تمثل الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام حقبة جديدة للمنظمة، وذلك ليس فقط لأنها المرة الأولى التي سيوجه فيها أنطونيو جوتيريش الدفة كأمين عام للأمم المتحدة. ويرى جوتيريش أن إصلاح الأممالمتحدة من أهم القضايا في الأجندة، وهو جزء من دَفعة عالمية من أجل التغيير، ويتعين على المنظمة أن تتأقلم في مواجهة التهديدات العالمية من الأسلحة النووية والإرهاب وتغير المناخ وعدم المساواة. وقال جوتيريش: "الناس في جميع أنحاء العالم يطالبون عن حق بالتغيير ويتطلعون أن تحقق الحكومات والمؤسسات ذلك . ونحن نتفق جميعا على أنه يتعين على الأممالمتحدة أن تبذل المزيد من الجهد للتكيف وتحقيق ذلك. وهذا هو هدف مقترحات الإصلاح التي سوف تبحثها هذه الجمعية العامة". ومنذ تولي رئيس الوزراء البرتغالي السابق جوتيريش منصبه كأمين عام للأمم المتحدة في يناير، اكتسب سمعة كدبلوماسي هادئ. وعلى مدار مسيرته المهنية، عرف بأنه إنساني وواقعي وفاعل. وخلال توليه مهمة المفوض السامي لشؤون اللاجئين ،وهو العمل الذي جعله يجتمع أحيانا بنجمة هوليوود والمبعوثة الخاصة للأمم المتحدة أنجلينا جولي، أمضى أكثر من 10 سنوات في التعامل مع واحدة من أسوأ أزمات الهجرة التي شهدها العالم على الإطلاق. وعندما رفض ترشيح الحزب الاشتراكي له لرئاسة البرتغال في بداية هذا العام، قال في مقابلة مع هيئة الإذاعة البرتغالية "آر.تي.بي" إن رؤساء الدول مثل حكام المباريات، وإنه يرغب في ممارسة لعب الكرة نفسه. وقال "إنني أرغب في أن أكون على أرض الملعب وأشارك باستمرار". وبالتأكيد تصرف جوتيريش بنفسه في عدة مناسبات منذ تولي منصبه. واستضاف شخصيا مأدبة عشاء في نيويورك للزعماء المتنافسين في قبرص المنقسمة عرقيا لتشجيعهم على المضي قدما في محادثات السلام، وسافر إلى الخليج في محاولة لحل النزاع الراهن مع قطر. وقال جوتيريش للصحفيين في مؤتمر صحفي قبل انعقاد الجمعية العامة الثانية والسبعين للأمم المتحدة إنه عرض مؤخرا خدمات الوساطة من جانبه لفتح محادثات مع كوريا الشمالية ، ودفع مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراء بشأن أزمة اللاجئين في ميانمار برسالة هي الأولى من نوعها التي يرسلها أمين عام للأمم المتحدة منذ عام 1989 . وذكر مايكل دويل، خبير الأممالمتحدة بجامعة كولومبيا والمستشار السابق للأمين العام الأسبق للمنظمة كوفي أنان، إن خطاب جوتيريش الافتتاحي في الجمعية العامة سيعطيه فرصة لتحديد كيفية رؤيته لدوره . وقال دويل لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) :"يركز السيد جوتيريش بشدة للغاية على العنصر الدبلوماسي لدور الأمين العام – ألا وهو الدبلوماسية الوقائية". وأشار إلى أن جوتيريش شديد الحذر إزاء التحدث – وأن هذه هي سمة مميزة لهويته باعتباره حلالا دبلوماسيا للمشكلات". ومع ذلك فإنه مع ظهور صدامات بين الولاياتالمتحدةوروسيا والصين في مجلس الأمن الدولي ، يستعد جوتيريش للقيام بدور أكثر نشاطا في الدبلوماسية الوقائية. وقال دويل :""هذه أوقات يصعب فيها للغاية على الأمين العام (للأمم المتحدة) أن يكون نشطا وفعالا - فالخلافات بين روسيا والصين والولاياتالمتحدة لا تترك مجالا كبيرا للدبلوماسية النشطة متعددة الأطراف . وهذه أوقات صعبة بالنسبة للأمم المتحدة من وجهة نظري". وقبل أيام من بدء الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن جوتيريش عن خطط لتعزيز جهود الوساطة التي يبذلها بشكل أكبر . وسوف يشكل جوتيريش مجلسا استشاريا جديدا للوساطة يتألف من "18 شخصية معترف بها دوليا لتوفير الخبرات والمهارات والمعرفة العميقة والاتصالات الواسعة لهذه المهمة بالغة الأهمية. " ولكن هناك حدودا لمدى قدرة جوتيريش على التصرف بصورة مستقلة . وعندما صوت مجلس الأمن الدولي بشأن فرض عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية يوم 11 سبتمبر الجاري، أعرب السفير الروسي لدى الأممالمتحدة فاسيلي نيبنزيا عن أسفه لأن الولاياتالمتحدة غير راغبة في أن يستخدم الأمين العام للأمم المتحدة وساطته لإعادة أطراف المحادثات السداسية إلى طاولة المفاوضات. وقال جوتيريش ردا على سؤال حول تصريحات نيبنزيا :"هناك شيء واحد واضح، وهو أن الوساطة لا يمكن أن تتم سوى عندما يرغب جميع أطراف النزاع في أن تحدث الوساطة". ومع ذلك، لن ينظر جوتيريش إلى هذا بمثابة فشل من ناحيته. إنه يريد أن يكون "فاعلا"، لكنه سيبقي قدميه على الأرض ويتعهد بألا يكون خياليا. وكان قد نقل عن جوتيريش القول في عام 2002 :"إذا كنت لا تعاني من جنون العظمة، فأنت تعلم أنه لا يمكنك أن تحاول إنقاذ البشرية. وأنا لا أريد إنقاذ البشرية، ولكن أريد أن أفعل كل ما بوسعي لتحقيق تحسينات".