فهي مسئولية مشتركة بينهما ، فيجب على كل مدرسة حصد الطلبة المتغيبين وعدد أيام غيابهم ،وتقوم بإبلاغ أولياء الأمور بعدد أيام الغياب التي سجلت على أبنائهم عن طريق الاتصال هاتفيا ؛أو إرسال جواب مسجل بعلم الوصول مرة واحدة أسبوعيا أو شهريا ،وعلى الأم متابعة ما كتبه ابنها من دروس أثناء الحصص اليومية ،ومساءلته عن المعلومات التي حصلها في هذا اليوم فضلا عن الاتصال الدائم بالمدرسة ،والاتصال المباشر بالمدرسة التي يلتحق بها الأبناء ،والتطلع الدائم على المستوى العلمي ،والخلقي للأبناء موضحة دور الأخصائي الاجتماعي في هذا ،وتفعيل دورة في الارتقاء بالمستوى الخلقي ،والنفسي للطلاب والنهوض بالمستوى الفكري للطلاب ،والتواصل الدائم بينه وبين الطلاب من ناحية ،وبين الأسرة والمدرسة من ناحية أخرى ، مؤكدة أن دور الأخصائي الاجتماعي في كل مدرسة أصبح يقتصر على تنظيم الرحلات المدرسية فقط . أكدت "غريب" على ضرورة تعرف أولياء الأمور على أصدقاء أبنائهم وأولياء أمورهم ،وتوجيه الأبناء إلى الصديق الصالح ،وتحذيرهم من الرفيق الفاسد مشددة على أن تقام طريقة الحوار على النقاش ،والتفاهم ،والإقناع ،محذرة أولياء الأمور من إتباع سياسة فرض الرأي ؛أو تنفيذ الأمر مع أبنائهم، لما لها من عواقب وخيمة على فكر الطالب ،واستجابته ،وتكوين شخصيته ؛وأيضا في نتيجة صداقته أو مقاربته من رفقاء السوء . وحذرت"غريب" جميع الأمهات من إهمال أبنائهم ،وعدم الانتباه إلى أصدقائهم ،مطالبة جميع الأمهات بضرورة التفرغ التام لمتابعة أولادهن ،والتعرف على أصدقائهم مؤكدة أن مستقبل الأبناء ،وأخلاقهن أهم من أي شيء يسعى إليه الآباء حتى ولو كان الأكل ذاته ، فعمل الأم في المنزل ،وليس في العمل خارجه ، مشيرة الى توجيه الأبناء للمثل العليا ،وإرشادهم إلى نوعية المسلسلات ،والأفلام التي تصلح لهم ،وان تكون المشاهدة لدعم فكرة تربوية محددة. واستنكرت "غريب" دور الإعلام السلبي الذي يدعو دائما إلى إهدار كرامة المدرس متسائلة :أيتناسى المنتجين والمخرجين والممثلين أن الذي علمهم هم المدرسين ،وان من علمني حرفا صرت له عبدا ،وليس ساخرا ،ومتهكما مشيرة إلى التعمد الهدام من قبل الإعلام تجاه المدرسين في دعمه مسرحية مدرسة المشاغبين ،التي أحدثت انقلابا في القيم ،والأخلاق لدى الطلاب ،وأهانت المدرسين وقللت من شانهم ،ووضعهم أمام الطلبة ،وعلى الرغم من أن المدرس عامل ايجابي في أي مجتمع إلا أن الطالب لا يشعر تجاه المدرس بنفس تلك القيم التي اعتاد الجيل السابق عليها . وعلى الجانب الأخر اختلف الوضع عند مصطفى سعيد الشريف –طالب بالثانوية العامة – أن السبب في هروبه من المدرسة انه لا يتلقى شيء ذات أهمية ،بالإضافة إلى أن المدرسة أصبحت مرهقة وكئيبة ، لأنه لا يذوق طعم الراحة الذهنية كانت أو الجسمانية أثناء تواجده بها ،فضلا عن اتجاهه بعد انتهاء اليوم الدراسي ،إلى الدروس الخصوصية ،وبعد ذلك يعود للمنزل ،ويطالبه أهله بان يتناول طعامه سريعا ليذاكر ما أخذه اليوم في المدرسة ،والدروس الخصوصية على الرغم من انه يكون في قمة الإرهاق ،ومع مرور الأيام أصبح عقلة لا يستوعب أي شيء قائلا: انا مخي تيس وجسمي نحس ،وبدا مستواه العلمي ينحدر في المدرسة ،والدروس الخصوصية ولاحظ أهله هذا في المنزل فلم يسلم من عقاب مدرسيه ،ووالديه أيضا . قرر"الشريف" أنه لا يذهب للمدرسة ؛ليأخذ قسطا كافيا من الراحة الذهنية، والترفية اليومي ليستطيع الاستيعاب ،والتفرغ للدروس الخصوصية ،والمذاكرة بعد أن حرص على تخفيف العبا على نفسه للتفرغ لما هو اهم من المدرسة بكثير . وصرح طه محمد النزهي – طالب بالمرحلة الإعدادية – أن السبب في عدم ذهابه للمدرسة عائدا إلى ،شعوره أن المدرسة سجن بلا جريمة على حد وصفة متسائلا: أنا لم افعل شيء خطا حتى يتخلص مني والداي ويضعوني في سجن كل سجانيه مرضى نفسيين ،فالناظر يعاقب المدرس بالخصم من راتبه الشهري ،والمدرس يعاقب الطالب بالضرب ،وعلى الرغم من أن الضرب منع في المدارس إلا انه هو الوسيلة الوحيدة لتلقي العلم من وجهة نظر المدرسين ،فالمدرسة أصبحت مكان لتلقى الاهانة، وليس العلم . وفي نفس الوقت أشار زميله يحيى الحناوى – بالمرحلة الإعدادية- انه لا يجد جدوى من ذهابه للمدرسة فالخبرات ،والعلم الحقيقي حصل عليهم من الشارع ليس من المدرسة آو المنزل ، وان الشخصية الحقيقية للطالب تبنى من الشارع لأننا نستطيع أن نأخذ به حقنا ،أما المدرسة تهدر كرامتنا وتزرع بداخلنا الجبن ،والنفاق ،والرشوة ،فعندما يجبرنا المدرسين على أن نأخذ عندهم دروس خصوصية مقابل أن ننجح في الامتحانات الشهرية فهذه تعد رشوة ،وعندما يجبرنا المدرسين أن نقول للمفتشين أنهم ممتازين ،ولا يقومون بضربنا ،وأننا نتلقى منهم العلم على أكمل وجه فهذا يعد درس في النفاق ، وعندما لا نقدر أن نقول ،لا للمدرسين الذين يتلقون الرشوة منا ،ويكمموا أفواهنا عند حضور المفتش ،فهذا درسا آخر في الجبن يأتي هذا كله على النقيض ،مع الشارع الذي نخرج إليه كل صباح ،فنحن نتعلم منه ما يجب أن نتعلمه في المدارس وهو يؤثر على شخصيتنا الحقيقية بالإيجاب ،وليس بالسلب مشيرا إلى الخبرات التي نتلقاها من الشارع ليس من المدرسة ،أو المنزل . وشارك محمد ثروت وهبه – بالمرحلة الثانوية الصناعية أن سبب هروبه من المدرسة انه لا يستفيد شيء من المدرسة ،وان المدرسة أصبحت كئيبة، وانه يشعر عندما يذهب إليها أن العمر يمر دون جدوى بالإضافة انه على يقين أن التعليم لا فائدة لان الدراسة التي نتلقاها تختلف عن الحياة العلمية فأصبحت المدرسة عبء مادي ومعنوي على الطالب.