أثار استيلاء فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" على المزيد من الأراضي في ليبيا مخاوف الحكومات والاستخبارات الغربية خاصة الأوروبية، بالنظر إلى قرب الدولة الواقعة على البحر المتوسط من الشواطئ الأوروبية وأيضا الخوف من اندساس مقاتلين من أعضاء التنظيم والتنظيمات المتطرفة الأخرى في صفوف المهاجرين الذين يتوجهون صوب أوروبا بالآلاف. وأسفر تفجير انتحاري قرب نقطة تفتيش في ضواحي مدينة مصراتة الليبية عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل. وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الهجوم الذي أوقع أيضا عددا من المصابين. وقبل يومين سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على مطار مدينة سرت الليبية الساحلية بعد معارك مع القوات الموالية لحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا. وقال محمد الشامي، وهو متحدث باسم ما يعرف ب"قوات الكتيبة 166" الموالية لحكومة طرابلس، إن قواتهم انسحبت مساء الخميس من المطار الذي "سقط في يد تنظيم الدولة الإسلامية". وأكد فرع التنظيم في ليبيا أن مسلحيه استولوا على المطار، بحسب بيان نشر عبر حساب تابع له على تويتر. ويسيطر التنظيم بالفعل على مساحات واسعة من سرت، وهي مسقط رأس الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وتقع على بعد 450 كيلومترا إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وتعاني ليبيا من اضطرابات فوضوية هي الأسوأ منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في أواخر 2011 بعد الانتفاضة ضد حكمه. ففضلا عن وجود الدولة الإسلامية تعاني البلاد من انقسام سياسي حاد في ظل وجود حكومتين وبرلمانين. وأجبر البرلمان الليبي المنتخب على الانتقال إلى مدنية طبرق، شرقي البلاد، بعدما سيطر مسلحون إسلاميون على العاصمة طرابلس، وعلى بنغازي، المدينة الثانية في البلاد. وتوسع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا يمنحه قاعدة بديلة لعملياته في ظل الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي ضده في سوريا والعراق، والتي على الرغم منها استطاع تحقيق مكاسب على الأرض باستيلائه على مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار أكبر المحافظات السنية العراقية ومدينة تدمر التاريخية في سوريا. يقول مسؤول في عسكري غربي إن هناك قلق متزايد ينتاب الحكومات الغربية بعد المكاسب التي يحققها تنظيم داعش في ليبيا، مضيفا أن التنظيم يشكل تهديدا أكثر من أي وقت مضى على البلدان الأوروبية. وتحتل ليبيا أهمية كبيرة على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي بسبب محاولة آلاف اللاجئين الفارين من الصراعات في الشرق الأوسط وافريقيا الوصول إلى أوروبا عبر شواطئها. وتواجه إيطاليا واليونان زيادة كبيرة في عدد المهاجرين القادمين عبر البحر المتوسط خاصة عبر ليبيا، وتكافح الدولتان من أجل التغلب على هذه المشكلة. وذكر المسؤول في اتصال هاتفي مع مصراوي مشترطا عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول التحدث إلى صحفيين، بالمشتبه به في التورط في تفجير متحف باردو التونسي قبل أكثر من شهرين، والذي ألقت السلطات الإيطالية القبض عليه بعد أن تمكن من الوصول إلى إيطاليا مندسا في صفوف المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون من ليبيا إلى الشواطئ الأوروبية بالآلاف. وأوضح المسؤول أن النهج المتبع للتعامل مع الأزمة في لبيا لا يساعد على هزيمة التنظيم، مشيرا إلى ضرورة انتهاج استراتيجية جديدة تعمل على درء المخاطر عن أوروبا. وكان الباسط هارون المستشار في الحكومة الليبية المعترف بها دوليا أكد أن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية يتم تهريبهم إلى أوروبا بوساطة عصابات تهريب المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط. وقال هارون عبد إن المهربين يُخبئون المسلحين في القوارب الممتلئة بالمهاجرين، موضحا أن بعض المهربين في ليبيا إن تنظيم الدولة الإسلامية يسمح لهم بمواصلة عملهم في تهريب المهاجرين مقابل الحصول على نسبة خمسين بالمئة من الأموال التي يحصلون عليها. وسبق أن حذرت وكالة الحدود الأوروبية من أن مقاتلين أجانب يستخدمون طرق تهريب غير تقليدية للوصول إلى أوروبا. وقدمت المفوضية الأوربية خطة جديدة لمواجهة أزمة تدفق المهاجرين إلى بلدان الاتحاد الأوربي، بما فيها مقترح مثير للجدل بشأن توزيع المهاجرين على شكل حصص بين دول الاتحاد. تنسيق استخباراتي وقال المسؤول الأوروبي إن هناك تنسيقا يجري بين أجهزة الاستخبارات في أوروبا ونظيرتها في دول الجوار الليبي خاصة مصر والجزائر وتونس – على الرغم من بعض الخلاف بين الحكومات بشأن بعض السياسات - لتتبع حركة المهاجرين ومحاولة محاصرة تمدد التنظيم الذي يزداد قوة يوما بعد يوم بجذبه عناصر جديدة من أوروبا. وأكد مسؤول عسكري مصري قريب من الملف الليبي أن الغرب يتأكد له يوما بعد يوم مدى نجاعة النهج المصري في الاقتراب من الأزمة في ليبيا والتعامل مع المليشيات المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية هناك. وأضاف أن "المسؤولين الاستخباراتيين الأوروبيين والأمريكيين الذين نلتقيهم في القاهرة أو في الخارج يؤكدون على خطورة وجود داعش في ليبيا لما يشكله من مخاطر على دول الجوار والدولة الأوروبية. وتدعم القاهرة الحكومة اللبيبة المعترف بها دوليا وتطالب المجتمع الدولي بأن يكون لها موقفا حازما تجاه المليشيات التي لم تمكن الحكومة والبرلمان المنتخب من العمل. كما تطالب بأن يكون هناك ردا على تنظيم الدولة الإسلامية على غرار الرد في سوريا والعراق. ويحاول مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون منذ أشهر اقناع الأطراف المختلفة في ليبيا بالتوصل إلى اتفاق على حكومة وحدة وطنية. وقال ليون في مؤتمر صحفي في بروكسل يوم الخميس الماضي إن الأممالمتحدة كانت تعمل على مسودة لاتفاق سياسي يتم عرضه على الأطراف المتنازعة في الأسبوع الأول من يونيو. وأضاف ليون أن الفصائل المتنافسة اتفقت حتى الآن في المحادثات التي تجري في المغرب على 80 في المئة من المسائل المطروحة للبحث ولا تزال المفاوضات تدور حول 20 في المئة وهي تضم الجزء الأصعب من الاتفاق. وقال ليون إن الليبيين قد أدركوا أن الحل الوحيد هو التوصل إلى اتفاق سياسي، لكن من الصعب القول إنه من الممكن تحقيق ذلك في غضون الأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة. وحذر من أن الوقت ينفد أمام ليبيا.