في واحدة من أكثر القضايا وجعًا في أروقة القضاء، وقفت أم في قفص الاتهام لا لتدافع عن ابنها، بل لتواجه تهمة قتله بيديها، مشهد تقشعر له الأبدان شهدته قاعة محكمة جنايات فوه، حيث تحاكم ربة منزل من مدينة فوه بمحافظة كفر الشيخ بتهمة قتل نجلها الوحيد بعد أن سمّمته ب"حبة غلة" ثم شنقته بحبل وجنش أعدتهما مسبقًا. - دموع وذهول في قاعة المحكمة سادت حالة من الصمت في قاعة المحكمة لا يقطعها سوى صوت أنين مكتوم ودموع حبيسة في العيون. - اعترافات المتهمة بدت المتهمة "نوال. س. ع. س" 37 عامًا، ربة منزل - شاحبة، محنية الرأس، تتشبث بروايتها أن نجلها "محمد" لم يُقتل، بل أنهى حياته بنفسه، قائلة: "كنت أنا ومحمد في الشقة لوحدنا يوم الجمعة... هو اللي وصل أخته الدرس، وأنا كنت بنشر الغسيل، وبعدها بدقايق دخلت أوضته لقيته متعلق في رباط قماش، شانق نفسه، وكان جاب الأنبوبة ووقف عليها." لكن تلك الرواية لم تمر مرور الكرام على هيئة المحكمة، إذ أشار القاضي إلى أن تقرير الطب الشرعي أثبت وجود خدوش وكدمات على جسد الضحية لا يمكن تفسيرها بالانتحار. واجه القاضي الأم، قائلًا: "إزاي خربش نفسه وأظافره مقصوصة؟" وبصوت حازم، واجه المستشار خالد بدر الدين، رئيس المحكمة، المتهمة بتناقض أقوالها قائلًا: "إنتي قولتي في التحقيقات إن الخرابيش بجسمه كانت من حلاوة الروح... طيب إزاي خربش نفسه والدكتور كاتب إن أظافره كانت مقصوصة؟" القاعة صمتت تمامًا، والأم وقفت مذهولة، تتلعثم في الكلام وتردد باكية: "والله ما قتلته... ابني كان زعلان مني." لحظة صمت تلتها نظرات ثقيلة من الجميع، بينما بدا القاضي متأملًا في أوراق القضية، كأنه يقرأ ما وراء الكلمات. - سرقة وتهديد.. وخيوط تتشابك كشفت المتهمة خلال الجلسة أنها اكتشفت سرقة نجلها مبلغًا من المال، فهددته بإبلاغ والده المقيم في الخارج، قائلة: "قلت له هكلم أبوك لو ما رجعتش الفلوس، ما كنتش متخيلة اللي حصل بعد كده." لكن التحقيقات كشفت تفاصيل أبعد من ذلك، إذ عُثر في هاتفها على صور ومحتوى غير لائق، لتفتح بذلك بابًا جديدًا من التساؤلات حول من كان يبتزها أو يشاركها هذا السر، وهل لذلك علاقة بالجريمة؟ - النيابة: الجريمة مخططة بدقة كشفت أوراق القضية رقم 5555 لسنة 2024 جنايات مركز فوه، أن الجريمة لم تكن وليدة لحظة غضب، بل تم التخطيط لها مسبقًا. وأوضحت التحقيقات أن الأم أعدت مادة سامة (حبة الغلة) وحبلًا من "رباط قماش"، ودست السم في طعام ابنها حتى أضعفته المادة القاتلة، ثم أجهزت عليه وربطت عنقه بالحبل بمساعدة شخص مجهول، وعلّقته بجنش في سقف الغرفة لتبدو الواقعة كأنها انتحار. وأكد تقرير الطب الشرعي أن الوفاة جاءت نتيجة تسمم حاد وخنق متعمد، وأن الجريمة تمت بقصد إزهاق الروح عمدًا. - تفاصيل المحاكمة تشكلت هيئة المحكمة من المستشار خالد قطب بدر الدين رئيسًا، وعضوية المستشارين محمد مبروك عبد العاطي ومحمود محمود يوسف، وسكرتارية أحمد الميداني، وبحضور وكيل النيابة إيهاب صادق. وخلال الجلسة، ختم القاضي كلماته بعبارة موجعة، قائلا: "أصعب ما يمكن أن تراه العدالة... أم في قفص الاتهام بتهمة قتل ابنها"، القاعة ارتجفت، والأم انهارت باكية، تتمتم بكلمات غير مفهومة عن القدر والظلم. وتواصل المحكمة نظر القضية لاستكمال الاستماع إلى أقوال الشهود ومرافعة الدفاع خلال الجلسات المقبلة، تمهيدًا للفصل في القضية وفق ما ستثبته الأدلة وتقارير الطب الشرعي. وتبقى الواقعة إحدى القضايا التي أثارت اهتمام الرأي العام في كفر الشيخ، لما تحمله من تفاصيل إنسانية مؤلمة وأسئلة كثيرة تنتظر إجاباتها في قاعة العدالة.