أعلنت مقررة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان في ميانمار، يانجي لي، الجمعة إن حصيلة ضحايا أعمال العنف في ولاية راخين بغرب البلاد قد تتجاوز ألف قتيل وهو ضعف الأرقام التي تعلنها الحكومة تقريبًا. ووسط هذا التركيز العالمي على الجانب العرقي والديني من المشكلة أظهرت تقارير صحفية أن هناك أسبابا أخرى قد تكون وراء الأزمة مثل أطماع الجيش الاقتصادية في ميانمار واستيلائه على الأراضي من أجل إقامة مشروعات اقتصادية. وكان أكثر من 200 ألف شخص من أقلية الروهينجا المسلمة غادروا أراضيهم قسرا منذ نهاية أغسطس الماضي بحثًا عن طوق نجاة من العنف المتصاعد في أعقاب الحملة العسكرية التي قالت الحكومة إنها تستهدف مسلحين من الروهينجا الذين هاجموا مراكز للشرطة في ولاية أراكان في ميانمار. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها اليوم الجمعة، أن الأقلية المسلمة تتعرض للتمييز في ميانمار التي يدين أغلب سكانها بالبوذية، وتحرمهم من الجنسية وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين من الجارة بنجلاديش حتى لو كانت أسرة تعاقب أجيال منها في الدولة. وتقول الحكومة إنها قتلت 387 من مسلمي الروهينجا، ولقي 15 من عناصر الأمن مصرعهم منذ أغسطس الماضي فقط. وقالت المسؤولة الأممية للوكالة الفرنسية أنه لا يمكن التأكد من الأرقام الحقيقية للضحايا لعدم القدرة على الوصول إلى منطقة النزاع، وأضافت أنها تعتقد أن الأزمة في ميانمار "ستكون من أسوأ الكوارث التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة". وكانت الأممالمتحدة وصفت ما يواجهه مواطني الروهينجا بأنه أسوأ موجة عنف عاشتها الأقلية منذ سنوات، والتقطت الأقمار الصناعية صورًا أظهرت احتراق قرى كاملة في المنطقة التي يقطنها الروهينجا. دائمًا ما يتم تناول القضية من زاوية الاضطهاد الديني للمسلمين في ميانمار البوذية، ويقول مسلمون لمراسل بي بي سي في تقرير له الخميس، إن جنود من الجيش ورهبانًا بوذيين دمروا قريتهم وأحرقوها ليخرجوهم منها، فيما نفت الحكومة في ميانمار أن يكونوا أحرقوا أي قرى بل زعمت أن المسلمين يحرقون قراهم بأنفسهم. وبسبب التغطية الإعلامية الضعيفة للأزمة باتت وسائل التواصل الاجتماعي وشهادات الناجين الذين يصلوا إلى بنجلاديش والحكومة في ميانمار، من بين مصادر قليلة يمكن الوصول من خلالها إلى الأخبار في إقليم أراكان. ووصف مراسل بي بي سي، جوناثان هيد، في تقريره أنه رأى قرية لمسلمي الروهينجا تحترق. وأضاف أنه فيما يبدو تم إحراقها على يد رهبان بوذيين. وأكد أن سبب عدم تأكده ومجموعة قليلة من الصحفيين من حقيقة ما يحدث هو أن حكومة ميانمار دعتهم لجولة في مدينة ماونجداو، لكن اشترطت عليهم الا يغادروا المجموعة ولا يذهبون إلى أي مكان بصفة فردية، وبالتالي ذهبوا إلى أماكن تختارها الحكومة. وأبدى العالم الإسلامي تضامنًا كبيرًا مع أزمة الروهينجا في ميانمار، فخرجت تظاهرات في إندونيسيا وإيران وبنجلاديش وحتى في قطاع غزة. وقال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب اليوم في بيان له إن مسلمي الروهينجا يتعرضون لإبادة جماعية وحشية، واستنكر صمت العالم تجاه هذه "المأساة الإنسانية". وطالب الطيب المجتمع الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي وهيئات الإغاثة الإنسانية بتحمل مسؤوليتها والتدخل العاجل، لوقف الانتهاكات المستمرة بحق مسلمي بورما. جانب أخر من الأزمة لكن صحيفة الجارديان البريطانية تناولت في تقرير سابق ما يُعتقد أنه سبب أخر لأزمة طرد مسلمي الروهينجا من أراضيهم وحرقها، فأشارت إلى أن التطهير العرقي أو التمييز الديني ضد المسلمين ربما ليس السبب الوحيد لهذا الطرد الإجباري. قال التقرير المنشور في يناير الماضي إنه خلال العقدين الماضيين بدأت الجيش في ميانمار الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي من صغار الملاك وذلك بداية من التسعينيات دون أي تعويض مالي، بل وهددوا من يحاولون المقاومة. وتابعت الجارديان أن تجريد المواطنين من الأراضي استمر عبر عقود لكنه تزايد بشكل هائل في السنوات الأخيرة. وأضافت أنه بعد هجمات في عام 2012، تم تخصيص الأراضي لمشروعات عملاقة وارتفعت نسبة هذه الممارسة بقيمة 170 في المئة بين عامي 2010 و2013. وأوضح التقرير أنه ربما يجدر الإشارة إلى أن حملة الاضطهاد ضد الروهينجا (ومجموعات عرقية أخرى) ربما دافعه بشكل كبير المصالح الاقتصادية للجيش في البلاد، مقارنة بالقضايا الإثنية أو الدينية. وتابعت الصحيفة أن طرد الروهينجا من أراضيهم ربما يكون أمر جيد، بحسب تفكير الجيش في ميانمار، للاقتصاد في المستقبل. وأضافت أنه بالفعل، خصصت الحكومة أكثر من 3 مليون من الأفدنة في مناطق الروهينجا لصالح شركات تطوير المناطق الريفية. وهذا الرقم بمثابة قفزة كبيرة مقارنة بأول تخصيص مشابه في عام 2012، حيث كانت مساحة الأراضي تمثل فقط 17 ألف فدان. وأشار التقرير أيضًا إلى أن التركيز العالمي على القضية من الجانب الديني، ربما طغى على الاستيلاء على الأراضي أيضًا من ملايين المواطنين بينهم من الروهينجا بالطبع. الرد الحكومي وهناك زعم أخر تستخدمه حكومة ميانمار وتبرر به انتهاكاتها بحق مسلمي الروهينجا في أراكان، حيث تعتبر ما يسمى جيش إنقاذ الروهينجا أركان (Arsa) جماعة إرهابية. وقالت الحكومة أيضًا أن هذه المجموعة المسلحة تتلقى تدريبات في الخارج وبحسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية فإن زعيم المجموعة هو عطاء الله أبو عمار جونوني المولود في إقليم كشمير بباكستان لأب من مهاجري الروهينجا. وفي مارس الماضي قال عطاء الله إن جيش الإنقاذ يقاتل من أجل حماية الأقلية المسلمة التي تتعرض للاضطهاد في ميانمار والذين تعتبرهم السلطات مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش. وأضاف عطاء الله في حواره لرويترز إن لا صلة له بمقاتلين أجانب، وقال إن حركته فقط تركز على حقوق الروهينجا التي تتعرض للاضطهاد من قِبل الأغلبية البوذية في ميانمار. وقال: "إذا لم نحصل على حقوقنا، وإذا تطلب الأمر موت مليون، أو مليون ونصف المليون، أو كل الروهينجا، سنموت، لنحصل على حقوقنا، سنحارب ضد الحكومة العسكرية المستبدة". وأضاف: "لا يمكننا أن نضيء الأنوار ليلا، لا يمكننا التنقل من مكان لآخر خلال النهار أيضا، نقاط تفتيش في كل مكان، ليست تلك طريقة ليحيا بها آدميون". وبحسب بي بي سي، يعيش أكثر من مليون ونصف من المسلمين الروهينجا في ولاية راخين شمال غرب ميانمار، وهم محرومون من الجنسية وحرية التنقل والخدمات العامة. وأشار عطاء الله في حديثه إلى الزعيمة، أونج سان سو تشي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام بسبب صراعها ضد الحكم العسكري في البلاد، والتي أصبحت حاكمة فعلية في ميانمار، وقال إنه وجيشه لن يتوقفوا عن القتال إذا لم تنفذ إجراءات لحماية الروهينجا.