طالما عبر عن غضبه من الغرب ومن إسرائيل، من نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومن المقاتلين الأكراد في مدينة عين العرب (كوباني ) على الحدود بين سورية وتركيا. لم يبق الكثير من الآمال التي أحياها رجب طيب أردوغان في نفوس الأتراك عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية في العاشر من أغسطس الماضي وذلك عندما قال مخاطبا خصومه آنذاك: ''دعونا نطوي الخلافات القديمة ونتركها في تركيا القديمة''. بحلول يوم غد الجمعة الموافق الخامس من ديسمبر سيكون قد مر على أردوغان 100 يوم كرئيس ل ''تركيا الجديدة''. ولكن بلاده ظلت منقسمة. كما أضاع أردوغان الكثير من رصيده الدولي. تتسبب تصريحات أردوغان الفجة غالبا في جلب سخرية النقاد وإثارة القلق لدى حلفائه في حلف شمال الأطلسي، الناتو حيث اتهم أردوغان الغرب قبل أيام من زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، تركيا، بأنه يريد استغلال المسلمين وقال: ''يبدون في الظاهر أصدقاء لنا ولكنهم يفرحون بموتنا وبموت أطفالنا'' حسبما نقلت عن وكالة أنباء الأناضول. وكان أردوغان الذي كان لا يزال رئيسا للوزراء قد شبه السياسة الإسرائيلية خلال حملته الانتخابية بسياسة أدولف هتلر. كما أثار الرئيس التركي استغراب الغرب من خلال نظريته التي ذهب فيها إلى أن بحارة مسلمين اكتشفوا أمريكا قبل كولومبوس. ونصح أردوغان النساء في بلاده بالتركيز على دورهن كأمهات لأن المساواة بين الرجال والنساء في عالم العمل ''ضد الطبيعة البشرية''. وكانت هذه التصريحات في قمة خاصة بالنساء في إسطنبول. وشبه أردوغان حزب العمال الكردي المحظور و مقاتليه الأكراد في مدينة عين العرب( كوباني ) بمقاتلي مليشيات تنظيم الدولة الإسلامية رغم أنه يسعى في الوقت ذاته لتحقيق السلام مع الحزب. جلبت تركيا على نفسها الكثير من الانتقادات الدولية بسبب دورها في عين العرب (كوباني) مما أثار شكوكا في مدى قدرتها كدولة حليفة وعضو بالناتو حيث لم يستبعد أردوغان في البداية أي عمل عسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الجارة سورية ثم تخلى عن هذا الخيار فيما بعد. ودفع الجيش التركي بمدرعات على الحدود التركية مع عين العرب (كوباني) ولكنه لم يتدخل عندما تعرضت كوباني لخطر السقوط في أيدي مليشيات التنظيم. وترفض تركيا حتى الآن السماح لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة باستخدام القواعد العسكرية التركية مثل قاعدة انجرليك الجوية لشن غارات على التنظيم المتطرف. ورفض أردوغان السماح للأكراد السوريين بالمرور عبر تركيا لتعزيز المقاتلين في كوباني ولكنه سمح فيما بعد وبضغط من الولاياتالمتحدة وبعد تردد طويل لقوات البشمرجة التركية في شمال العراق بالمرور عبر تركيا إلى كوباني. نجح أردوغان من خلال سياسته المتعرجة في إرباك جميع الأطراف المعنية بدءا من الولاياتالمتحدة والناتو ثم الأكراد في سورية وتركيا حيث وقعت اشتباكات أثناء احتجاجات كردية خلفت أكثر من 40 قتيلا. وربما أثار سماح تركيا للبشمرجة بالمرور في إثارة غضب تنظيم الدولة الإسلامية ضد تركيا. وبينما يوزع أردوغان انتقاداته ضد خصوم ''مزعومين'' في الخارج ترك الساحة الداخلية تماما لخليفته في منصب رئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، والذي توجهه بنفسه في هذا المنصب. ورغم أن أوغلو يتولى رسميا رئاسة الحكومة ورئاسة حزب العدالة والتنمية إلا أن أردوغان دأب على التأكيد على أن الرئيس هو الذي يحدد السياسة في تركيا، تلك السياسة التي ربما سارت في اتجاه الاستبداد حيث تعتزم الحكومة إقرار حزمة من القوانين تسمح باستخدام القسوة ضد المتظاهرين الذين يستخدمون العنف. ومن بين مسودة القوانين مادة تسمح بالتأكد من ''الأخلاق العامة'' للرجال والنساء الذين يريدون الحصول على الجنسية التركية بعد زواجهم بشريك تركي. وكانت المحكمة الدستورية العليا قد رفضت في أكتوبر المنصرم السماح للحكومة بتشديد قواعد استخدام الإنترنت في تركيا. وفي الوقت ذاته تستمر أسلمة تركيا بشكل تدريجي و غير ملحوظ حيث ارتفع عدد تلاميذ المدارس الثانوية ذات الصبغة الدينية حسب تقرير لصحيفة ''تاراف'' التركية خلال نحو عام فقط بواقع النصف. يحدد أردوغان سياسة ''تركيا الجديدة'' انطلاقا من القصر الرئاسي الذي أمر أردوغان حسب الغرفة التركية للمهندسين المعماريين المعروفة بانتقادها لأردوغان، ببنائه في إحدى المناطق الطبيعية. ولم يعلن رسميا عن تكاليف بناء هذا القصر البهي. غير أن صحيفة ''حريت'' ذكرت أن أردوغان قدر هذا التكاليف أثناء وجوده في رحلة خارج تركيا ب 500 مليون دولار وهو مبلغ كبير بالنسبة لبلد اقتصاده يعاني من الضعف حيث اضطرت الحكومة لخفض تنبؤاتها فيما يتعلق بنسبة نمو الاقتصاد خلال العام الجاري إلى 3ر3% بعد أن بلغت نسبة نموه أكثر من 9% خلال عام 2010. ورغم أن انتهاء فترة ازدهار الاقتصاد التركي يمكن أن تهدد سلطة أردوغان إلا أنه لا يزال مستقرا في كرسي الحكم حيث يبدو الهدف الذي وضعه لنفسه ممكنا على الأقل في ضوء الحقائق الحالية: إنه يريد قيادة تركيا في عيد ميلادها المئة والذي سيحل عام 2023.