تصوير- أيمن الوكيل: في قلب الصعيد النساء يبنين بيوتهن بأيديهن... فى قرية جبل عزبة عبدالرحمن، جنوبي نجع حمادي بقنا، يلفت انتباهك تقسيم المنزل وترتيبه، لم تغفل بنَّاءته مكان وضع القمح أو لمبة الجاز أو الأسرة الطينية، وما يثير دهشتك حقا، تلك الأرقام المنقوشة دون ترتيب أو كتابة صحيحة مفسَّرة، هي"أردت توثيق يوم زفافي حينها"، فضلًا عن رسومات لبعض الطيور راغبة في تزيين منزلها، الذي لم تر فيه أي نقصان، فكل شيء لدى النساء قابل لأن يصبح جميلًا، هكذا تقول فطرتهن. جميعة محمود عيد، لا تعلم متى وُلدت، أو كم عاشت على تلك الأرض من أعوام في قرية جبلية ذات طبيعة قاسية، كل ذلك يثبت أن السعادة في الرضا، الذي يرافقه العمل، والأمل بحياة متطورة، رغم الإمكانيات الضئيلة.
الوفاء بالنذر ولا تتركك النظرة العامة على المنزل إلا متسائلًا عن معنى الراية البيضاء التي تضعها السيدة فوق منزلها القديم المتهالك، لخبرك جميعة "وفيت ندري"، فقد أصبحت جدة منذ سنوات ليست قليلة، ولديها 5 أبناء محمد وخالد وأحمد وسيد وهيام، جميعهم تزوجوا، وآخرهم هيام، ات ال18 عامًا، في رمضان الماضي، باستثناء الابن الأصغر خالد، والراية تعني الرضا والحمد والوفاء بالندر لتربية الأبناء والقدرة علي تزويجهم علي حد قولها.
تقول جميعة إنها تزوجت وهي صغيرة لا يتعدى عمرها 13 عامًا، كما أنها تنتمي لقبيلة العوازم، التي قدمت إلى القرية منذ عام 1929، بحسب عميد القبيلة، عبدالعزيز موسى خليل. وعرب العوازم بدو قدموا من شبه الجزيرة العربية، وشكلوا جزءًا مهمًا من تركيبات القرية السكانية، رغم اختلاف عاداتهم وتقاليدهم وخصوصيتهم الفريدة عن باقي أهالي القرية، التي تجمعهم عادات الصعيد الواحدة.
جميعة تتابع أن الفتيات كن يتزوجن صغيرات السن، ويصنعن جهازهن بأنفسهن "بيت الشعر"، وهو منزل من الخيش، أي الخيمة التي تصنع من شعر الخراف، والذي أصبح فيما بعد يستخدم كسقف للمنزل الذي صنعته "جميعة" بعد ذلك بيديها أيضا من الطين والزلط بكل أركانه. تقول جميعة إنها لم تبن فقط منزلها بل ومنازل أخوات زوجها، لأنه كان الأكبر من بينهم والتقاليد تلزم زوجة الأخ الأكبر ببناء منازل إخوته بنفسها كما منزلها.
"بيت الشعر" جهاز العروس تضيف أن "البيت الشعر" من أساسيات الزواج، فالأمهات والجدات يعلِّمن الفتيات صناعة "الخيش" و الكليم منذ نعومة أظفارهن، لكن الآن استبدلت العرائس البيت الخيش في جهازها ببعض المفروشات اليدوية أيضا.
صناعة "الكليم" جميعة تقول إن حرفة صناعة الكليم والمفروشات الصوف مازالت موجودة وتتعلمها الفتيات، مع وجود اختلاف بين الصناعة اليدوية، التي تعيش لفترات أطول، وبين المنتجات الموجودة في الأسواق التي تلجأ إليها بنات القبيلة حاليًا. جميعة التي مازالت تصنع "الكليم" توضح أنها تستغل فترة الصيف لإزالة صوف الأغنام والخراف، لتصنع منه الخيوط التي تصنع منها المفروشات، للأهل والأقارب، بينما هناك من يصنعها لبيعها كمصدر دخل. جميعة تغزل القطعة الواحدة في 15 يومًا، وقد تصل المدة إلى شهر، على حسب حجم القطعة. جميعة لا تعلم الكثير عن القرى أو المدن المجاورة لقريتها، إنها تسمع عن إنشاء كوبري نجع حمادي، لكنها لا تعلم الكثير عن شكله أوأهميته، "جميعة" لا تعلم أنها في الألفية الثالثة، وتتحدث عن بُعد مدارس الأطفال وعدم وجود كهرباء بالقرية أو مياه، وتحكي عن دخول التلفزيون والسيراميك مؤخرًا لمنزلين في القبيلة بانبهار، هي لا تعلم سوى الجبل والغزل والطوب الأبيض، الذي بنى أبناؤها به منزلها الجديد.