بيروت (رويترز) - ستمثل العقوبات النفطية التي من المتوقع أن يفرضها الاتحاد الاوروبي على دمشق بسبب قمع المحتجين ضربة قوية للاقتصاد السوري لكن تسريع إنهاء حكم الرئيس بشار الاسد ربما يحتاج أكثر من ذلك. وتسببت الاحتجاجات والردود الحكومية الانتقامية عليها على مدى خمسة أشهر في أضرار اقتصادية كبيرة. وحتى قبل الحظر النفطي المُرجح ان تفرضه اوروبا على سوريا كانت قطاعات السياحة والتجارة والصناعة والاستثمار الاجنبي قد انهارت ما أدى الى تبديد النمو الذي تحقق على مدى السنوات العشر الماضية وبدء استنزاف الاحتياطيات المالية للبلاد ودفع كثيرا من السوريين الى صفوف العاطلين. وقال أحد رجال الصناعة ان البعض نفد صبره مع تدهور التوقعات الاقتصادية. غير أن الطبقات الغنية في دمشق وحلب مازالت متمسكة بولائها للأسد كما أن ارتفاع اسعار النفط على مدى أشهر يعني أن حكومته مازالت لديها احتياطات كبيرة بالعملة الصعبة يمكنها اللجوء اليها. وأكد دبلوماسيون من الاتحاد الاوروبي يوم الجمعة الماضي خططا لفرض عقوبات على استيراد النفط من سوريا قائلين ان الحظر ربما يفرض هذا الاسبوع. ووقف مبيعات النفط لاوروبا سيعطل تدفق العملة الصعبة ويدفع سوريا الى عرض نفطها بأسعار أقل بكثير لعملاء جدد. وتنتج سوريا نحو 385000 برميل يوميا من النفط وتصدر نحو 150 الف برميل يوميا يتوجه أغلبها الى أوروبا. وقال ايهم كامل المحلل بمجموعة أوراسيا "سيتعين على سوريا أن تبيع النفط بسعر مخفض ... وهذا مهم وان كان غير كاف لافلاس النظام." وقال مستشار أسواق النفط أوليفر جاكوب من بتروماتريكس ان تحديد مشترين جدد -ربما من اسيا- لخام السويداء السوري الثقيل العالي الكبريت الذي يمثل النسبة الاكبر من الصادرات السورية سيحتاج لوقت. وأضاف "اذا كنت ستحاول استهداف مصفاة جديدة فانك تحتاج لوقت يقدر بالشهور وليس بالايام." وتقييم الاثر الاوسع للاضطرابات في سوريا على الاقتصاد أمر صعب بسبب غياب البيانات اذ تغطي أحدث بيانات أصدرها البنك المركزي شهر أبريل نيسان الماضي بعد أسابيع من اندلاع الاضطرابات في منتصف مارس اذار. وأظهرت البيانات انخفاض ودائع البنوك بنسبة 29 بالمئة الى 241.7 مليار ليرة سورية ( 5.1 مليار دولار) بين فبراير شباط ومارس. ويقول البنك المركزي ان جزءا كبيرا من هذه الاموال عاد بعد رفع سعر الفائدة على الودائع في أوائل مايو أيار لكن الخطوات الرامية الى الحد من بيع الدولارات قبل نحو أسبوعين تشير الى أنه يواجه صعوبات في دعم العملة المحلية. ويجري تداول الليرة السورية رسميا عند سعر 47.7 ليرة للدولار لكن يجري تداولها بأكثر من 50 ليرة للدولار في مكاتب الصرافة الخاصة. وتراجعت أسعار الاسهم في البورصة السورية بنسبة 46 بالمئة عن ذورتها في أواخر يناير كانون الثاني. وفي توقع أعد قبل اقتراح فرض عقوبات نفطية قال الاقتصادي الحسن عاشي من مركز كارنيجي للشرق الاوسط ان الاقتصاد - الذي توقع صندوق النقد الدولي في بداية العام أن ينمو بمعدل ثلاثة بالمئة - سينكمش بأكثر من خمسة بالمئة. وأضاف "لم تشهد سوريا مثل هذا الانحدار في السنوات العشر الماضية. حتى الازمة المالية العالمية لم تؤثر على الاقتصاد لانه كان اقتصادا مغلقا وصغيرا." وقال رجل أعمال في سوريا يستورد معدات هيدروليكية أوروبية ان الشركات الالمانية أبلغته أنها ستجمد الطلبيات المستقبلية حتى تهدأ الازمة السياسية في سوريا. واضاف "الوضع يزداد سوءا... أوقفت الاستيراد بسبب الخوف من الوضع الداخلي. أبيع بالاجل واذا تدهور الوضع الامني ستحدث فوضى وسيصعب تحصيل المال." وقال رجل صناعة من دمشق يصدر منتجات الالبان الى اسواق الشرق الاوسط ان رجال الاعمال يشعرون بأن الحملة الامنية تضر بمصالحهم. واضاف "انهم يرون السفينة تغرق ويستعدون للقفز منها." ويقول مصرفيون ان قرارات شركات بطاقات ائتمان امريكية بتعليق أنشطتها في سوريا في أعقاب أحدث جولة من العقوبات الامريكية على دمشق والتي تشمل عقوبات على أكبر بنك تجاري دفعت الى تحويل الاموال من فروع البنوك الاجنبية في سوريا الى حسابات في الاردن ولبنان. وقال عاشي ان التجارة بين سوريا وجيرانها تراجعت بما يرجح أن يكون بين 30 و40 بالمئة. وانهيار الاستثمار والسياحة يعني أن ايرادات النفط وتحويلات السوريين العاملين بالخارج هما المصدرين الوحيدين للدخل الباقيين حتى الان. وتابع أن هناك دلائل على أن الحكومة أوقفت بالفعل الانفاق الاستثماري على البنية الاساسية والمدارس والمستشفيات للتركيز على الاحتياجات الاكثر الحاحا. وأضاف أن أي تعطيل لصادرات النفط التي تبلغ ايرادتها 2.5 مليار دولار سنويا "سيكون له أثر مباشر على الانفاق الجاري كذلك... وهذا يعني على الارجح أن الحكومة لن تتمكن من دفع أجور العاملين في الدولة." وأضاف "ثلاثون بالمئة من قوة العمل تعمل بالقطاع العام وهذا يعني أن الاقتصاد سيظل يتأثر لان هؤلاء يستهلكون كذلك ويدفعون ايجارات ويشترون الغذاء والكساء." وهذا التعطل من شأنه اثارة المزيد من الانشقاق على الاسد وقال عاشي ان التكلفة المالية للاضطرابات قد تسقط حكمه في نهاية الامر. لكن أيهم المحلل لدى اورواسيا قال ان من المستبعد أن يكون الاثر الفوري كبيرا وان حصارا تجاريا اوسع نطاقا يفرضه الاتحاد الاوروبي هو الذي من شأنه الضغط على سوريا. واضاف أن فرض الاتحاد الاوروبي لعقوبات نفطية لن يكون له أثر كبير فيما يتعلق بالقيود المالية على النظام بخصوص العملة الصعبة. ومما يمنح سوريا متنفسا انها دخلت هذه الازمة باحتياطيات ضخمة بالعملة الاجنبية يعتقد انها تتراوح بين 16 و18 مليار دولار مع عبء دين منخفض يمثل نحو ربع الناتج المحلي الاجمالي نصفه دين خارجي. ويقول عاشي ان ذلك سيرتفع على الارجح نظرا لتضافر انخفاض الايرادات وارتفاع النفقات - بما في ذلك دعم الوقود ورفع اجور العاملين في القطاع العام بهدف احتواء المعارضة - في ظل اقتصاد منكمش مما قد يدفع العجز المحتمل للميزانية فوق ثمانية بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي هذا العام.