تضم السينما المصرية نجمات اشتهرن بتقديم دور الأم، فبمجرد رؤيتهن على الشاشة لا يملك المشاهد سوى أن يرى ملامح الطيبة والأمومة تشع من وجهوهن، لم يحدث هذا على جانب الممثلين الرجال سوى مع الممثل الكبير الراحل عبد الوارث عسر. فمنذ بداياته ورغم صغر سنه تراه الأصلح لدور الأب الحنون والرجل الحكيم، فلم يخل وجهه من ملامح وتجاعيد الزمن التي لا نراها سوى في وجوه كبار السن، ففرضت هذه الملامح على عبد الوارث طبيعة الأدوار التي قدمها على مدار مشواره الفني. خطبة الحجاج ولد عبد الوارث عسر في سبتمبر عام 1894 بحي الجمالية، لأب يعمل في المحاماة، كان صديقا للزعيم سعد زغلول، حرص على تحفيظ ابنه القرآن الكريم، والتحق بمدرسة الحقوق، لكن اضطر بعد وفاة والده لتركها ليهتم برعاية أملاك الأسرة، فاختارته الظروف ليؤدي دور الأب والمسئول عن الأسرة، قبل أن يختاره المخرجون لتأدية نفس الدور على الشاشة. بدأ حياته الفنية بإلقاء قطعة من خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي كان قد ألقاها عند دخوله إلى العراق واليا، ألقاها عبد الوارث أمام الفنان المسرحي الكبير في ذلك الوقت جورج أبيض، وعمل في أحد وظائف وزارة المالية، لكن سرعان ما استقال منها، أحب اللغة العربية واتقنها. دموع الحب جاء دخول عبد الوارث إلى عالم السينما من خلال فيلم ''دموع الحب'' مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وتوطدت خلاله علاقتهما بشكل كبير، فشاركه في معظم أفلامه على مستوى التمثيل وكتابة السيناريو، ومن المواقف التي تدل على قوة العلاقة التي جمعت بينهما، خلال فيلم ''رصاصة في القلب''. لم يكن هناك دور مناسب لعبد الوارث فطلب عبد الوهاب من عبد الوارث الذي كان يعتبره تميمة حظه أن يضيف إلى السيناريو دور يجسده، ورفض عبد الوارث وقبل ان يجسد دور ''شحات'' لا يظهر سوى في مشهد واحد فقط، قائلا ''أقبل دور الشحات لأجل عيون عبد الوهاب''. صناعة النجوم لعب عبد الوارث دور هام في صناعة النجوم في مصر فلم يقتصر دوره في عالم الفن على أنه ممثل يؤدي دور مطلوب منه في أحد الأفلام وينصرف بعدها، بل امتدت مساهماته في هذا المجال إلى أبعد من ذلك، حيث يدين له عدد كبير من الفنانين بتعلم فن الإلقاء، فوضع كتاب بعنوان ''فن الإلقاء'' درسه بنفسه في عدد من المعاهد والكليات من بينها المعهد العالي للسينما، كلية الإعلام جامعة القاهرة.
وممن تتلمذن على يده من الممثلات نادية لطفي، سميرة أحمد، آمال فريد وماجدة الخطيب، دون مقابل مادي، فكان رحمة الله عليه مخلصا لفنه إلى أقصى حد. لم تقف موهبة عبد الوارث عند حد التمثيل وتدريب المواهب الجديدة على فن الإلقاء وانما شارك في كتابات العديد من السيناريوهات للسينما منها ''زينب''، ''يوم سعيد''، ''لست ملاكا''، و''جنون الحب''، ''قلب من ذهب''، وفيلم ''عايدة'' أحد أفلام كوكب الشرق أم كلثوم. شباب امرأة قدم أكثر من 300 فيلم وله العديد من الأدوار الهامة في السينما المصرية والتي يتذكرها المشاهد من بينها دوره في فيلم ''شباب امرأة'' مع تحية كاريوكا وشكري سرحان، ''صراع في الوادي'' للمخرج يوسف شاهين، ''الرسالة'' للمخرج مصطفى العقاد، ''غزل البنات'' مع نجيب الريحاني وليلى مراد، ''عنتر ولبلب'' مع شكوكو. وكان أخر أعماله السينمائية فيلم ''لا تبكي يا حبيب العمر'' مع الراحل فريد شوقي ونور الشريف، أما أخر أعماله على شاشة التليفزيون فكان دوره بمسلسل ''أحلام الفتى الطائر'' مع الزعيم عادل إمام، ومسلسل ''أبنائي الأعزاء.. شكرا'' مع المخرج محمد فاضل. تسجيل القرآن سجل عبد الوارث عسر القرآن الكريم كاملا ومجودا لصالح إحدى شركات الإنتاج، وكشف حفيده الفنان محمد التاجي، عن أن هذا التسجيل النادر لم ير النور رغم حلاوة وجمال صوت جده في قراءة وتجويد القرآن. ورغم كل هذه السنوات التي عاشها والتي مرت على رحيله يعتقد كثيرون أن الفنان أحمد عبد الوارث هو ابنه، وهو أمر غير صحيح حيث لم ينجب عبد الوارث سوى بنتين هما ''لوتس'' و''هاتور''، أنجبت إحداهما الفنان محمد التاجي الذي رافق جده في أخر عشرين عام من حياته، حيث توفي عبد الوارث عسر في 22 أبريل عام 1982.
