أسراب من التنانين الملونة، تلاحق بعضها البعض، هكذا بدت سماء مدينة المحلة الكبرى على مدار أيام، تحلق فيها مئات الطائرات الورقية مختلفة الأحجام والألوان، تجلت فيها مهارات الأطفال الفنية فلم تكن طائرة تشبه الأخرى إطلاقًا. "المحلة معروفة بالطيارات الورق بشكل عام خاصة في الوقت ده من السنة على دخله الصيف.. لكن بصراحة أول مرة في حياتي أشوف المنظر ده.. من أول ما قفلوا المدارس ومبقاش في لعب كرة في الشارع.. العيال عملت طيارات وبقوا يقضوا الوقت على السطوح" يقول عم أشرف صاحب كشك للحلوى، وتتراص أمامه عشرات الطائرات الورقية التي اشتراها من أطفال قاموا بصناعتها على أن يبيعها بهامش ربح قليل كما أوضح ل "مصراوي". رغم أن المحلة تعيش حياة طبيعية بشكل ما حيث محلات المنسوجات، وحركة البيع والشراء منتعشة بسبب موسم رمضان، إلا أن الأطفال محرومين من الخروج بسبب الحظر، فوجدوا ضالتهم في الهروب من الحظر على الأرض للتحليق من فوق الأسطح. نشاط الطائرات الورقية يظهر بوضوح أنه ليس فرديًّا، وإنما يمارسه الأطفال وفق قواعد وإشارات، عادة يطير الطائرة الواحدة أكثر من فرد، يحملها واحد ويتحكم في بكرة الخيط الآخر، ينتظر نسمة الهواء المناسبة حتى يلقي الطائرة في رحابها، تلتقط أطرافها الهواء وتحلق ببطئ على مقربة منهم، ثم تنطلق مبتعدة عن السطح ولا يبقى منها سوى ظل يتراقص على جدران العمارات. "أهم حاجة تظبط ميزان الطيارة.. ويكون الذيل طويل جدًا لأن ده اللي بيخلي الطيارة تطير" قالها صبي على السطح المجاور كان يساعدني في ضبط طائرتي الورقية التي لم أستطع رفعها عن الأرض في البداية. ل "مُطيري" الطائرات لغة خاصة مكونة من الصفارات والتلويح، بغرض ضبط إيقاع الطائرات حتى لا تصطدم الطائرات بعضها ببعض، وإذا ما تقاطعت مسيرة طائرة بأخرى يتوجب على الأيدي أن تجذب وترخي الخيط حتى ينفك الاشتباك، ولكن لا يمنع ذلك وقوع الحوادث وسقوط طائرة على سطح مهجور ولا يستطيع صاحبها إعادتها، التباعد الاجتماعي في الشوارع الذي جاء امتثالًا لقرار الحكومة بغلق جميع المتنزهات أمام المصريين وفرض حظر تجوال خلال شم النسيم، لم يمنع التقارب والحميمة على الأسطح، وانتقل الاحتفال بالأطفال إلى السماء. وقبل الغروب بقليل يصل عدد الطائرات في السماء لذروته، ومع رحيل الشمس تدريجيًّا، تبدأ الطائرات في رحلة العودة إلى الأرض، يختفي آخر خيط من الضوء، ولا يمكن رؤية طفل آخر أو طائرة ورقية، ولكن يمكن الانتظار حتى اليوم التالي. الآن يعرف غالبية أطفال المحلة كيف يقضون ساعات يومهم الطويل بعيدًا عن ملل الجلوس في المنازل، أو الحبسة أمام شاشات التلفاز.
