تصوير- محمود بكار: قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: "إنَّ الإسلامِ الحنيفِ دِينٌ شاملٌ لأمورِ الدنيا والآخرةِ، وجاءتْ تعاليمُه الإسلامِ وأوامرُه بالإحسانِ إلى كلِّ شيءٍ لِيشملَ ذلكَ الإحسانُ الإنسانَ وما يحيطُ بِه مِن بيئةٍ خلقَها اللهُ تعالى مسخرةً لمنافعِ الإنسانِ ومُيَسَّرةً لتحقيقِ غايةِ وجودِه فيها مِن عبادةِ اللهِ تعالى وتزكيةِ النفسِ وإعمارِ الأرضِ. وأضاف خلال كلمته في مؤتمر الدولي بجامعة الأزهر حول "تغير المُناخ"، السبت، بمركز المنارة للمؤتمرات بالتجمع الخامس، أنه لما كانتِ البيئةُ بما فيها مِن ثرواتٍ وخيراتٍ مِنحةً إلهيةً وَهِبةً ربانيةً، يشتركُ فيها جميعُ الناسِ؛ فقدْ أمرَنا اللهُ تعالى بالمحافظةِ عليها والاعتناءِ بها وعدمِ الاعتداءِ عليها بأيِّ تصرُّفٍ مِنْ شأنِه أنْ يُعطِّلَ منفعتَها أو يُذهِبَ وظيفتَها للأجيالِ الحاليةِ وللأجيالِ القادمةِ. ولفت إلى أنه مِن حقِّ الأجيالِ المقبلة علينا أنْ نتعاملَ مع البيئةِ باعتبارِها أمانةً وإِرثًا مُشتركًا، نعملُ جميعًا مِن أجلِ تنميتِه والحفاظِ عليه، ولا يكون تعاملُنا معه بمفهومِ الانتفاعِ والاستهلاكِ من أجلِ المصلحةِ الشخصيةِ فقط، فالمنظورُ الشاملُ الَّذي ينطلقُ منه المسلمُ وهو يتعاملُ مع البيئةِ هو مفهومُ أنَّ إعمارَ الكونِ عبادةٌ للهِ تعالى وغايةٌ ساميةٌ مِن غاياتِ وجودِه في هذا الكونِ، قالَ اللهُ تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ). وأشار المفتي إلى أنه مِن الأمثلةِ الواضحةِ على ذلك المعنى وهو ضرورةُ المحافظةِ على البيئةِ، هذا التوجيهُ النبويُّ الشريفُ في الحديثِ المتَّفقِ عليه عن أبي هُريرةَ، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: (لا يَبولنَّ أحدُكم في الماءِ الدائمِ ثمَّ يَغتسلُ منه). ولفت إلى أن الخليفةُ الراشدُ أبو بكرٍ الصدِّيقُ رضيَ اللهُ، أوصى المجاهدينَ بضرورةِ الحفاظِ على البيئةِ حتى في مَقامِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، فرسالةُ إعمارِ الأرضِ ينبغي أن تكونَ حاضرةً في وجدانِ المسلمِ حتى في مقامِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى، وقال في وصيته (ولا تُخربوا عُمرانًا، ولا تَقطعوا شجرةً إلا لنفعِ، ولا تَعقرنَّ بهيمةً إلا لنفعٍ، ولا تحرقنَّ نخلًا، ولا تُغرقَنَّه). هكذا يتعاملُ المسلمُ مع البيئةِ بشكلٍ حضاريٍّ حتى في تلكَ الظروفِ العصيبةِ. ونوه إلى أنَّ الخروجَ عن هذا النهجِ الإلهيِّ في التعاملِ مع البيئةِ، نتجَ عنه سوءُ استعمالٍ لمكوناتِ البيئةِ، وأصبحَ تَفاعلُ البشرِ مع مفرداتِها بطريقةٍ سلبيةٍ مع تَزايُدِ الأنشطةِ البشريةِ المؤثَّرةِ على البيئةِ يؤثِّر تأثيرًا سلبيًّا سيئًا قد ساهمَ بشكلٍ كبيرٍ في تَغيُّرِ المناخِ بشكلٍ مُنذرٍ بالخطرِ، وإنْ كانت هناك أيضًا أسبابٌ طبيعيةٌ قد ساهمتْ في هذا التغيُّرِ وما نتجَ عنه من أخطارٍ تضرُّ بالبيئةِ، لكنْ يظلُّ النشاطُ البشريُّ هو صاحبَ النصيبِ الأَوفرِ مِنْ أسبابِ تَغيُّر المناخِ على مستوى العالمِ، ومِن ثمَّ فإنَّ العالمَ كلَّه يُواجِهُ هذه التحدياتِ الكبيرةَ التي تُهدِّدُ مستقبلَ الشعوبِ وتُرْبِكُ الخططَ التنمويةَ والاقتصاديةَ للحكوماتِ والدولِ. وأوضح مفتي الجمهورية أن هذه التحدياتِ الخطيرةَ تَستلزمُ منَّا أنْ نتعاونَ جميعًا مِن أجلِ الحدِّ مِن الأضرارِ البالغةِ التي تُهدِّدنا جميعًا. وأكد أن المؤسساتِ الدينيةَ في العالمِ كلِّه عليها مسئوليةٌ كبيرةٌ مِن أجلِ إعادةِ بناءِ الوعيِ الصحيحِ فيما يتعلَّقُ بضرورةِ المحافظةِ على البيئةِ، والابتعادِ عن كلِّ ما يؤدِّي إلى التأثيراتِ السلبيةِ للاستخدامِ السلبيِّ للبيئةِ. وأشار إلى أنَّ ديننا الحنيفَ رسَّخ مجموعةً من القيمِ والمبادئ العليا الَّتي يجبُ ألَّا تكونَ محلًّا للخلافِ، مثلَ النَّهيِ عن الفسادِ في الأرضِ في قولِه تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين). وقد وَضعتِ السُّنَّةُ المطهرةُ تلكَ القاعدةَ الشرعيةَ الكليةَ المأخوذةَ نَصًّا مِن حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (لا ضررَ ولا ضِرار). وشدد على أنه من الواجبُ على المؤسساتِ الدينيةِ أن تُعيدَ بناءَ الوعيِ البشريِّ تجاهَ قضايا البيئةِ على النحوِ الصحيحِ الَّذي اتَّفقتْ عليه الكتبُ السماويةُ والقيمُ الإنسانيةُ الساميةُ. وفي الختامِ أسألُ اللهَ العليَّ القديرَ أنْ يُكلِّلَ جهودَنا في هذا المؤتمرِ بالتوفيقِ والنجاحِ مِنْ أجلِ تحقيقِ السلامِ والأمانِ لِبَنِي البشرِ جميعًا، إنَّه وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه.