حذر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية من هجر الوالدين في كبرهما وتركهما دون رعاية حتى يصابا بأذى، مؤكدًا أنه عقوق منهي عنه شرعًا وكبيرة من كبائر المحرمات، لافتا إلى أن الإنفاق على الوالدين دون سؤال ولا عناية ولا مؤانسة لا يرفع إثم العقوق. وأكد الأزهر للفتوى أن الشريعة الإسلامية قد أولت الوالدين في مرحلة الكِبَر عناية خاصة، لما يكونان فيه من ضعف وحاجة إلى الرعاية المادية والمعنوية؛ فبعد أن أمر الحق سبحانه ببر الوالدين في جميع الأحوال، خص كبرهما بوصية مستقلة، فقال سبحانه: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]؛ آمرًا بالإحسان، ولين القول، والصبر على ما قد يظهر منهما من ضعف أو عجز، وجعل ذلك من أعظم القُرُبات. وأضاف مركز الأزهر، في بيان فتواه - نشره عبر قنواته الرسمية: جعل الله سبحانه أجر بر الوالدين والإحسان إليهما أو أحدهما -سيما في الكبر- كأجر الحج والعمرة والجهاد في سبيله، فقد أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟» قَالَ: أُمِّي، قَالَ: «فَاتَّقِ اللهَ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ، وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللهَ وَبِرَّهَا». [أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان]. وجعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السعي على حاجاتهما وطلب رضاهما جهاد في سبيل الله؛ فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قال: نعم، قال: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». [أخرجه مسلم] وحذر مركز الأزهر العالمي من هجر الوالدين وتركهما دون رعاية، قائلًا: ومع هذا البيان الشرعي الواضح، فقد ظهرت في واقعنا المعاصر صور مؤلمة من هجر الوالدين بالكلية، وتركهما في منزلهما بلا متابعة ولا نفقة ولا رعاية، حتى يُصيب أحدهما الأذى، وربما مات بعضهم مرضًا أو قهرًا أو جوعًا أو وحدةً دون أن يعلم أبناؤهم إلا بعد أيام، وهو عقوق لهما، وتنكر لفضلهما، وانصراف عن برهما في وقت هم فيه أحوج ما يكونان إلى البر، ومهما كثرت المسئوليات، وأعمال الحياة؛ فليس هناك ما يبرر إهمال الوالدين مطلقًا، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟» قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: «الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ». [متفق عليه] وتابع: كما أنه لا يرفع إثم العقوق اكتفاء الأولاد بالإنفاق على الوالدين دون سؤال ولا عناية ولا مؤانسة، حتى إنه لتمر الأعوام تلو الأعوام، دون أن يرى الوالدان أولادهم ولا أحفادهم، فللوالدين حق أسري نفسي إلى جوار حقهم المادي؛ ردًّا لإحسانهم بالإحسان، وبرًا بهم بعد أن بذلوا زهرة شبابهم وأموالهم وأقواتهم وأوقاتهم، وكما أن إدخال السرور على الوالدين إحسان مبرور، كذلك إحزانهما نفسيًّا من العقوق؛ يقول ابن عمر رضي الله عنهما: «بكاء الوالدين من العقوق». [الأدب المفرد] وشدد مركز الأزهر على أن البر بهما لا يقف عند حدود النفقة فحسب، بل يشمل حسن السؤال عنهما، ومجالستهما، وتطييب خاطرهما، ومؤانستهما في وحدتهما، وإدخال السرور عليهما؛ فإن في ذلك قربة عظيمة لا يعدلها كثير من أعمال البر والطاعات. ووجه الأزهر للفتوى رسالة للأبناء، قائلًا: فيا أيها الأبناء؛ اجعلوا برَّ والديكم زادًا لكم إلى الجنة، وسببًا لرضا الله عنكم، وتوفيقه لكم في كل شئون حياتكم؛ فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رِضا اللهِ في رِضا الوالدِ، وسَخَطُ اللهِ في سَخَطِ الوالدِ» [أخرجه الترمذي]. وتذكروا أن ما تزرعونه اليوم في حياة والديكم ستحصدونه غدًا في أولادكم، وأن دعوة الوالدين الصادقة لا ترد، فكم من عمل صالح رُفِع، وكم من بلاء دُفِع ببركة دعوة صالحة، من أب أو أم؛ يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنْ شِئتَ فأضِعْ ذلك البابَ أو احفَظْه». [أخرجه الترمذي] اقرأ أيضا: بعد جدل عمرة البدل.. مفاجأة: الإفتاء تجيز النيابة في أداء الحج مقابل أجر بعد جدل عمرة البدل.. هل يجوز للمرأة النيابة عن الرجل في أداء العمرة؟ داعية إسلامي عن عمرة 4 آلاف جنيه: فتاوى ضالة