على مداخل مركز ناصر شمالي محافظة بني سويف تقع قرية إمبيشي التابعة للوحدة المحلية بالزيتون، وبها كانت القصة الخالدة للجدة "تيتل"، أول شهيدة ثائرة تقدمها بني سويف في ثورة 1919، بعدما جادت بعمرها وعمر ولديها دفاعًا عن القرية ضد المحتل الانجليزي. كانت الأم "تيتل" إمرأة مصرية عادية مثل سائر النساء، ترّملت بعد وفاة زوجها الشيخ يونس جمعة شيخ القبيلة بقرية إمبيشي، لتربية ولديها محمد وعبد اللطيف، إلا أن القدر شاء أن تجود الأم بولديها شهيدين وتلحق بهما في نفس اليوم في خضام كفاح الشعب السويفي ضد المحتل الإنجليزي في 1919. وذكرها المؤرخ الشهير محمد علي علوية في كتابه "ذكريات اجتماعية وسياسية": "لم تعرف أحداث أي ثورة في بني سويف قصة أمرأة عظيمة كما سجل التاريخ سيرة الجدة "تيتل" زوجة شيخ العرب يونس جمعة شيخ القبيلة الذي مات وترك لها ولدين هما محمد وعبد اللطيف". أما في عزبة إمبيشي لا تعرف الأجيال الحديثة قصة الجدة الشهيدة، إلا أن بعض كبار السن من أبناء القرية يحكون عما سمعوه من أبائهم، فيقول الحاج "محمد" أحد المسنين من أبناء القرية إنه سمع من أبيه كيف كانت الجدة "تيتل" تحظى بالاحترام بعد وفاة زوجها الشيخ يونس شيخ قبيلة الخوالد، ولكن عندما دخل الإنجليز إلى القرية تحولت الأم إلى قائدة لثورة أهالي العزبة والعزب المجاورة ضد الإنجليز لتنتهي القصة باستشهادها بعد ولديها. وفي السيرة التي نشرها المركز الإعلامي لمحافظة بني سويف، روى مدير المركز الأسبق سلامة مدكور، أن أحداث عزبة إمبيشي والجدة تيتل كان لها خصوصية ثورية متفردة، حيث بدأت الأحداث بصورة رتبها القدر، فقد تصادف أن اعتدى الأهالي على أحد الجنود الإنجليز الذي قتل خروفًا أثناء جولته للصيد، وبعدها توافدت قوات الإنجليز لتأديب القرية كلها في صباح يوم الأحداث؛ إلا أن الأهالي واجهوهم بإطلاق النار من خلف نوافذهم. وتضيف موسوعة إعلام بني سويف أن المعركة على مدار يوم كامل وأصيب العديد من الإنجليز والهنود الذين حضروا لتأديب أهالي القرية، وقادت الجدة "تيتل" الثورة في قريتها وفي عزبة علي بهلول، وفي خضام المعركة تلقى ولدها "محمد" طلقة غادرة نفذت من طاقة المنزل، أثناء وقوفه على السلم الذي كان يقاتل منه، فتعلو "تيتل" العظيمة على أجزائها السلم وتصرخ في ولدها الآخر "عبد اللطيف" ليواصل القتال، ويرتمي بعدها على جثة أخيه شهيدًا. وتخرج أم الشهيدين "تيتل" لتشعل نار المقاومة في شهر مارس في البيوت المجاورة في عزبتها إمبيشي وعزبة علي بهلول على حدود مدينتي ناصر وبني سويف. وما يزال قبر الجدة "تيتل" شاهدًا على كفاح شعب بني سويف في ثورة 1919 وكفاح الأم المصرية في مارس شهر المرأة المصرية.