تصوير- حازم جودة: ذكرى تمزج بين السعادة والوجع، تمر بها أمهات الشهداء في عيد الأم، فبينما تحتفل كل أم مع أبنائها في 21 مارس، يمر هذا اليوم على بعض الأمهات في تذكر رجال رحلوا وتركوا خلفهم إرثًا من البطولة التي تدعو إلى الفخر وتزيد من استحقاق أمهاتهن للتكريم كأم مثالية عن جدارة. "مصراوي" زار منزل الشهيد مُلازم أول "محمد أحمد عبده"، الذي استشهد خلال تأدية واجبه الوطني قبل 3 أعوام في شهر رمضان، عقب التصدي لهجمات إرهابية استهدفت نقاطًا أمنية بمدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، لرصد جانبًا من حياة والدة الشهيد في عيد الأم. شهادات تقدير بطولية ملأت الجدران، وصور مختلفة للشهيد مرتديًا زي القوات المسلحة، إحداها بالحجم الطبيعي، زينت حوائط المنزل، بالإضافة إلى وشاح حمل شعار الأم المثالية تكريمًا لوالدة البطل وضع بجانب عدد من الأوسمة العسكرية، هكذا كان المشهد داخل بيت الشهيد محمد عبده بالإسكندرية، لتبقى ذكرياته داعمًا وسندًا لوالدته الثكلى في كل مناسبة تمر عليها دون أن يكون ابنها بجوارها. طفولة الشهيد بدأت والدة الشهيد حديثها مستعيدة ذكريات الاحتفال مع ابنها الشهيد وأشقائه الاثنين، في فترة الطفولة، قائلة: "محمد كان الأخ الأكبر لأشقائه وكان يجمع جزئًا من مصروفه وإخوته في طفولتهم لشراء الهدية التي اختارها لعيد الأم، وعندما تخرج في الكلية الحربية وبدأ يتقاضى راتبه الشخصي، كان يبادر بشراء 3 هدايا من ماله الخاص واحدة باسمه والاثنين بأسماء أشقاءه، وفي بعض المرات كانت توافق ذكرى عيد الأم أوقات عمله خارج المنزل لأيام فيكون الاتصال الأول منه للتأكيد أنه لا يمكن أن ينساني في تلك المناسبة". أول عيد بعد الاستشهاد وعن كيفية مرور ذكرى عيد الأم عقب استشهاد نجلها قالت: "محمد استشهد في يوليو 2015 وكان يوافق شهر رمضان، ولم تكن لدي رغبة في أن تمر مناسبة عيد الأم التالية للحادث بأي شكل من أشكال الاحتفال، وفي العام الماضي فوجئت بزملاء ابني الذين جاءوا خصيصًا للاحتفال بي حاملين هدية تحمل اسم ابني وكأنهم يؤكدون أن محمد لم يمت، وهو الأمر الذي تكرر من والده هذا العام حيث تم إحضار هديه كبيرة تحمل اسم ابننا للاحتفال بتلك المناسبة". اللحظات الأخيرة واسترجعت والدة الشهيد ذكريات الأيام الأخيرة قبل رحيله قائلة: "لم يكن الشهيد محمد عبده على طبيعته التي اعتدناها قبل يوم استشهاده بأسابيع قليلة، فكان كثير المرح وفي الوقت نفسه لا يريد في إجازته من القوات المسلحة سوى العودة للعمل مرة أخرى إذ كان يخفي علينا أن موقع خدمته في بؤرة الأحداث في قلب سيناء، حيث جعلنا نعتقد أنه في منطقة القنال حتى لا ننزعج، وفي تلك الفترة كان كثير الكلام عن بطولات زملائه الشهداء أمام الإرهابيين وكأنه يقول يوما ما سأكون معهم". وتستعيد الأم اللحظات الأخيرة التي جمعتها بابنها قبل استشهاده قائلة، كنا في 14 رمضان عندما تلقيت منه اتصالًا هاتفيًا أنه سيأتي للمنزل خلال أيام بعد حصوله على إجازة حيث كان من المفترض أن يكون بيننا قبل ذلك التوقيت وتأخر لظروف متعلقة بالعمل، وتأجلت عودته حتى يوم استشهاده حيث كان يستعد فعلًا للإجازة بعد أن حصل على التصريح الخاص بها وبعد تحضير حقيبته فوجئ بهجوم على زملائه في أحد الأكمنة ليطلب بعدها من رؤسائه العودة لدعمهم رغم أن تصريح الإجازة كان في جيبه. ساند زملائه وترك الإجازة وتكمل حديثها: "كان يجري مهرولًا بعد الهجوم على الكمين بحسب روايات زملائه ولم يكن ارتدى زيه العسكري كاملًا لأنه كان يستعد للتحرك في إجازته ولم يكن مكلفًا بأي مهام وقت الهجوم، إلا أنه ظل يتحرك نحو إحدى الدبابات لمعاونة زملائه في الرد على العناصر الإرهابية حتى أصيب بطلق ناري أعقبه شظية من قاذف صواريخ أدت إلى استشهاده". وتابعت: "قائد محمد قال لي ابنك سيعد يوم القيامة كم إرهابي أسقطه لمنع إقامة ولاية إرهابية تحمل اسم سيناء ورفع رايتها السوداء على أرض مصر، محمد استشهد ضمن 17 من أبطال مصر بينهم 13 جنديًا و4 ضباط، ودمرت مع رحيلهم 20 سيارة دفع رباعي تحمل إرهابيين ومنعوا مخططًا إرهابيًا كبيرًا". الأمل في الشباب "أكثر ما يسعدني الآن عندما أرى زيادة نسبة الوعي بين الشباب بقضية بلدهم".. تقول والدة الشهيد، مضيفة: "الشباب زادت قدرتهم على تمييز بعض الدعوات المرسلة من الخارج التي تهدف إلى إحباط عزيمتهم وزعزعة ثقتهم في الدولة، وكثير من الشباب والأطفال أصبحوا يدركون قيمة ما يفعله أبطال مصر ضد الإرهاب". الشهيد الحي تضيف والدة الشهيد: "أرى ابني في كل طفل وشاب يدرك قيمة تضحيات الشهداء، وفوجئت ذات مرة باتصال من والدة طفل في المرحلة الابتدائية يبلغ من العمر 10 سنوات، قالت لي إن طفلها أجرى بحثًا مطولًا اختار فيه أن يكون ابني هو بطله المفضل حيث كتب قصته قائلًا إنه يعتبره قدوته وفخور به"، وأكملت: "لما طفل عمره 10 سنين يعتبر ابني محمد قدوته فما الذي سيكون عليه عندما يكون في عمر ابني، لا تقلقوا على مصر فهي بخير طالما فيها تلك الروح بين أطفالها". أمنية أم شهيد واختتمت حديثها قائلة: "اتمنى كأم شهيد أن أرى سيناء من أفضل المناطق في مصر، وأن يكون بها تنمية واسعة ومشروعات كبيرة وتعمير واستثمارات لأن محمد وزملائه ضحوا من أجل أن تكون البلد آمنة متقدمة".