مسجد هادئ صغير، يستقطبك جمال معماره، تدخل للصلاة والتقاط بعض الصور، تتجول بنظرك بين ردهات المكان فترى خليطا عجيبا بين العمارة الرومانية والإسلامية، تقف أمام إحدى نقوشات المدخل فتجد اسم الرسول "محمد" يعانق اسم ابن عمه وخليفته "عليّ"، تقرأ لوحة الآثار التعريفية بالمسجد فتجد مكتوبا فيها "أمر ببنائه الخليفة الحاكم بأمر الله"، فتعرف أنه أحد مساجد القاهرة في حقبتها الفاطمية، حيث كان المذهب "الشيعي" هو السائد في أرجاء "قاهرة المعز". في شارع حمل اسم الخليفة الحاكم ببناء المسجد "المعز لدين الله"، تراصت المشاهد الأثرية على امتداد الطريق، إلا أن هناك ثمة ما يميز "الجامع الأقمر" بين هذه التحف المعمارية، فالجامع هو الأصغر على الاطلاق بين أقرانه في "مدينة الألف مئذنة"، إلا أنه كان قديما مجرد "دير العظام" تابعا لأقباط مصر. "حارس مسجد" رغم عدم إلمامه بالقراءة والكتابة، إلا أنه تعلم الكثير من مرشدي السائحين المارين بالمكان، 16 عاما هي عمر عمله بالمكان كانت كفيلة بأن يعرف قصة (كل طوبة وحجر) في هذا المكان، ويستطيع قص حكاية "الجامع دا عملوه إزاي". بداية، يقص "محمد أبو نور" فيقول "الشارع دا هنا كله اتعمر بعد دخول الفاطميين وعملوا أكتر من جامع، دا اتعمل قبل جامع الأنور (الشهير بالحاكم بأمر الله)، وكان دير اسمه "العظام"، فيه ناس بتقول إنه كان مقبرة بيحطوا فيها عضم النصارى، وفيه ناس بتقول إنه للناس العظام يعني العظيمة، بس عموما هو كان دير واتقلب جامع". كلمات بسيطة متلاحقة فتحت الطريق لمعرفة قصة "أصغر جامع"، لا يتركك "أبو نور" إلا ليلاحقك بقول "اسمه جاي من لون الحجارة بتاعته، عشان هي بيضا لون القمر يعني"، ثم يشير إليك للافتة وضعتها وزارة الآثار توجز لك تعريف الجامع وسنة بناءه والقائم عليه، يتضح لك منها أن المششرف عليه كان "الوزير المأمون البطائحي" المشتهر بصيته المعماري وثالث وزراء الدولة الفاطمية في مصر. "محمد" المتقمص لشخصيات مرشدي السياحة الذي يعرفهم جيدا، قال: "موظفين الآثار لما جددوا الجامع، نقلوا المنبر الأثري بتاعه للمتحف المصري، والمحراب الرخام نفسه اتشال وياه واتحط واحد جديد، بعدها عرفت إنهم اتبهدلوا لما المتحف اتفجر". معلومات "حارس المسجد" كادت تتطابق والحقيقة الأثرية، والتي أكدتها "كاريمان عزام- باحثة بقسم الأثار الإسلامية" بكلية الآداب بجامعة عين شمس، قالت: "المسجد مبني على أطلال دير تابعا لقبط مصر، حتى أن الاعمدة نفسها (وتبلغ 16 عمود رخامي) مأخوذة من بقايا المعابد الرومانية المهدمة بالغسكندرية قبل دخول حملة عمرو بن العاص لمصر، لذا ستجد أن البوابات وطاقات الضوء (النوافذ) تتشابه والمعمار الكنسي مثل الكنيسة المعلقة وأبو سرجة". أما "عبد الجواد السيد- استاذ التاريخ بكلية التربية بجامعة الزقازيق"، قال ان المسجد انشئ بهدف نشر المذهب الشيعي في مصر، وهو مذهب الدولة الفاطمية الأساسي، ورغم عودة المذهب السني وقيامه حتى الآن إلا انك سترى "حجاج طائفة البهرة" التابعة للشيعة الإسماعيلية دائمي الانتشار به هو ومسجد الحاكم، وهو مالا تمنعه السلطات، فهي فقط تمنع مراسم الدعوة للتشيع لا السياحة الدينية".