تُظهر أية انتخابات برلمانية مدى قوة الحياة الحزبية في البلد المعني. ولا تقاس قوة الحياة الحزبية بعدد الأحزاب الموجودة فقط. فقد تباينت التقديرات حول عدد الأحزاب السياسية في مصر الذي يتراوح بين 87-114 حزباً سياسيا وفقاً لبيانات الهيئة العامة للاستعلامات والهيئة الوطنية للانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أن هذا العدد الكبير لا يعني بالضرورة وجود تأثير متساوٍ لجميع هذه الأحزاب على الساحة السياسية، فبعضها يكون له ثقل وتأثير أكبر، بينما قد يكون وجود البعض الآخر "شكليًا" أو محدود التأثير. على سبيل المثال، لا يُمثل في البرلمان الحالي سوى 14 حزبًا فقط، حيث يستحوذ حزب "مستقبل وطن" على الأغلبية البرلمانية. ويرى بعض الأكاديميين والمثقفين والسياسيين أن كثرة الأحزاب وإن كان مثالاً حياً على التعددية السياسية وعلى حيوية الحياة الحزبية في مصر، غير أن التعددية الحزبية قد تكون كاشفة لبعض التحديات وعوامل الضعف الهيكلية التي تعاني منها بعض الأحزاب في مصر والتي تنعكس على قدرتها على المنافسة الحقيقية في أية انتخابات نيابية. ومن بين عوامل الضعف العام هي الصورة السلبية للأحزاب وفقدان الثقة. فهناك تيار سائد في المجتمع المصري ينظر إلى العمل السياسي والأحزاب بصفة عامة بكثير من الشك والريبة. فهناك اعتقاد سائد بأن من يعمل في العمل السياسي منتفع. كما يوجد فقدان للثقة من قبل قطاعات مختلفة من الشعب المصري في الأحزاب نتيجة لممارسات سابقة أو تصورات سلبية. يضاف لما سبق غياب الثقافة الحزبية لدى الشعب وأحيانًا لدى أعضاء الأحزاب أنفسهم، حيث قد يتم الانضمام بناءً على علاقات شخصية أو مصالح فردية وليس بناءً على أيديولوجية أو مبادئ. كما أنه من بين عوامل الضعف البارزة غياب الديمقراطية الداخلية، حيث تعاني العديد من الأحزاب من مشكلات تتعلق بالديمقراطية الداخلية، مما يؤدي إلى: تركز السلطة في يد عدد قليل من الأشخاص أو قيادات معينة، وعدم تداول السلطة بشكل ديمقراطي داخل الحزب. فضلا ِعن وجود صراعات شخصية على المناصب بدلاً من الاختلاف الفكري أو الأيديولوجي، مما يضعف من التماسك الداخلي للحزب. بالإضافة إلى غياب الآليات الواضحة لفض النزاعات الداخلية. أيضاً، قد يؤدى ضعف التواصل مع الشارع والقاعدة الجماهيرية إلى ضعف فاعلية الأحزاب السياسية. فيُنتقد العديد من الأحزاب لكونها نخبوية وغير قادرة على الوصول إلى الجماهير العادية وفهم مشاكلها الحقيقية. من أبرز هذه المشكلات: عدم القدرة على مخاطبة الجماهير بشكل واقعي وفعال، خاصة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة. والاعتماد على اللقاءات النخبوية ووسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من النزول إلى الشارع. وعدم القدرة على جذب الشباب وتمثيل همومهم، مما يؤثر على قدرة الأحزاب على بناء قواعد شعبية واسعة. وجميع هذه العوامل وغيرها تقلل من أهمية المقولة السائدة بأن مشكلات الأحزاب السياسية في مصر تكمن في ضعف التمويل والموارد. فمن الصعب إغفال المشكلات وعوامل الضعف السابقة حتى في ظل توافر تمويل للأحزاب السياسية. باختصار، يمكن القول إن الأحزاب السياسية في مصر تعاني من تشتت الجهود وصعوبة تشكيل جبهات قوية ومؤثرة. الأمر الذي جعل البعض ينادي بدمج الأحزاب المتشابهة في برامجها وأفكارها لتشكيل كيانات أكبر وأكثر فاعلية. كما أن الأحزاب السياسية غالبًا ما تُعزي ضعفها إلى مزيج من العوامل الداخلية (مثل ضعف التمويل) والعوامل الخارجية (مثل بيئة العمل السياسي وتصورات الجمهور) الأمر الذي يجعل المواطن في حيرة من أمره حينما يقرر المشاركة في العملية الانتخابية. حيث يتوقع منافسة انتخابية حقيقية بين أحزاب متعددة لديها رؤى وبرامج وبدائل سياسات تتسم بالنزاهة والشفافية وتحترم القانون.