الأحمر هو اللون السائد، فالدماء تُغطي كُل شيء؛ أرضيات المسجد، بعض الجدران، وملابس البقية الباقية من مُصلين أنقذهم القدر فلم يلقوا حتفهم، بينما تشبسوا بما تبقى لهم من قوى لينقلوا بها المُصابين والشهداء إلى داخل المسجد الذي امتلىء بأجسادِ استشهد أصحابها، أو اصيب إصاباتٍ بالغة. كان ذلك هو المشهد داخل مسجد الروضة يوم الجمعة الماضية بعد أن شهد هجومًا ارهابيًا عنيفًا أثناء الصلاة استشهد خلاله 305 شخص بينهم 27 طفل. فيما أصيب 185 آخرون، بحسب البيان الذي أصدرته النيابة العامة. بحلول ليل الجمعة، اتشحت قرية الروضة بمركز بئر العبد في شمال سيناء بالسواد، واستعد الأهالي لدفن ذويهم وتوديعهم للمثوى الأخير بينما بقيت آثار المجزرة بالمسجد شاهدة على ما حدث قبل ساعات. عقب إتمام الجنازات وتشيع الجثامين، وفي اليوم التالي للحادث خرج "محمد"، أحد أهالي قرية الروضة، من منزله قاطعًا الطريق إلى المسجد سيرًا على الأقدام. حين وصل الشاب العشريني لساحة المسجد داهمته نوبة بُكاءٍ حادة، فالليلة الماضية لم تكن سهلة عليه حتى أنه قد لا ينساها أبدًا بعدما فقد في ذلك الهجوم الإرهابي صَديقي عُمره، بل أنه دفنهم بيديه. بُخطى ثقيلة تقدم "محمد" إلى داخل المسجد الذي لم يُرفع فيه آذانًا منذ الحادث، دخل من بوابته الرئيسية إلى باحته ليجد كُل شيىء على حاله منذ البارحة، فآثار طلقات الغدر والدماء التي سالت لم تُزال بعد. وما هى إلا ثوانٍ قليلة حتى قفذت إلى ذهن الشاب فكرة بضرورة تنظيف المسجد من آثار الدماء لإقامة الصلاة فيه مرة ثانية. أهالي الروضة: "سنُصلي الجمعة القادمة بالمسجد رغم أنف الإرهابيين". اندفع "محمد" إلى خارج المسجد على الفور بعد أن قرر نشر فكرته تلك بين ما تبقى من رجال القرية ليساعده. وفور تقدمه لإخبار البعض بها، وجد لها صدى مُرحِبًا لدى الجميع حتى أن بعض أهالي القرية كانوا قد عقدوا اجتماعًا فيما بينهم مُقررين ضرورة إحياء الاحتفال بالمولد النبوي بالمسجد، وإقامة صلاة جامعة، الجُمعة المُقبلة، يدعون إليها أهالي سيناء والمحافظات الآخرى إلى جانب المسؤولين لتكون رسالة للإرهابين بأن يد الله هى العُليا. "هنرفع الآذان في المسجد الجمعة الجاية، وهنصلي واحنا مش خايفين رغم أنفهم" قالها أحد شباب قرية بئر العبد، مُتمنيًا أن يكون ذلك اليوم حافلًا بالمصلين من كُل حدبٍ وصوب داخل المسجد لتصل رسالتهم كما أرادوها. وكانت رئاسة الجمهورية قد اعلنت الحداد العام في البلاد لمدة ثلاثة أيام عقب تفجير المسجد. فيما وصفت الهجوم بأنه "عمل غادر خسيس". شاب بالروضة: المذبحة لا تقل عن "بحر البقر" أو "دير يس" بعد ساعاتٍ ، وبحسب محمد، كان من امتد إليه الخبر من أهل القرية الصغيرة يُشمر عن ساعده، ليدخلوا إلى باحة المسجد يخالطهم الشعور بالألم ومحاولات عديدة للتحلي بالقوة والصبر. المياة الجارية تختلط بالدماء فتزيلها لكن ما حدث كان أقوى من أن يُمحى أو تزال آثاره بسهولة من باحة المسجد أو النفوس "أكنها سيول دم مبتخلصش.. كل ما ننضف مكان، الماية تجرف الدم لمكان تاني". وبرغم أن الشاب العشريني يرى أن ما حدث في مسجد الروضة هو مذبحة خسيسة لا تقل في بشاعتها عن أشهر المذابح كبحر البقر أو دير يس، إلا أنه يُدرك بأن الأيام ستمُر وسينسى أغلب الناس تفاصيل وأسماء هؤلاء الشهداء، بينما سيظل العلقم عالقًا فقط في حناجر، قلوب، ونفوس أهلهم وأصدقائهم، ورغم ذلك يبقى عزاء الشاب الوحيد أن "ريحتهم لسه معطرة المكان.. وهتفضل".