في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 رحل جمال عبد الناصر، الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية، فهو الابن الأول لأسرة متوسطة الحال، ولد في الاسكندرية لأبوين من أصول صعيدية، عاش أحول البسطاء، وأحس بمعاناة الفقراء، حقق إنجازات، وشهد حكمه إخفافات. يعتبره مؤيدوه في الوقت الحاضر نصيفًا للفقراء، ورمزًا للكرامة، وراعي الوحدة والقومية العربية، بينما يصفه بعض معارضوه بالمستبد، وينتقد آخرون انتهاكات حقوق الإنسان خلال حكمه. ويعتبر عبد الناصر ثاني رؤساء مصر، بعدما تولى السلطة عام 1956 وحتى وفاته في 1970، فهو أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952، التي أطاحت بالملك فاروق، قبيل أن يصل إلى الحكم ويتولى رئاسة الوزراء ثم رئاسة الجمهورية باستفتاء شعبي يوم 24 يونيو 1956، حيث وضع محمد نجيب (الرئيس حينها) تحت الإقامة الجبرية، بسبب تنامي الخلافات بين نجيب ومجلس قيادة الثورة،. نشأته ولد في 15 يناير عام 1918 بحي باكوس بالإسكندرية، وهو من أصول صعيدية، حيث نشأ والده في قرية بني مر بمحافظة أسيوط، ثم انتقل وعاش وعمل في الإسكندرية، وتزوج السيدة "فهيمة" فى عام 1917 التي ولدت في ملوي بالمنيا، وكان ناصرًا أكبر الأبناء. التحق عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة في الفترة ما بين سنتي 1923 و1924، وفي سنة 1925 دخل مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة. قضى عبد الناصر السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية، والتحق بعدها بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي - 1930 - إلى مدرسة رأس التين بالإسكندرية، عندما انتقل والده إلى القاهرة في عام 1933، انضم ناصر إليه هناك، والتحق بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة. حياته العسكرية التحق عبد الناصر في سنة 1937 بالكلية الحربية لتدريب ضباط الجيش، ولكن الشرطة سجلت مشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة، فمنع من دخول الكلية، ودرس في كلية الحقوق في جامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا)، لكنه استقال بعد فصل دراسي واحد، وأعاد تقديم طلب الانضمام إلى الكلية العسكرية، ثم انضم إليها في مارس 1937، وتخرج منها في يوليو 1937، ثم رُقي إلى رتبة ملازم ثاني في سلاح المشاة. وفي سنة 1941، طلب عبد الناصر النقل إلى السودان التي كانت حينها جزءًا من مصر، وهناك قابل عبد الحكيم عامر، ثم عاد منها في سبتمبر 1942، وحصل على وظيفة مدرب في الأكاديمية العسكرية الملكية بالقاهرة. كانت أول معركة له في فلسطين خلال الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1948، ثم تطوع في البداية للخدمة في اللجنة العربية العليا (AHC) بقيادة محمد أمين الحسيني، وفي مايو 1948 أرسل الملك فاروق الجيش المصري إلى فلسطين، وخدم ناصر في كتيبة المشاة السادسة، وبعد الحرب عاد إلى وظيفته مدرساً في الأكاديمية الملكية العسكرية. بعد سنة 1949، قام عبد الناصر بتنظيم "اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار"، وتألفت من أربعة عشر شخصا من مختلف الخلفيات السياسية والاجتماعية، بما في ذلك ممثلين عن الشباب المصريين، والإخوان المسلمين، والحزب الشيوعي المصري، والطبقة الأرستقراطية، حيث انتخب ناصر رئيسا للجنة بالاجماع. انطلقت ثورة 52 في 22 يوليو، وأعلن نجاحها في اليوم التالي، واستولى الضباط الأحرار على المبان الحكومية، والمحطات الإذاعية، ومراكز الشرطة، ومقر قيادة الجيش بالقاهرة، وفي يوم 18 يونيو سنة 1953 تم إلغاء النظام الملكي وأٌعلن قيام الجمهورية في مصر، وكان نجيب أول رئيس لها. ناصر الرئيس في 25 فبراير 1954، أعلن نجيب استقالته من مجلس قيادة الثورة بعد أن عُقد المجلس دون حضوره، وقبل ناصر استقالة نجيب في 26 فبراير، وقام بوضعه تحت الإقامة الجبرية، وعين مجلس قيادة الثورة جمال عبدالناصر قائداً للمجلس ورئيساً لمجلس الوزراء. وفي عام 1956، ترشح عبد الناصر لمنصب رئاسة الجمهورية، وطرح الدستور الجديد للاستفتاء العام يوم 23 يونيو، وحاز كلاهما على الموافقة بأغلبية ساحقة، وأنشئ مجلس الأمة الذي يتضمن 350 عضوا، وأجريت الانتخابات في يوليو سنة 1957، وتزامنا مع الدستور الجديد ورئاسة عبد الناصر، حل مجلس قيادة الثورة نفسه كجزء من الانتقال إلى الحكم المدني. لم يدم الاستقرار طويلا، حيث احتلت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل سيناء في 29 أكتوبر 1956، ردًا على تأميم القناة، قبل أن ينسحبوا بسبب الضغوط دولية. وبعدها في عام 1967 عاودت إسرائيل عدوانها على مصر واحتلت سيناء، وتنحى بعدها عبد الناصر من جميع مناصبه السياسية بسبب الهزيمة في خطابه الشهير، لكنه تراجع عن استقالته بعد مظاهرات حاشدة طالبته بالعوده إلى الرئاسة مرة أخرى. مشروعات قومية في 26 يوليو 1956، أعلن عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، كوسيلة لتمويل مشروع سد أسوان بعد انسحاب بريطانية وأمريكيا من تمويله، ولاقى ذلك استحسانًا كبيرًا داخل مصر والوطن العربي، إلا أن الدول الغربية ردت بالعدوان الثلاثي على مصر . وفي 1971 أتم عبد الناصر بناء السد العالي بمساعدة الاتحاد السوفيتي، حيث يبلغ طوله 3600 متر، وعرض القاعدة 980 متر، وعرض القمة 40 مترا، والارتفاع 111 متر، وحجمه 43 مليون متر مكعب من الإسمنت والحديد ومواد أخرى، وقدرت التكلفة الإجمالية بمليار دولار شطب ثلثها من قبل الاتحاد السوفييتي. من أقواله ومن أشهر أقوال عبدالناصر :" ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة .. إن شعبنا يعرف قيمة الحياة لأنه يحاول بناءها على أرضه .. إن الحق بغير القوة ضائع، والسلام بغير مقدرة الدفاع عنه إستسلام .. إن الذين يقاتلون يحق لهم أن يأملوا في النصر، أما الذين لا يقاتلون فلا ينتظرون شيئاً سوى القتل .. إن الرجعية تتصادم مع مصالح جموع الشعب بحكم إحتكارها لثروته.. إن النصر حركة، والحركة عمل، والعمل فكر، والفكر فهم وإيمان، وهكذا كل شيء يبدأ بالإنسان .. إن الجماهير هي القوة الحقيقية، والسلطة بغير الجماهير هي مجرد تسلط معادٍ لجوهر الحقيقة". نوبة قلبية وفي يوم 28 سبتمبر 1970، عانى ناصر من نوبة قلبية، ونقل على الفور إلى منزله، حيث فحصه الأطباء، وتوفي بعد عدة ساعات، في حوالي الساعة السادسة مساء. ووفقاً للتقارير الطبية كان السبب الأرجح لوفاة عبد الناصر هو تصلب الشرايين، والدوالي، والمضاعفات من مرض السكري منذ فترة طويلة. وأعلن خبر وفاته في الأول من أكتوبر، وحضر جنازته حشودًا هائلة، بالإضافة إلى حضور جميع رؤساء الدول العربية، باستثناء العاهل السعودي الملك فيصل، وحضر عدد قليل من الشخصيات غير العربية الكبرى، منها رئيس الوزراء السوفيتي أليكسي كوسيغين، ورئيس الوزراء الفرنسي، جاك شابان دلماس. ذكرى وفاته وفي الذكرى الرابعة والأربعون لوفاة عبد الناصر، أناب الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، الفريق أول صدقى صبحى، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، للمشاركة فى إحياء الذكرى السنوية للرئيس الراحل. ووضع صبحى إكليلا من الزهور على ضريح عبد الناصر، وقراءة الفاتحة ترحماً على روحه. وشارك العشرات من محبي الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بحضور بعض السياسيين والإعلاميين، في إحياء الذكرى ال44 على رحيله بمقر ضريحه بمنشية البكرى، من بينهم الإعلامى مصطفى بكرى، وحمدى قنديل، وتهانى الجبالى ، ومحمود بدر القيادى بحركة تمرد. كما شاركت بعض التيارت السياسية فى أحياء الذكرى من بينهم حركة تمرد، وذلك بتنظيم وقفة أمام الضريح، والهتاف باسم الزعيم الراحل. وأشار نجل الزعيم الراحل عبدالحكيم عبدالناصر إلى أن حزن رحيل الزعيم يشاركه به جميع المصريين ومازال الشعب المصرى يتذكر ما قدمه لهم الأب. ويظل عبد الناصر في ذكرى وفاته رمزًا نابضًا في قلوب المصريين والعرب، وما تزال أفكاره وتوجهاته وسياساته محببة لدي كثير من أبناء الشعب العربي.