منذ اللحظة الأولى لوصول جثمان الدكتور أحمد خالد توفيق، الأديب الحالم، إلى مسجد السلام بمنطقة المرشحة بمدينة طنطا، وبدء انهيار المئات من محبيه وعشاق كتاباته، وسادت حالة بكاء هستيري أمام المسجد من الشباب، والفتيات وسط غياب لمشاهير الوسط الأدبي. يسير الابن على خطى أبيه، هكذا أكد محمد أحمد خالد توفيق، نجل الفقيد، ل"مصراوي"، قائلًا إن والده كان مثله الأعلى، وأنه على خطاه يسير، فقد التحق بكلية الطب، رغم حبه للأدب وخاصة أعمال والده، فجمع مثل أبيه بين الطب والأدب. وأضاف نجل الراحل:"جنازة والدي كانت مؤثرة كما توقع الراحل في كتاباته عندما قال "ستكون مشاهد جنازتي جميلة ومؤثرة لكني لن أراها للأسف برغم إنني سأحضرها بالتأكيد". وفي روايته "قهوة باليورانيوم"، في الصفحة 62 من الرواية، قال الكاتب الحالم "اليوم، كان من الوارد جدًا أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 أبريل بعد صلاة الظهر.. إذن كان هذا هو الموت، بدا لي بسيطًا ومختصرًا وسريعًا، بهذه البساطة أنت هنا، أنت لم تعد هنا، والأقرب أنني لم أر أي شيء من تجربة الدنو من الموت التي كتبت عنها مرارا وتكرارا، تذكرت مقولة ساخرة قديمة، هي أن عزاءك الوحيد إذا مت بعد الخامسة والأربعين هو أنك لم تمت شابا". "تعلمت منه الكثير وكنت دائمًا أطلب منه المساعدة في أبحاثي الجامعية، والأدبية، فكان لا يتأخر عن مساعدة الجميع، ربطنا بالعلم والقراءة".. هكذا قالت أمل علي، إحدى تلامذته ل"مصراوي" مضيفة "أنا من القاهرة وجئت اليوم مع زملائي لنودع الأب الروحي، الذي أحببنا في القراءة والرواية". بينما قالت نهى السيد، صديقة زوجة الكاتب، إنها تعرّفت على الدكتور منذ 11 عامًا، ومن حينها عشقت القراءة، من كثرة حديثة عنها فهو كان لديه هوس وسحر القراءة، ويُرحب فيها كل من حوله، ومن أكثر الكتب التي أعجبتها للأديب الحالم "يوتوبيا". في حين قال المستشار مجدي الجمّال، أخو زوجته، إن الفقيد ظل فترات طويلة يُصارع المرض، إذ عانى من وعكات صحية كثيرة، دخل على إثرها المستشفى لأكثر من مرة، لكن آخر فترة في حياته عاشها في صمت مع الألم، وعندما يتحدث كان يؤكد اقتراب رحيله، وأن أيامه معدودة. ودّعه محبوه، وقراؤه بالدموع، متذكرين مقتطفات من كتبه ورواياته التي وصفت حالة الموت، خاصة في رواية أسطورة أغنية الموت، قادمة من سراديب المستحيل والمالا نهاية، إنها أصوات جوقة ملائكة لا أقل من هذا، وهذا النشيد؟ لابد أنه النشيد القومي للكون كله، لو توحد الكون فصار جمهورية لصار هذا نشيده القومي، في هذا النشيد تسمع صوت الانفجار الأول، وتسمع زئير التيرانوسورس، وتسمع دندنة ليست على مفاتيح البيانو، بونابرت يصدر الأوامر لجنرالاته، كيلوباترا تغني، ماتا هاري ترقص، إيزيس تغني لحورس الصغير، تسمع الفرسان المسلمين يكبرون إذ توقفوا في الصحراء وقت الغروب للصلاة، وهم متجهون لفتح الأندلس، تراتيل هندية تنشدها عذراء تستحم في نهر الجانج، السيوف تتضارب في حرب طروادة، وهكتور يصرخ في أخيل، إنها الكون وقد تحول إلى أصوات ونغمات، إنها الحقيقة، وقد صارت مسموعة... فوداعًا يا عازف مقطوعة نشيد الكون. كان أهالي مدينة طنطا شيعوا ظهر اليوم الثلاثاء، جثمان الدكتور أحمد خالد توفيق، الأديب المشهور، الذي وقفته المنية مساء أمس الإثنين في مستشفي القصر عيني عن عمر ناهز 55 عاما، من مسجد السلام بمنطقة المرشحة وسط تجمع كبير للقراء من مدينة طنطا ووسط غياب لمشاهير الوسط الفني، حضر صلاة الجنازة مجموعة من أساتذة جامعة طنطا وأدباء ومثقفين محافظة الغربية ، ويُقام العزاء يوم الخميس المقبل، في دار المناسبات بمدينة طنطا.