مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في حرب غزة 2023 حيز التنفيذ، عادت التساؤلات حول المستقبل السياسي والاقتصادي للقطاع في اليوم التالي لتوقف الحرب. إلا أن هذا التساؤل تم اعتراضه بتساؤل أهم وأكثر خطورة، ويدور حول ضمانات عدم قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي بضرب واحتلال قطاع غزة مرة أخرى. وهو تساؤل مشروع قد يُفرغ موضوع إعمار غزة من مضمونه. لذا يقتضي الأمر حل معضلة الضمانات والتأكد من عدم قيام كيان الاحتلال بتدمير القطاع مرة أخرى. صحيح أن الولاياتالمتحدة هي الضامن لتنفيذ هذا الاتفاق، بالإضافة إلى وجود الوسطاء (مصر وقطر وتركيا) وضامنين وفاعلين دوليين وإقليميين شهدوا توقيع الاتفاق بمبادئه العشرين، إلا أن ما سبق قد لا يقف حائلاً أمام خرق الاتفاق أو الالتفاف عليه تحت شعار أو معضلة "الحفاظ على أمن إسرائيل"! ويخبرنا تاريخ الحروب والمواجهات بين كيان الاحتلال والفلسطينيين في قطاع غزة منذ 1948 مروراً باشتعال الانتفاضة الأولى من غزة عام 1987، وفي 2001 و2004 (عملية قوس قزح)، وفي 2005 (عملية أيام الندم)، ثم في 2006 (عملية سيف جلعاد) لاستعادة الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط، ثم حرب 2008 التي عُرفت باسم الرصاص المصبوب، ثم عملية "عمود السحاب" و"الجرف الصامد" عام 2014. وفي عام 2019 شنت إسرائيل عملية "صيحة الفجر" لاغتيال الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ثم عملية "وحدة الساحات" عام 2022، وانتهاء بحرب غزة 2023. وفي كل من هذه العمليات والحروب، تعرض قطاع غزة للتدمير الجزئي أكثر من مرة، وتم اغتيال، إلى جانب القيادات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي وحماس، نساء وأطفال تعدوا الألف نسمة في كل عملية. كما كان يعقب كل عملية أو حرب من العمليات السابقة وضع خطط من قبل حركة حماس تحديداً لإعادة الإعمار بتمويل متباين، غير أن حجم التدمير للبنية التحتية وللممتلكات المادية والبشرية في حرب غزة 2023 غير مسبوق، ليس فقط في تاريخ قطاع غزة، ولكن في تاريخ الحروب والصراعات الحديثة والمعاصرة. كما أن ما سبق يشير إلى أن الفاصل الزمني بين الحروب والعمليات التي شنها كيان الاحتلال الإسرائيلي على غزة ضيق وصغير، بما يرسخ فكرة اللايقين وعدم التسرع في البدء في تنفيذ عمليات إعادة الإعمار بدون ضمانات وتخطيط جيد ومحكم. وقد وضعت السلطة الفلسطينية من خلال وزارة التخطيط والتعاون الدولي خطة لإعادة إعمار قطاع غزة والآليات التنفيذية لها، تمهيداً لتقديمها إلى المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار المقرر عقده في مصر في منتصف نوفمبر 2025، في ظل آمال بتبني دول العالم الخطة وتوفير الدعم المالي لها بقيمة تصل إلى 67 مليار دولار. جدير بالذكر أن الخطة التنفيذية تتضمن 56 برنامجاً في 18 قطاعاً مبنياً على خمسة أعمدة أساسية، وهي القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والبنية التحتية، وكذلك الحوكمة والإسكان. في الجزء الثاني سيتم تناول ملامح إعادة الإعمار المطلوبة في هذه القطاعات بالمزيد من التفصيل والتحليل.